الخوف من الموت – ألا تكون ميتًا – وألا تكون حيًا

لعل المشكلة الأكبر التي تقابل من يعاني مرارة الخوف من الموت أو ما يسمى قلق الموت، هي أنه لا يستطيع تصنيف نفسه، هل هو ميت أم حي، الخوف من الموت يشل الإنسان، يجعله في منطقة مبهمة رمادية لا هو متقدم، ولا هو متأخر.

بعض الباحثين يسمونه قلق الموت، ولكنني أستريح لأن أسميه فوبيا الموت، وكلمة فوبيا في علم النفس تعنى “خوف مرضى غير مبرر”، فمثلًا من الطبيعي أن يخاف الشخص من الأسد لكن ليس من الطبيعي أن يخاف من القط، فالموت في ذاته أمر غير مخيف، إذًا ما المشكلة، هذا ما سوف نتناوله في السطور التالية.

ماذا يعني الخوف من الموت

قال الله عز وجل (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) آل عمران – 185، ويعي جميع الناس في دنيانا أنهم ميتون وأن وجودهم سينتهي قريبًا، ولا يوجد شخص على وجه الأرض سواء كان يعاني من الخوف من الموت أو لا يعاني يعرف مكان، زمان أو الطريقة التي سوف ينتهي بها أجله.

الخوف من الموت – ألا تكون ميتًا – وألا تكون حيًا

كما قال الله عز وجل، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) لقمان – 34، والموت حق، وفكرة الموت نفسها تقتحم أفكارنا بطرق كثيرة ولأسباب عدة، منها ماهي أسباب خارجية طارئة مثلًا، موت عزيز، مرض أصاب الإنسان، اكتئاب أو إحباطا من الظروف المعيشية.

والموت لا يغيب عن أذهاننا حيث قال أحد الفلاسفة الكبار، كل ما نراه هو الموت، وقال الله عز وجل (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، فنحن نرى الموت في النبات والحيوان يوميًا.

وهناك الكثير من أنواع المخاوف المرضية الشائعة ومنها، الخوف من القطط، الخوف من الكلاب، الخوف من المستقبل، الخوف من الغرق، الخوف من الأماكن الواسعة، الخوف من الأماكن العالية، الخوف من الوحدة وأيضًا الخوف من الموت.

ولو طبقنا معنى الخوف المرضي “الفوبيا” على قضية الموت لوجدنا أنه من غير المنطقي ومن غير الطبيعي أن يخاف الشخص من الموت، والخوف من الموت، حالة غامضة غير محددة المعالم، فيها يركز الفرد على موضوعات ذات صلة بالموت والاحتضار.

وهو درجات فمن من الناس من يعكر صفوه ومنهم من يكون له عائقًا ويشله الخوف تمامًا، أما تبلر فيري أن الخوف من الموت هو حالة انفعالية غير سارة تجعل الفرد يتأمل في فكرة وفاته دومًا.

أما هولت فيري الخوف من الموت على أنه استجابة انفعالية تتضمن مشاعر مختلطة من عدم السرور والانشغال المتعمد أو القهري بفكرة الموت أو بالمظاهر المرتبطة بفكرة الموت، أما دكستاني فعرفه بحالة التأمل الشعوري في حقيقة الموت والذي يعيق مسيرة الحياة بشكل كبير.

تاريخ فكرة الخوف من الموت

كان اليونانيين قديمًا يخافون من النوم، لأنه شكلًا من أشكال الموت، وهذا له أصل شرعي لدى المسلمين، فالشرع ينظر للموت على أنه الموتة الصغرى، واليهود قديمًا كانوا يستيقظون يشكرون ربهم على أن أعادهم للحياة مرة أخرى.

وسقراط حاول تهدئة زملائه الذين كانوا يعانون من الخوف من الموت حتمًا قبل أن يتجرع السم منتحرًا، وكثيرًا ما حاول المؤرخون إطالة أعمارهم، فكانت أولى المحاولات في كتاب الموتى عند الفراعنة.

وتلتها محاولات عدة في الكيمياء السحرية أو كما يسمونها بالهيروغليفية “السيميائي” Alchemy حيث انشغل مؤلفو تلك العلوم بقضيتين أولهما إطالة العمر، وثانيهما تحويل المعادن إلى ذهب.

ثم حاول فرانك شتين في القرن التاسع عشر، إعطاء فرصة للحياة الأطول عن طريق التنبيه الكهربي ولكنه فشل فشلًا ذريعًا، وكتب العالم النفساني الشهير جوستاف كتابًا عن رهاب الموت أو ما يسمي مخوفة الموت، Thanatophobia وكان عنوان الكتاب “الحياة بعد الموت” وقد أعجب البروفيسور ويليام جيمس بهذا الكتاب كثيرًا.

ثم كتب دور كيم كتابًا عن الانتحار، وقدم مشين كوف علمًا جديدًا أسماه علم دراسة الموت والاحتضار، Thanatology، وقلق الموت أو الخوف من الموت يختلف كثيرًا عن الخوف من الاحتضار، حيث أن من يعاني من الخوف من الاحتضار يخاف فقط من لحظات الاحتضار الأخيرة.

لماذا الخوف من الموت – هل هو ضعف في الإيمان؟

الخوف من الموت ينتمي إلى طائفة الأمراض العصابية، أي التي يرجي علاجها نفسيًا وليس بالأدوية والعقاقير إلا في حالات قليلة عندما يقترن مع الخوف من الموت أمراض نفسية أخري كالقلق الحاد مثلًا.

الخوف من الموت – ألا تكون ميتًا – وألا تكون حيًا

أما بخصوص ضعف الإيمان وعلاقته بالخوف من الموت، فالأمانة تقتضي أن أقول أن مستوى الإيمان والتدين لدى الشخص يحميه من الوقوع في الكثير من الاضطرابات النفسية، منها الخوف من الموت، لكن هذا لا يعني أن كل شخص يعاني من الخوف من الموت ضعيف الإيمان، فهذا غير صحيح.

بعض الناس لا يملكون خلايا دماغية قوية تتحمل الصدمات الحياتية، كوفاة الأب، الأم أو الشخص العزيز عمومًا، وبالرغم من إيمانه القوي إلا أنهم يتأثرون بسرعة بتلك الظروف من حولهم، والذي يترتب عليه بعض الوساوس القهرية التي من ضمنها ما يسمي بوسواس الموت.

لذلك فلا نسرع في الحكم على الناس من حولنا ولو أختلط الأمر علينا، فالذهاب للمتخصص يحسم الأمر بإذن الله، وفي نهاية المقال، سنسرد طرقًا للوقاية من مثل هذه الأفكار القهرية المتعلقة بالموت، كما سنسرد طرقًا للعلاج أيضًا.

والخوف من الموت له أسباب عدة، وهي في الغالب أسبابًا بيئية أي تحدث للإنسان بعد ولادته، ومن هذه الأسباب:

متابعة وسائل الإعلام بدون تقنين

فكثرة سماع الفرد أو قراءته عن الأحداث الجارية في العالم العربي وحتى الغربي ترهق ذهنه، تحديدًا وإن كان هو أصلًا ضعيفا لا يتحمل، لذلك ينبغي الاحتراز والتقنين في التعامل مع وسائل الإعلام، وحاول ألا تكون ضحية لها.

تأنيب الضمير والشعور بالذنب

وهنا ليست المشكلة في اقتراف ذنب معين ولكن في عدم معرفة حقيقة الخالق سبحانه وتعالى، فالله عز وجل غفور رحيم، وشكور، يعطى الكثير من النعم في مقابل القليل من الشكر، وهنا من يصاب بالخوف من الموت لهذا السبب، لديه مشكلة إيمانية محضة.

الفراق وموت العزيز

تعرض الشخص لوفاة عزيز، تحديدًا النساء عندما تتعرض الفتيات لفقد الأم، هذا يمر على كثير من الناس بسلام، ولكن المرهفون من الناس، يظل متربعًا في قلوبهم بعض الهم والغم، وطبعًا كلنا يحدث لنا هذا لكن الفكرة هنا أن من يعاني من رهاب الموت يستمر الأمر معه لفترة قد تصل لسنين.

الإصابة بحالة الاكتئاب الحاد

والاكتئاب مرض عضوي وليس نفسي المنشأ، نادرًا ما يتحول الاكتئاب لخوف من الموت، ولكن لو حدث هذا فالحل في الغالب يحتاج لتناول بعض العقاقير المهدئة تحت إشراف الطبيب، بالإضافة إلى العلاج النفسي جنبًا إلى جنب.

الخوف من الموت – ألا تكون ميتًا – وألا تكون حيًا

التعرض للكوارث الطبيعية والأحداث الدامية والحروب والهزات والزلازل

والكوارث الأرضية والطبيعية تكثر في بعض البلاد منها الصين مثلًا ووفق الدراسات تزداد حالات رهاب الموت لديهم، لذلك لدى الدول المتقدمة علاج يسمى علاج ما بعد الصدمة أو البعض يسميه أيضًا إدارة الأزمات، وهو هام في مثل هذه الحالات.

أما الحروب فللأسف موجودة في العالم كله، حتى في بلادنا العربية لذلك يحبذ، المتابعة للأحداث ولكن بشكل مقنن وفى حدود ضيقة، ومحاولة إبعاد الأطفال في السن الصغير عن مثل هذه الصور والأفلام البشعة على التلفاز أو الإنترنت.

الخوف من الموت – ألا تكون ميتًا – وألا تكون حيًا

كيف أعرف أنى مصاب بالخوف من الموت

الشخص الذي يعاني من الخوف من الموت لديه بعض من الأفكار والمعتقدات اللاعقلانية بصورة ما والتي منها:

  • الخوف من الاحتضار وما يحدث فيه من آلام يتوقعها الشخص ويغالي ويبالغ فيها.
  • الخوف مما سيحدث بعد الموت من حساب وهذا منطقي لدرجة ما، فمن الطبيعي لأي عاقل أن يدرك أن عمره مهما طال فهو إما إلى جنة أو إلى نار، فليعد إذًا للقاء.
  • الخوف من توقف الحياة.
  • عملية الاحتضار نفسها.
  • موت عزيز أو قريب.
  • الخوف من التحلل في القبر أو التفسخ.
  • الخوف من المجهول.
  • موت الشعور وموت الإحساس بالمواقف، والحالات الانفعالية.
  • الخوف من – الموت قبل الأوان.

ومن العلماء من تحدث عن مكونات أخرى للخوف من الموت ومنها:

  • الخوف من موت الذات.
  • الخوف من احتضار الذات.

وهنا لو كنت تعاني من فكرتين على الأقل من هذه الأفكار والمعتقدات فأنت تعاني فعلًا من قلق الموت، وتحتاج لزيارة متخصص في العلاج المعرفي، أو ما يسمي بالعلاج العقلاني الانفعالي.

وهناك أيضًا بعض الأعراض السلوكية التي تعبر بقوة عن حالة رهاب الموت ومنها:

  • ضيق التنفس بدون سبب عضوي أو نفسي واضح.
  • البكاء في المواقف التي لا تستدعي البكاء.
  • النظرة التشاؤمية للحياة بكل أبعادها.
  • الأرق وتعذر النوم.
  • الانطواء والهروب من المواقف الحرجة في الحياة.
  • كثرة الشكوى من الأمراض العضوية التي لا وجود لها.
  • التحدث عن الموت بشكل مبالغ فيه، أو الهروب المبالغ فيه أيضًا من الحديث عن الموت.
  • انقباض الصدر.

وهنا مهم جدًا أن نوضح أنه ليس كل من لديه أرق لديه خوف من الموت، لابد من اجتماع أربع إلى خمس أعراض، للتعبير عن رهاب الموت، والأهم هو إعاقة الأداء بشكل عام.

الخوف من الموت – ألا تكون ميتًا – وألا تكون حيًا

مستويات الخوف من الموت

المستوي البسيط

بشكل عارض قد يعترينا بعض الأفكار البسيطة عن الموت وعن صعوبة لحظات الاحتضار، والتي سرعان ما تزول تحديدًا لدى الشخص المتدين المتمسك بدينه، المصلي، المسبح، الذاكر لله.

والذكاء في التعامل مع مثل هذه الأفكار مطلوب، فعلماء النفس يفضلون ألا يعطى الفرد لأمثال هذه الأفكار وزنًا، بأي صورة من الصور، وألا يحاول طردها، لأن هذا يزيد منها.

المستوي المتوسط

وهنا ترتفع أصوات الشكاوى، وتعلو التنهدات ويبدأ الأمر يصبح أكثر تنغيصًا على حياة الشخص، وهنا يسهل أيضًا رده بقليل من المجهود، ولكن إذا أحس الشخص بعدم القدرة على رد الخوف من الموت، يستحب الذهاب لأحد المعالجين النفسيين تحديدًا المتخصصون في العلاج العقلاني الانفعالي، أو السلوكي العقلاني الانفعالي.

المستوى الحاد

وهو المستوي الكامل والتام من الخوف من الموت، والذي يحدث فيه حالة تامة من التيبس، والانعزالية، ورفض الواقع، والهروب من كل شيء، ويحدث فيه إعاقة كاملة في السلوك والأداء، ويرجي في هذه الحالة أن يعينها المقربين على أن تذهب لمتخصص في العلاج النفسي، وهذه الحالة تحتاج لوقت طويل كي تبرأ.

وتحتاج لجلسات طويلة من العلاج المعرفي والعقلاني أيضًا، لأنه في الغالب ما ترتبط الكثير من الاضطرابات بالخوف من الموت في مستواه الحاد فغالبًا ما يعاني من قلق حاد، واكتئاب، لذا يرجي الصبر والمتابعة مع الطبيب المتخصص.

علاج الخوف من الموت

بالرغم من دراستي علم النفس والصحة النفسية لسنين عدة قد تتجاوز الاثنا عشرة سنة، وبالرغم من دراستي العديد من الطرق للتغلب على أغلب الأمراض النفسية، إلا أنى قبل أن أتحدث عن علاج الخوف من الموت لابد أن ألفت انتباهك عزيزي القارئ لأمرين وهما:

  • الوقاية من الخوف من الموت هي الأولي من العلاج.
  • العلاج النفسي أو السلوكي لوحده لا يجدي في علاج الخوف من الموت، فعلاج الخوف من الموت تضافر بين المعالج النفسي المتخصص، ورجل الدين المطلع، على أمور الدنيا، فلا يمكن لأحدهما حل المشكلة منفردًا، ولكن كما أن عليك أن تنتقي المعالج النفسي المتخصص، أختر أيضًا رجل الدين الدارس المتخصص، المخالط والواقعي.

لذلك سنقدم فيما يلي عدة وسائل للوقاية من الخوف من الموت والأخرى لعلاجه.

الوقاية من الخوف من الموت

الابتعاد عما يثير الحزن والأسى

من أحداث جارية ومن أخبار الحروب، ونحن لا نشجع على الانعزال، ولكن أطلع وفق طاقاتك وقدراتك وراقب نفسك، لو تأثرت بشكل سلبي فلتتوقف فورًا.

التعرف على صفات الله عز وجل

وهذا يفيد في حل كثير من المشاكل، لأن معرفتك صفات الله يعلمك من تعبد، ومن يغفر، ويجعلك تبيت في أمان وفى ترقب ويجعلك تؤمن بالموت كحقيقة، وتؤمن بقوله عز وجل (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ).

وهذا رابط لسلسلة من الدروس لشرح أسماء الله الحسني

التمسك بتقوى الله

بما فيها من مفاهيم عدة، الإيمان بالغيب، ومنها الموت فهو غيب، وإقامة الصلاة، وغيرها من المفاهيم، وهذا درس لشرح مفهوم التقوى.

وهذا درس آخر

زيارة المرضي

لما فيها من الكثير من العبر، وبعدها تقول الحمد لله من القلب، وتعرف حقيقة الحياة، وأن كل يبلي إلا وجه الله.

مخالطة الناس

التعامل اليومي مع الناس يفيد، في حل الكثير من المشاكل، وخذ الأمر بالتدريج ولا تنهك نفسك، وتذكر أن مخالطة الناس بها بعض الأذى وبعض الصعوبات، ومخالطة الناس تنسيك ذاتك وتجعلك تذوب في الآخرين.

علاج الخوف من الموت

العلاج العقلاني الانفعالي

وفيه يحاول المعالج النفسي، معرفة الفكرة أو السبب الحقيقي وراء حدوث الخوف من الموت، وهذا يأخذ بعض الوقت، والعلاج يسير بإذن الله لكن أنصحك بأن تبحث عن المتخصص، وإذا كنت في المستويات الأولى من المرض فيكفيك التمسك بصلاتك وأذكارك وستبرأ بإذن الله أما المستويات المتقدمة فلابد من زيارة متخصص.

العلاج السلوكي

وفيه يحاول المعالج وضع بعض الخطوات أو الواجبات، كبرنامج لحل المشكلة وهذا يأخذ وقت كبير ولكنه أقل فعالية من العلاج العقلاني الانفعالي.

العلاج الطبي الدوائي

وهو مجرد مهدئات، لطرد الفكرة فقط مما يعانون من أمراض أخرى بجانب الخوف من الموت كالقلق مثلًا لكن مشكلة هذا أنه قد يسبب تعودًا، فلا تستخدمها إلا تحت مشورة الطبيب.

في نهاية المقالة تذكر أخي / أختي عدم التسرع في الحكم على نفسك، أنك تعاني من الخوف من الموت، وأسأل الله عز وجل أن يشفي مرضانا.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله