التصنيف: شخصيات

  • عمر المختار … من أجل الحرية النصر أو الموت

    عمر المختار الزعيم الليبي الذي وقف أمام أقوى الجيوش ليرفع علم بلاده عاليًا، والشخصية العربية التي ماتت من سنين طويلة إلا أن سيرتها ستعيش حتى آلاف السنين.

    إنه المجاهد الذي رفض الاستسلام وتم إعدامه لأنه كان يدافع عن أرضه ووطنه، قاد سلسلة من المعارك والغارات التي جعلت من اسمه رمزًا للكفاح والنضال في تحرير الأوطان، هو البطل الذي أجبر جيوش أقوى دولتين في العالم الاعتراف بمدى الضعف وقلة الحيلة أمام جماعته الذي كان عددها أقل من ألف مجاهد، تعالوا معنا لنعرف تفاصيل أكثر عنه.

    من هو عمر المختار؟

    هو أحد الشخصيات الهامة التي أثرت في تاريخ الثورة الليبية، إنه عمر بن فرحات ابريدان المنفي الهلالي، من قبيلة تسمى (بريدان) وهي من بطون قبيلة المنيف أو (المنفية) من أوائل القبائل التي سكنت مدينة (برقة) الليبية.

    والدته تسمى عائشة بنت محارب.

    ولد في بلدة (جنزور) الساحلية التي تقع في الشمال الغربي من ليبيا، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، غرب العاصمة الليبية (طرابلس) القريبة من (طبرق) في الجبل الأخضر، وكان ذلك في 20 من شهر آب “أغسطس” من عام 1858 م.

    إنه قائد مهم في الحركة السنوسية في ليبيا.

    وهو من أشهر المقاومين الذين عرفهم التاريخ بين العرب والمسلمين.

    ألقاب عمر المختار

    لُقب عمر المختار بعدة ألقاب كان لكل منها سبب في ذلك:

    • شيخ المجاهدين، وهذا لكونه قد أرهق الحكومة الإيطالية والبريطانية لأكثر من عشرين سنة من أجل القبض عليه، كما هدم اسطورة هاتين الدولتين التاريخية التي زلزلت العالم لسنين طوال،
    • أسد الصحراء: بسبب مصارعته لأسد في الصحراء اللبيبة وقضى عليه.
    • شيخ الشهداء لأنه عندما استشهد كان كبيرًا في السن.
    • وأطلق عليه لقب آخر مشهور جدًا وهو (سيدي عمر) لعلاقته القوية بالسنوسيّين، حيث كان يُعتبر من بين زعمائهم. وهو لقب لا يُمنح إلا لكبار مشايخ وعلماء الحركة.

    صفات المجاهد عمر المختار

    اشتهر خلال حياته بالحزم والصبر مع الاستقامة والجدية، وكانت صفاته الحميدة، وأخلاقه العالية ملفتة لنظر كل من عرفه من زملائه وأساتذته، كما كان متواضعًا وشديد النزاهة، إلا أنه كان قاسي الطباع، وواسع الثقافة، شديد الإخلاص والولاء لبلاده.

    ويُعرف بأنه حاد الذكاء، وهو من شدة حبه للدين الإسلامي كان متدينًا قويًا ومتعصبًا لدينه بشكل كبير. فقد كان مُلمًا بالكثير من العلوم الدينية، مع إلمامه بشؤون بيئته، حيث كان يعرف الكثير عن القبائل الموجودة فيها وأسمائها وأنسابها وعاداتها وتقاليدها، والرمز الذي يميز كل قبيلة من خلال الوسوم التي تطبعها على ما تملكه من أغنام وأبقار وجمال.

    بالإضافة لتعلمه عن كل ما يوجد في بلاده من أنواع النباتات وخصائصها، والحيوانات التي تعيش في منطقته وكل ما يتعلق بها وما يصيبها من أمراض وكيفية علاجها.

    ولا ننسى خبرته بمسالك الصحراء والطرق التي فيها، حيث تدرب عليها من خلال اجتيازه لها عندما كان يذهب من برقة إلى خارج ليبيا حيث مصر والسودان، مع خبرته في الطرق الضيقة والمسالك بين المدن الليبية التي كان يذهب إليها مثل (الجغبوب، الكفرة وغيرها كثير).

    وهذه المزايا التي اكتسبها بالتعلم كان لها دور كبير في فترة جهاده ضد الاحتلال الإيطالي على بلاده.

    صفاته الجسدية

    كان المجاهد عمر المختار معتدل الجسم، متوسط القامة حيث يميل للطول بشكل أكثر من القصر، ذو شعر أبيض ولحية كثيفة بيضاء أعطته الهيبة والوقار والجدية لشخصيته، كما كان عريض المنكبين وقوي البنية.

    صوته أجش، ذو حديث سلس، مع اتزان في عباراته وكلماته، يتخلل كلامه ابتسامة هادئة.

    السيرة الذاتية لعمر المختار

    اهتمام والده بتربيته

    بعد ولادة عمر المختار مباشرة اهتم والده بتربيته تربية إسلامية مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية التي تقوم على اتباع القرآن والسنة النبوية الشريفة.

    ومن حرص والده على تعليمه أصول الدين سافر به وهو مازال صغيرًا (4 سنوات) إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، إلا أنه مرض هناك وتوفي وهو في طريقه إلى مكة المكرمة.

    ووصى قبل وفاته صديقه (الشيخ أحمد الغرياني) الذي كان يرافقه في الحج، أنه في حال توفي بأن يقوم هو وأخوه حسين الغرياني (شيخ زاوية جنزور) بتربية ولده عمر.

    انتقال عمر المختار إلى كنف صديق والده لتربيته

    قام صديق والد عمر المختار (الشيخ أحمد الغرياني) مع أخيه الشيخ (حسن الغرياني) بتولي أمور تربية عمر بعد وفاة والده، (كما يُقال بأنه قام بتربية عمر وأخيه محمد أيضًا في ذلك الوقت)، حيث قاموا بالحاق عمر بمدرسة القرآن الكريم الموجودة في زاوية جنزور، ثم دخل معهد (الجغبوبي) من أجل دراسة علوم الدين مع أبناء القبائل الأخرى.

    دراسته للعلوم الشرعية

    في هذا الوقت بدأ عمر المختار يُلفت انتباه شيوخه ومدرسيه بذكائه ونباهته وحُسن أخلاقه حيث ظهر واضحًا للجميع ذكائه، وهذه الصفات شجعت أساتذته في المعهد على الاهتمام به بشكل أكبر من أجل أن يُساهم في نشر تعاليم الإسلام خارج ليبيا ايضًا، وهذا لأن معهد (الجغبوب) كان في ذلك الوقت منارة للعلم، وملتقى العلماء والمربين والأدباء والفقهاء من مختلف دول القارة الأفريقية، حيث كانوا يهيؤون الطلاب المسلمين في هذا المعهد، وتعليمهم المبادئ الإسلامية من أجل حمل رسالة الإسلام لنشرها بين القبائل.

    وظل عمر المحتار يدرس العلوم الشرعية مثل (الفقه والتفسير والحديث) في معهد (الجغبوب) لمدة (8 سنوات) تقريبًا على يد أشهر الشيوخ في ذلك الوقت أمثال (السيد الجوّاني، السيد الزروالي المغربي)، حيث كان عمر متميزًا بين زملائه برجاحة عقله، وذكائه، ونباهته، وحبه للدعوة، وإخلاصه وتفانيه في الدراسة وأداء ما يتوجب عليه. عدا على كونه كان مشهورًا بين زملاؤه بالاستقامة والجدية والحزم والصبر.

    اكتسب عمر السمعة الجيدة وبشكل قوي عند شيوخ الحركة السنوسية، من خلال ما كان ينقله أساتذته عن أخلاقه وصفاته الحميدة لهم وخاصة للشيخ محمد المهدي السنوسي (زعيم في الحركة السنوسية)، مما جعله يكبر في عيون مشايخ الحركة.

    وفي عام 1895 أخذه الشيخ محمد المهدي في رحلة من (الجغبوب) إلى منطقة في جنوب شرق ليبيا تسمى (الكفرة).

    اهتمام عمر المختار بدراسة بيئته المحيطة به

    وفي هذه الفترة من عمره بدأ يهتم بدراسة جغرافية البحار المحيطة ببلاده، وتعرف على الطرق الرئيسية والطرق المختصرة والتلال الموجودة في صحراء ليبيا.

    كما اهتم بدراسة أنواع النباتات الموجودة في بيئة بلاده ودراسة خصائصها.

    كما تعلم كل ما يتعلق بالماشية والأمراض التي تصيبها مع تعلم طرق علاجها.

    عدا عن كونه كان يحب أن يتعرف على طباع كل قبيلة بدوية في بلاده محيطة به، ونسبها وعاداتها والتقاليد التي تحكمها.

    السبب في تسميته أسد الصحراء

    كان كل من يعرف عمر المختار يشعر بأن الصحراء كانت بمثابة منزله من شدة حفظه لكل ركن من أركانها، مما جعلهم يُطلقوا عليه لقب أسد الصحراء.

    تعد الحادثة المشهورة التي كانت السبب في إطلاق لقب (أسد الصحراء) على عمر المختار شعار تعرفه فيه كل القبائل، وقصة الحادثة الشهيرة تدور كما يلي:

    من شدة إعجاب الشيخ المهدي بعمر اصطحبه معه في إحدى المرات برحلة من الجغبوب إلى منطقة الكفرة، ثم إلى منطقة (قرو) في غرب السودان، وكانوا آنذاك ضمن قافلة فيها عدد من شيوخ الدعوة.

    وفي طريقهم قطع عليهم الطريق أسد وهم في وسط الصحراء، فاقترح أحد المرافقين بإلقاء واحد من الماشية في طريق الأسد ليتخلصوا من أذاه، إلا أن عمر المختار رفض هذا الحل وقال حينها:

    إن الإتاوات التي كان يفرضها القوي منّا على الضعيف قد أبطلت، فكيف يصحّ أن نعيدها لحيوان؟ والله إنها علامة ذلٌّ وهوان، والله إن خرج علينا لندفعه بسلاحنا“.

    وقام عمر المختار بمصارعة الأسد لوحده حتى قتله، وقام بسلخ جلده وعلقه على وتد في وسط الطريق الصحراوي لتشاهده باقي القوافل التي تعبر من هذا الطريق.

    وجوده في السودان

    بقي عمر المختار في السودان ما يقارب (10 سنوات) نائبًا عن الشيخ المهدي السنوسي، كان خلالها ينشر تعاليم الإسلام والدعوة بمنتهى الجدية والالتزام، لدرجة أن شيخه محمد المهدي كان يقول فيه: “والله لو كان بيننا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم”.

    تعيينه شيخًا على بلدة زاوية القصور في ليبيا

    انتقل في عام 1897 إلى ليبيا، وتم تعيينه شيخًا لبلدة اسمها (زاوية القصور) القريبة من منطقة الجبل الأخضر، في الشمال الشرقي لبرقة، حيث كان يقطن هذه البلدة فبيلة العبيد، وكان معروفًا عنهم أنهم أشداء ويصعب السيطرة عليهم، لكن رغم ذلك استطاع في المهمة المكلف بها في هذه البلدة، ونجح في السيطرة على سكان البلدة بعد كسب ثقتهم.

    ومن شدة علاقته القوية بالسنوسييّن أطلقوا عليه لقب (سيدي عمر)، وهذا اللقب أطلق عليه باعتباره أحد شيوخ السنوسية المعروفين.

    انضمامه لصفوف المقاومة في تشاد وحادثة الإبل المريضة

    وبعد حوالي (3سنوات) بدأ الاحتلال الفرنسي لدولة تشاد، وانضم عمر المختار لصفوف المقاومة من أجل محاربة الاستعمار وتحرير أهالي البلد من ظلم الفرنسيين، خاصة أن الفرنسيين أخذوا يحاربون الحركة السنوسية أيضًا، فكان عمر قائد لكتائب الحركة.

    وأثناء الحرب حصلت واقعة مشهورة ساهمت في زيادة شعبية عمر المختار عند قبائل الليبية، وهي أن الإبل والجمال التي كان المجاهدين يستخدمونها في القتال أصيبت بداء الجرب، فسحب عمر المختار الإبل التي بلغ عددها (4000) واتجه بهم لمنطقة تسمى (عين كلك) من أجل علاجها بمياه هذه المنطقة الجيدة لمعالجة الأمراض، وخلال فترة قصيرة جدًا تعافت كل الإبل على يديه.

    عودته لحكم بلدة زاوية القصور

    وفي عام 1902 توفي شيخه محمد المهدي، فطلبت القيادة السنوسيّة من عمر المختار العودة من تشاد للأراضي الليبية ليكون حاكم بلدة زاوية القصور، وهذا من بعد ما زادت حالات الشغب بين الأهالي، ومرة أخرى نجح عمر في السيطرة على جميع الأهالي في وقت قصير جدًا، لدرجة أن الحكومة العثمانية آنذاك أشادت في جهود عمر في جلب الهدوء والاستقرار للبلدة.

    بقي في هذا المنصب لمدة (8 سنوات)، حيث كانت عملياته ضد قوات الانتداب البريطاني على الحدود المصرية الليبية مستمرة، لدرجة أن البريطانيين كانوا يعتبرونه (شبح الصحراء).

    إعلان إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية

    في 10 أكتوبر من عام 1911 أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وبدأت في إنزال قواتها على أراضي مدينة (بنغازي)، فجمع عمر المختار (1000) من عبيد بلدة (زاوية القصور) وأنشأ معهم معسكرًا في منطقة (الخروبة).

    ثم التحق بالمجاهدين في الجيش العثماني من أجل محاربة الجنود الإيطاليين في منطقة (الرجمة)، واستمرت المعارك لمدة سنة كاملة بوجه التقريب، حيث تكبدت فيها إيطاليا خسائر فادحة بسبب (المقاومة الشرسة) من قبل المجاهدين.

     وعندما اندلعت حروب البلقان، اضطرت الدولة العثمانية لعقد صلح مع إيطاليا، ومن شروط الصلح أن تنسحب الدولة العثمانية إلى الأستانة،

    قام قائد القوات العثمانية آنذاك (عزيز بيك المصري) بالموافقة على شروط الصلح، وانسحب بالفعل إلى الاستانة مع جنوده النظاميين، ولكن قبل رحيله أخذ كافة الأسلحة التي لديه التزامًا منه ببنود الاتفاق، مما أثارت هذه الحركة غضب شديد في صفوف المجاهدين الليبيين، وطالبوه في وقتها بتسليمهم السلاح قبل الانسحاب.

    وعندما رفض بدأ المجاهدين في إطلاق النار على الجنود العثمانيين، مما تسبب في وقوع خسائر بشرية كثيرة من الطرفين (الجنود العثمانيين والمجاهدين الليبيين)، عندها أمر عمر المختار المجاهدين بعدم التعرض للقوات العثمانيين مرة أخرى.

    استمرار القتال ضد إيطاليا بقيادة عمر المختار

    بقي عمر المختار يحارب مع المجاهدين ضد الجيش الإيطالي لحين وصول (أحمد الشريف السنوسي) لمنطقة (درنة) الواقعة على البحر، واستلم القيادة من عمر المختار، وبقي معه يحاربان سويًا القوات الإيطالية.

    كانت المعارك بين الطرفين في أعنف صورها وأشبه بالملاحم، وهذا يعو لكون الكثير من المجاهدين يحاربون بكل قوة متأثرين بشجاعة عمر المختار التي وصفوه وقتها بالداهية بسبب شدة ذكائه في الحرب.

    المعارك بين المجاهدين والجيش الإيطالي

    من أشهر المعارك والغارات التي دارت وقتها بين المجاهدين والقوات الإيطالية معركة في منطقة درنة، والتي استمرت لمدة يومين فقط، لكن عمر المختار نجح خلالها في قتل (70) جندي إيطالي وإصابة ما يقارب (400) جندي، وهذا يعتبر انتصار رهيب كون المجاهدين الليبيين كانوا يعانون من قلة الأسلحة، إضافة لمعركة (بو شمال) في منطقة عين مارة، ومعارك (الزويتينة، أم شخنب، والشلظيمة) في عام 1914.

    وفي هذه الفترة كثفت القوات الإيطالية غاراتها على جميع المدن الليبية، ونجحت في الاستيلاء على كثير من أراضيها، مما اضطر عمر المختار في الانسحاب مع المجاهدين إلى منطقة (جبل العبيد)، حيث بدأت معاناة المجاهدين تزيد بسبب القحط والشح الذي حل على البلاد نتيجة الحرب، ورغم ذلك فإن عمر المختار كان يتنقل بين الحدود المصرية الليبية من أجل المقاومة ضد الاحتلال البريطاني على مصر آنذاك تحت قيادة (أحمد شريف السنوسي) وبعدها كان يعود لمنطقة جبل العبيد من أجل القتال مع المجاهدين الليبيين ضد الاحتلال الإيطالي.

    المفاوضات من أجل إيقاف المقاومة (بين البريطانيين وعمر المختار)

    في عام 1916 قام (نوري باشا ممثل الدولة العثمانية) باستدعاء المجاهد عمر المختار في منطقة (برقة) ليطلب منه توقيف هجماته على الجيش البريطاني في مصر، إلا أن عمر المختار رفض طلبه.

    مما دعا القوات البريطانية لإرسال وفد من البريطانيين والايطاليين إلى الشيخ (ادريس السنوسي) في منطقة (الزويتينة) من أجل اقناع عمر المختار بإيقاف المقاومة ضد الجيش البريطاني في مصر، وضد الجيش الإيطالي في ليبيا، ووافق الشيخ ادريس على أن يقوم بذلك ومال للسلم، وبالعفل تم توقيع معاهدة سميت (معاهدة الزويتينة) والتي أثرت بشكل واضح على باقي المعاهدات الليبية التي وقعت بعد ذلك، كما كان من آثارها تشتت معظم رجال الشيخ ادريس في أنحاء البلاد.

    بعد سقوط العاصمة الليبية طرابلس  

    في شهر (يناير) من عام 1923 هاجر الشيخ محمد ادريس لمصر بعد سقوط العاصمة الليبية طرابلس على أيدي الإيطاليين، مما جعل عمر المختار يقوم بقيادة المجاهدين في منطقة (برقة)، مع دعوة أهالي الجبل الأخضر للقتال واعداد جيش شجاع ضد هجمات الجيش الإيطالي.

    كما فتح عمر باب التطوع أمام الشعب الليبي للاشتراك والكفاح والمقاومة ضد الاحتلال الإيطالي، وشكل لجنة من أعيان وكبار رجال الجبل الأخضر ودربهم على أسلوب الغارات وحرب العصابات، وكان يصطب معه ما يقارب من 200 إلى 300 محارب في كل غارة بحيث يقوم بالهجوم على الجيش الإيطالي بشكل مفاجئ ثم ينسحب بسرعة، وهذه كانت بداية الحرب القوية التي ظهرت بين الجيش الإيطالي وعمر المختار والتي استمرت (22) سنة، وانتهت بإعدام عمر المختار.

    ورغم ذلك فإن عدد أفراد المقاومة الليبية لم يزيد عن (1000) مقاوم فقط وأغلبهم كانوا مسلحين ببنادق خفيفة، إلا أنه رغم ذلك فإن الغارات التي كان يقوم بها مع المجاهدين ضد الجيش الإيطالي كانت أشبه بالكابوس المرعب على الجيش الإيطالي، وهذا يعود إلى:

    • خبرة عمر وعلمه بخبايا وأسرار الصحراء.
    • وكون المجاهدين معه قد تعودوا على شدة القيظ والجفاف ونقص المياه.
    • واهتمامه بقطع طرق المواصلات والامدادات على الجيش الإيطالي.

    وبدأ يهاجم ثكنات الجيش الإيطالي، ويقتل مسؤوليهم ذوو رتب عسكرية عالية ورفيعة، رغم أنهم محصنين بأسلحة نظامية قوية وجديدة بأيد قوات نظامية.

    واستغل عمر خبرته في الصحراء وجغرافيتها ودروبها ومسالكها في مواجهة الجيش الإيطالي بحملات سريعة وضربات موجعة، وإيقاع الرتل وراء الآخر بكمين مدبر، مما أصاب المسؤولين العسكريين الإيطاليين بذهول، وهذه المقاومة الرهيبة من المجاهدين مع عمر المختار تسببت في:

    • إحراج الجيش الإيطالي أمام الرأي العام في بلادهم.
    • كما اتهم الجيش الإيطالي بالفشل أمام مقاومة شعبية بسيطة مكونة من مجموعة مكونة من عدد لا يتجاوز الألف رجل، ولا يوجد بينهم وبين الجيش الإيطالي أي تكافؤ من حيث العدد والأسلحة المستخدمة حيث كانت المقاومة تحارب بأدوات بسيطة.

    انسحب قائد الحركة السنوسية إدريس السنوسي في عام 1922 بعد أن عقد صلحًا مع إيطاليا، مما أثار غضب عمر المختار وشيوخ القبائل وقواد الحركة، فقاموا بمبايعة عمر المختار زعيمًا لهم بشرط محاربة الإيطاليين فقط، فقبل الشيخ ادريس بذلك ورحل إلى مصر للعلاج مدعيًا المرض،

    وبعد رحيل الشيخ إدريس استمرت الحرب من جديد، وأصبحت المسؤولية أكبر على عاتق عمر المختار، وفجأة وجد نفسه قد تحول من شيخ ومعلمّ مهتم بشؤون الدعوة الإسلامية إلى قيادي في الصفوف الأولى من المقاومة الليبية، وبدأ بجمع أكبر عدد من المجاهدين مع حرصه على جمع المال الكافي لاستمرار المقاومة، وتحريض القبائل لمهاجمة الطليان في برقة برئاسته.

    وفي نهاية عام 1923 سافر عمر المختار إلى مصر لمقابلة شيخه (محمد ادريس) ليعرض عليه نتائج حركة المقامة في ليبيا، مما جعل الحكومة الإيطالية تقوم بالتواصل بينها وبين عمر المختار بشتى الطرق من أجل تقديم عرضين أمامه وهما:

    • الرجوع إلى ليبيا مرة أخرى والتنازل عن زعامة المقامة الليبية، وإجبار رجال المقاومة على ترك الجهاد، مقابل أن يجعلوا منه رجل ليبيا الأول، وأهم شخصية في تاريخ هذه الدولة، مع توفير سكن له أشبه بالقصر في أي منطقة يختارها، مع تكليف الجنود الإيطاليين بحراسته وحمايته.
    • أو العرض الثاني وهو أن يبقى في مصر، ويقطع علاقته بالشيخ (محمد ادريس)، ويطلب اللجوء بشكل رسمي للدولة الإيطالية، مقابل تقديمهم له كل الامتيازات اللازمة والتي يطلبها، بالإضافة إلى تقديم راتب شهري له ضخم وبالمبلغ الذي يعينه.

    أما رد عمر المختار أمام هذين العرضين، وأمام أي عرض آخر من العدو في كل مرة قوله: ” أننا قد خُلقنا للجهاد!”.

    ورغم أن الإيطاليين كرروا العرض على عمر المختار عدَّة مرّات حتى بعد أن خرج من مصر وعاد إلى برقة لكنه في كل مرة كان يرفض ويُصرّ على الجهاد. وغادر عمر المختار القاهرة إلى السلّوم ثم برقة.

    الحادثة المشهورة (معركة بئر الغوبي)

    وعاد عمر المختار إلى ليبيا، اثناء عودته حصلت الحادثة المشهورة باسم (بئر الغوبي)، والحادثة تدور كما يلي:

    في هذا الوقت وخلال عودته إلى ليبيا آنذاك، كان عمر المختار بصحبة (50) رجل من كبار السن من المجاهدين، حيث فاجأهم الجيش الإيطالي بحوالي (7) مصفحات محملة بجنود لا حصر لهم، وحصل اشتباك بين الطرفين، فانهال عمر والمجاهدين على القوات الإيطالية بوابل من الرصاص مما أدى لحرق كافة المصفحات واشتعالها، مع القضاء على عدد كبير من جنودهم، أما الجنود الفارين منهم فكان مصيرهم التيه وسط صحراء لا يعرفون عنها أي شيء.

    واستمر المجاهدين بقيادة عمر في السير حتى الجبل الأخضر في (زاوية القطوفية) حيث هناك معسكر المغاربة المجاهدين الذين خاضوا معركة كانت قد نشبت بينهم وبين الإيطاليين تسمى (معركة البريقة)، وأبلغ أمر القائد (الأمير ادريس) بتسلمه القيادة العامة للثوَار، ثم عاد للجبل الأخضر حيث بدأت القبائل بالانضمام حوله.

    تغيير سياسة إيطاليا تجاه المقاومة

    بعد معركة (بئر الغوبي)، بدأت المعسكرات الإيطالية تعاني من عدم السيطرة بشكل كافي على الأراضي الليبية، والقوة الإيطالية أصبحت تعاني من الإنهاك واستنفاذ قوتها، وهذا يعود لوجود عمر المختار وجماعة المجاهدين، وكثير من القبائل التي انضمت إلى صفوف المجاهدين مع عمر خاصة بعد أن أثبت كفاءته في التصدي للقوات الإيطالية المحتلة بحيث لا يدخل في معركة وينتصر إلا ودخل في معركة أخرى.

    وفي هذا الأثناء قررت الدولة الإيطالية تغيير سياستها في محاربة المجاهدين بشكل تام، وأعلنت الحرب على معسكرات المقاومة الليبية، وبالأخص معسكر (البراغيت) حيث كان عمر المختار يدير المقاومة من خلاله، وهو مقر القائد ومركز الرئاسة العامة.

    كما ألغت الحكومة الإيطالية جميع الاتفاقيات التي كانت قد عقدتها بينها وبين شيوخ قبائل الحركة السنوسية، مما أدى لاشتعال المعارك والغارات بين الطرفين بشكل أكبر، وأصبح عمر المختار بمثابة نذير شؤم على القوات الإيطالية، وموطن الأمان بالنسبة لشعب ليبيا بكامله المتطلع للتحرير.

    التغيير في قيادات الدولة الإيطالية

    وفي منتصف العشرينات تغير عدد كبير من قادة قوات الاحتلال الإيطالي، كما تغيرت سياسات الحكومة الإيطالية مرة أخرى من عسكرية إلى غير العسكريَّة، وبذلت الحكومة الإيطالية الأموال الكثيرة لزعماء القبائل، وأخذ القياديين الجدد بالمطالبة بالسلام وعقد مفاوضات مع شيوخ قبائل الحركة السنوسية وزعماء القبائل مقابل اغراقهم بالأموال، ولكن للأسف وافق عدد كبير منهم على المطالب الجديدة من الدولة الإيطالية بوقف المقاومة رغم محاولات عمر المختار المستميتة في اقناعهم بعدم إبرام أي اتفاقات مع الجانب الإيطالي.

    وبالفعل نجحت الحكومة الإيطالية بسياستها الجديدة، وكانت نتيجتها أن سقطت (الجغبوب وزلة، وأوجلة، وجالو ومرادة).

    إيقاف المقاومة بأمر من (الرضا السنوسي)

    وفي عام 1927 أصدر (الرضا السنوسي) أوامره للقائد عمر المختار بوقف إطلاق النار، وعدم التعرض للقوات الإيطالية، ووافق عمر على ذلك، وتوقف عن المقاومة بشكل مؤقت، وخفت نتيجة ذلك وتيرة القتال في أكثر مناطق الجبل الأخضر.

    إلا أنه لم يستطع أن يرى أراضي بلاده تتعرض للاغتصاب وهو يقف مكتوف الأيدي، فعاد ورفض أوامر (الرضا السنوسي) وقام بشن غارات على معسرات الاحتلال الإيطالي في درنة لإجبارهم على محاربته، وبعد معركة شرسة بين الطرفين هربت خلالها القوات الإيطالية من معسكراتها بعد أن تركت ورائها السيارات وصناديق الذخيرة والأسلحة، ودواب النقل، والمصفحات والمدافع الجبلية التابعة لها.

    معركة أم الشافتير

    وخاض المجاهد عمر بعد ذلك عدد كبير من المعارك التي تُصنف من ضمن المعارك الملحمية، والتي كان النصر حليفه دائمًا، مثل (معركة أم الشافتير) التي حدثت في شهر مارس من عام 1927، والتي أذلت الجيش الإيطالي، وأجبرته على الانسحاب بعيدًا عن منطقة الجبل الأخضر رغم أن الجيش الإيطالي كان على أتم الاستعداد، وكان متفوقًا على عناصر المقاومة عسكريًا عدة وعتادًا.

    ومن نتائج هذه المعركة الملحمية

    • ظهور قادة القوات الإيطالية أمام شعبهم بمظهر غير لائق، بسبب الخسارة المتكررة التي حلت بهم أمام صفوف المجاهدين، رغم امتلاكهم للطائرات والمدافع المتطورة والدبابات والجيش النظامي الذي قُدر عدده بعشرات الآلاف، وانضمام فرق أريتيرية وليبية وأفارقة وبعض المرتزقة.
    • ظهرت حقيقة اعياء القوات الإيطالية من قوة المعارك التي تخوضها مع المجاهدين بقيادة عمر المختار التي كانت مستمرة دون كلل أو ملل أو خوف.
    • كما كشفت هذه المعركة أيضًا حقيقة ملامح السياسة الإيطالية الفاشسية والتي مفادها الرغبة في التدمير والإبادة لكافة المصاح والناس في ليبيا.
    • قرر عمر المختار ترحيل الأسر الليبية من نساء وأطفال وشيوخ إلى منطقة السلوم، من أجل حمايتهم من غارات القوات الإيطالية الجوية، ولتسهيل حركة المجاهدين.
    • وقام عمر المختار بإعادة تنظيم المجاهدين على شكل فرق صغيرة تقوم بالالتحام مع العدو عند الضرورة، في صفوفهم، لتقليل الخسائر وإلحاق خسائر العدة بالتكتيك الجديد.

    بعد انتهاء المعركة قرر عمر المختار التشهير والتعريف بالقضية الليبية أمام المجتمع الدولي، وأصدر أوامره لعدد من رجاله بالسفر للدول الإسلامية والاوربية لتعريف العالم بحقيقة الأوضاع في ليبيا.

    وفي ذلك الوقت خرج الحاكم الإيطالي الفاشي (بينيتو موسيليني) بتصريح لشعبه مفاده:

    “أننا لا نحارب في هذا البلد ذئابًا كما يقول الجنرال (غراتسياني)، بل نحارب أسودًا يدافعون بشجاعة عن بلادهم، إنَّ أمد الحرب سيكون طويلًا “.

    وبعد استمرار النجاح المتكرر للمعارك التي كان يخوضها القائد عمر المختار في ميدان المعركة أطلقوا عليه لقب “الزعيم الذي لم يُقهر أبدًا”.

    وحصلت في عام 1929 مفاوضات بين عمر المختار والحكومة الإيطالية والتي انتهت بتخيير عمر المختار بأمور ثلاثة وهي:

    • إما أن يذهب إلى مصر أو الحجاز.
    • وإن قرر البقاء في برقة فسيعامل باحترام، وسيحصل من الحكومة الإيطالية على مرتب ضخم.

    رفض عمر المختار مرة أخرى هذه العروض بشكل قاطع.

    ثم استمرت المفاوضات مرة أخرى، وقدم الوفد الإيطالي طلبات الحكومة الإيطالية والتي تنص على:

    • تسليم نصف أسلحة المجاهدين ومقابل (1000) ليرة إيطالية عن كل بندقية.
    • وانضمام نصف عدد المجاهدين الذين لم يسلموا أسلحتهم إلى تنظيمات تتبع للحكومة لفترة من الزمن ريثما يحدد مكان لإقامتهم وتموينهم.

    إلا أن هذه المفاوضات لم تعطي لليبيين أي حق من الحقوق السياسية الخاصة بهم، مما جعل عمر المختار يرفض وبشدة هذه المفاوضات.

    طلبت الحكومة الإيطالية من جديد إجراء مفاوضات جديدة، فلم يُخْفِ عمر المختار شكوكه من نوايا القادة الإيطاليين الشريرة، فطلب أن يحضر الاجتماع عدد من المشايخ والأعيان وبالفعل حضر الاجتماع عدد من المراقبين من تونس ومصر، ووضع عمر (10) شروط منها:

    • الالتزام بحقوق الليبيين السياسية والثقافية والدينية.
    • السماح بتدريس اللغة العربية والدين الإسلامي.
    • ترك السلاح مع المواطنين الليبيين.
    • السماح بانتخاب حكومة للبلاد.

    لكن الاجتماع كان صاخبًا ولم يتوصلوا لاتفاق مطلقًا.

     وحتى شهر أكتوبر من عام 1930، تمكنت القوات الإيطالية من جديد من الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة، وفي نهاية المعركة عُثر على نظارة عمر المختار، وعلى حصانه، وقام القائد الإيطالي (غراتسياني) بإلقاء تصريحه المشهور الذي وجهه للشعب الليبي:

    “لقد أخذنا اليوم نظارة عمر المختار، وغدًا سنأتي برأسه”. 

    القبض على الزعيم المجاهد

    بعد عام من المفاوضات غير المثمرة بين المقاومة الليبية والقوات الإيطالية، ووصول عمر إلى قناعة ثابتة وهي عدم جدوى المفاوضات السياسيّة مع الحكومة الإيطالية المُستعمرة، استمرت المعارك وانفجر الموقف أكثر وأكثر.

    توجه عمر المختار في 11 سبتمبر من عام 1931 بصحبة عدد صغير من المجاهدين لزيارة ضريح الصحابي (رويفع بن ثابت) في مدينة البيضاء الواقعة شرق ليبيا، وشاهدتهم وحدات الاستطلاع الجوية التابعة للقوات الإيطالية، فتحركت على الفور فرق وفصائل الجيش الإيطالي لمواجهتهم، وبعد قتال عنيف جُرح حصان عمر المختار الذي كان يمتطيه، ووقع الزعيم الليبي (عمر) من على ظهره على الأرض، وتم القبض عليه مكبلًا بالسلاسل إلى سجن بنغازي.

    حال الزعيم لحظة وقوعه في الأسر

     والغريب في الأمر أنه وفقًا لتصريحات قادة الجيش الإيطالي في ذلك الوقت أنهم وجدوا القائد الليبي عمر المختار كان هادئًا جدًا وكأنه غير مكترث عن وقوعه في الأسر على أيدي العدو مطلقًا، كما أن الجميع في ذلك الوقت أصابه حالة من الذهول بسبب حالة الرضا والاستسلام المستفزة التي بدت على الشيخ المجاهد، كما أن الجنرال الإيطالي غراتسياني كتب في مذكراته عن تلك الواقعة بعد سنين من أجل توثيق اللحظة التاريخية التي تم فيها القبض على الزعيم عمر المختار:

    “خلال الرحلة إلى مدينة بنغازي تحدث بعض السياسيين مع عمر المختار ووجهوا إليه العديد من الأسئلة، كان يجيب بكل هدوء وبصوت ثابت وقوي دون أي تأثر بالموقف الذي هو فيه.

    ثم تابع غراتسياني قوله: ” هذا الرجل اسطورة الزمان التي نجا فيها آلاف المرات من الأسر، واشتهر بين الجنود بالقداسة والاحترام لأنه الرأس المفكر والقلب النابض للثورة العربية (الإسلامية) في برقة، وكذلك كان منظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن وقع أسيرًا في أيدينا، يخيل إليّ أن الذي يقف أمامي رجل ليس كسائر الرجال، له مظهره وهيبته رغم أنه كان يشعر بمرارة الأسر”.

    بقي عمر المختار مسجونًا في زنزانة ضيقة جدًا، كان خلال هذه الفترة يصلي ويقرأ القرآن في هدوء وخشوع، وكأنه في منزله.

    كما اعترف خلال التحقيق معه بجميع المعارك التي خاضها ضد القوات الإيطالية، وأنه هو المسؤول الوحيد عن جميع الخسائر التي تكبدها للقوات الإيطالية، وهذه التصريحات استفزت القائد غراتسياني بشكل كبير، الذي أصر على إعدامه وسط أهله والشعب الليبي، وبطريقة قاسية من أجل كسر أي رجل من الشعب الليبي يحاول أن يقوم بما قام به المختار، إلا أن الزعيم المجاهد كان هادئًا جدًا ومصرًا على كلامه:

    “نعم قاتلت ضد الحكومة الإيطالية ولم أستسلم قط، ولم تخطر ببالي فكرة الهرب عبر الحدود، واشتركت في معارك كثيرة لا أستطيع تحديدها، ولا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة! وما وقع ضد إيطاليا على مدار سنوات وحتى الآن كان بإرادتي وإذني، وكانت الغارات تُنفذ بأمري، وبعضها قمت بها بنفسي، الحرب هي الحرب، أعترف بأنه تم القبض عليّ والسلاح بيدي أمام الزاوية البيضاء، في غوط اللفو، ولا أرى العجب في ذلك، هل تتصورون أن أبقى واقفًا دون إطلاق النار أثناء القتال؟ ولا أشعر بالندم عمَّا قمت به”.

    محاكمة الزعيم المجاهد

    بعد (4 أيام) من سجنه، انعقدت محكمة طارئة للتحقيق مع الزعيم الليبي عمر المختار، والغريب في الأمر أن هذه المحكمة كانت هزلية وعبثية بشكل رهيب، لدرجة أن القوات الإيطالية نصبت المشنقة قبل قدوم القضاة وبدء التحقيق وصدور الحكم، وتأكد الجميع أن مسألة اعدام عمر المختار هي مسألة وقت لا أكثر.

    إلا أن أحد المحاميين الإيطاليين (روبيرو لونتانو) تولى مهمة الدفاع عن عمر المختار بشكل كبير، وطلب من المحكمة أن تحكم عليه بالسجن المشدد مدى الحياة مراعاة لكبر سنه وشيخوخته وعجزه، لكن المحكمة رفضت طلبه بشكل صريح، حيث صرح المحامي الإيطالي تصريحًا هز أرجاء ليبيا في ذلك الوقت:

    “إن هذا المتهم الذي انتدبته المحكمة للدفاع عنه إنما يدافع عن حقيقة كلنا نعرفها جيدًا، وهي الوطن الذي طالما ضحّينا نحن في سبيل تحريره، إن هذا الرجل هو ابنًا لهذه الأرض قبل أن تطؤها أقدامكم، وهو يعتبر أن كل من يحاول احتلالها عُنوة هو عدوٌ له، ومن حقه أن يقاومه بكل ما يملك من قوة، حتى يخرجكم منها أو يهلك دونها، إن هذا حقٌ من الحقوق التي وهبته إياها الطبيعة الإنسانية، وإن العدالة الحقيقية لا تخضع للغوغاء، وإني أتمنى أن تحذروا حكم التاريخ فهو لا يرحم، وإن عجلته تدور وتسجل ما يحدث في هذا العالم المضطرب”.

    وتمت مقاطعة المحامي أثناء محاولته الدفاع عن عمر المختار، وبعد ساعة من هذه المرافعة نطق القاضي الحكم على عمر المختار بالإعدام شنقًا، وعندما حاول المترجم تعريف عمر المختار بالعقوبة التي وقعت عليه وسيتم تنفيذها قال عمر المختار:

    “إنْ الحُكم إلا لله لا لحكمكم المُزيف، إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.

    اليوم الذي تم اعدام عمر المختار فيه

    وفي صباح يوم 16 من شهر سبتمبر من عام 1931، تجمع أهالي المنطقة من الشعب الليبي لتوديع زعيمهم عمر المختار، حيث وصل عددهم لأكثر من (20 ألف) شخص.

    واستعدت القوات الإيطالية بشكل كبير للقيام بتنفيذ الحكم، وللسيطرة على الموقف والتعامل مع أي حدث يمكن أن يقوم به الأهالي وخاصة بشأن القيام بتهريبه، إضافة إلى أن الطائرات الإيطالية بدأت تُحلق في الجو على ارتفاعات منخفضة من أجل القضاء على أي فرصة للزعيم المجاهد في أن يهرب، ويبلغ المواطنين رسالة أو وصية من أجل استكمال الجهاد من بعده، كما صدرت الأوامر بضرب وتعذيب أي أحد يبكي أو يحزن لحظة إعدامه.

    صعد عمر إلى منصة الإعدام لملاقاة مصيره بصدر رحب والابتسامة على وجهه، ونطق الشهادة في سلام.

    كلمة أخيرة

    البطل الشهيد عمر المختار غاب عن العالم بجسده منذ سنين طويلة، إلا أن سيرته ما زالت تعيش وستعيش سنين طويلة وستبقى حكايته ملهمة لأجيال طويلة من بعده في جميع أنحاء الوطن العربي.

    سيبقى زعيم المقاومة الليبية الشهير الذي قضى العشرين عامًا الأخيرة من حياته في محاربة الاحتلال الإيطالي الفاشي لبلاده، في الذاكرة إلى الأبد باعتباره “أسد الصحراء” المشهور عالميًا.

    المراجع

  • نيكولا تسلا … عالم أمريكا المجنون

    في يوم عاصف من ليالي صربية الأمريكية ولد طفل قيل عنه أنه مصدر الشؤم والخراب، ليكبر ويثبت للعالم أنه مصدر الأمل والطاقة والخير…

    هذا هو نيكولا تسلا عالم الفيزياء والكهرباء أمريكي الأصل مسيحي الديانة، اتسم بالتسامح وحب الآخرين وتقديم العلم والخير دون مقابل، ولكن ولسوء حظه سرقت انجازاته وسرق تعبه، ليموت فقيرًا ويتذكره التاريخ بعد وفاته.

    من هو نيكولا تسلا؟

    نيكولا تسلا Nikola Tesla مخترع فيزيائي ومهندس كهربائي ميكانيكي، من أصول أمريكية صربية، ولد عام 1856م وتوفي عام 1943م.

    اشتهر باختراع نظام التيار المتردد، حيث هاجر إلى أميركا للعمل مع العالم توماس أديسون فترة زمنية لم تستمر طويًا قبل أن يتخذ القرار بإنشاء مشروعه الخاص ويبدأ باختراع أجهزته الكهربائية الحديثة منها المحرك الحثي والمحول، دخلت إنجازاته حرب التيارات وحرب البراءات إلى أن حصل على الجنسية الأمريكية عام 1891م.

    استمر في العمل والابتكار إلى أن وصل إلى اختراع الاتصال اللاسلكي عبر الأجهزة التي اخترعها والتي نجحت في تأمين الاتصالات عبر القارات، بالإضافة لاختراع قارب يمكن التحكم به لاسلكيًا.

    لقب بالعالم المجنون، عاش حياة مترفة جمع فيها الكثير من الأموال التي عاش بها متجولًا بين الفنادق حتى وفاته، ولكن الغريب في الأمر أن إنجازاته وشهرته حجبت عن الإعلام والاهتمام بعد وفاته، حتى عام 1960م عندما أطلق اسمه على واحدة قياس كثافة الحقل المغناطيسي خلال مؤتم العام للأوزون والمقاييس تكريمًا له.

    كيف كانت حياة نيكولا تسلا الشخصية؟

    ولد نيكولا عام 1856 من أصول صربية في النمسا، من أب وأم من عائلة متدينة الدين المسيحي، كانت لديه الكثير من المواهب في طفولته كصنع التحف المنزلية والأدوات الميكانيكية وحفظ القصائد الملحمية.

    يعتبر تسلا الرابع بين أخوته الخمسة، بدأ دراسته في المدرسة الابتدائية عام 1861م فدرس الدين والحساب  واللغة إلى أن انتقل مع عائلته بعدها إلى مدينة غوسبيتش.

    بعد ذلك أكمل مراحله الدراسية في مدارس تابعة للأراضي الألمانية، كان معدل الذكاء لديه واضح ويميزه عن زملائه في المرحلة الدراسية نفسها حيث استطاع تجاوز الأربع سنوات خلال ثلاثة فقط فقد أنهى المراحل الدراسية في المدرسة عام 1873م، وما إن عاد إلى منزل والديه أصابته الكوليرا لعدة أشهر قارب بها الموت، وفي هذه اللحظات الصعبة وعده والده أنه عندما يشفى سيرسله لإكمال تعليمه في أفضل مدارس الهندسة.

    لم يلتحق تسلا بالجيش النمساوي وهرب إلى الجبال كصياد اكتسب بهذه التجربة القوة البدنية والعقلية وقرأ الكثير من الكتب والعلوم، إلى عام 1875 حيث التحق بجامعة غراتس للتكنولوجيا لينال هناك المرتبة الأولى واستطاع إنهاء المرحلة الجامعية بمدة أقل بكثير من المطلوب.

    حصل تسلا على الكثير من رسائل المديح من قبل أساتذته الذين خاطبوا والده أن ينتبه إلى ابنه لأنه قد يموت من الجهد والتعب الذي يبذله في سبيل العلم والعمل. ولكن وخلال إحدى السنوات دخل نيكولا بمشاجرة مع أحد أساتذته بما يخص مبدأ عمل مولد غرام ليدخل بعدها في مرحلة سيئة من حياته أدمن فيها المقامرة خسر أمواله وأهمل دراسته ولم يحقق النجاح والتخرج من الجامعة.

    حاول تسلا في تلك المرحلة السيئة من حياته الابتعاد عن أسرته بشكل كامل كي لا يتم اكتشاف خسارته المادية والعلمية في ذاك الوقت، فقام بالسفر إلى ماريبور، وعمل كرسام ولكنه لم يفارق لعب الورق والمقامرة، إلى أن أصابه انهيار عصبي حاد وتم ترحيله من المدينة التي يقطن بها لعدم حيازته على تصريح بوجوده هناك.

    عام 1879م توفي والد تسلا إثر وعكة صحية ليدخل بعدها تسلا حالة من الخوف والرعب، ليعاود بعدها الدراسة وإتمام ما تبقى لديه، تبرع له بعض أقاربه بمبلغ من المال لإكمال دراسته في الجامعة لكنه لم يتمكن من ذلك، لينتقل بعدها إلى بودابست ويعمل في رسم مخطط مكتب البرق المركزي ويتسلم منصب مختص الكهرباء وأبدع في العمل ولتطوير حتى اخترع المضخم الهاتفي ولكن لم يحصل على براءة الاختراع نتيجة ذلك.

    كيف كانت سنوات عمل وإنجاز نيكولا تسلا؟

    بعد سنوات العمل والدراسة والمرض التي مرت عليه انتقل إلى فرنسا عام 1882 وانتسب للعمل في شركة إديسون للأجهزة الكهربائية، حتى عام 1884 انتقل إلى الولايات المتحدة ليعمل في شركة إديسون للأعمال الميكانيكية، ومع استمراره بالعمل استطاع مع الوقت معالجة أعطال صعبة جدًا ومكلفة، إلى أن أخذ على عاتقه إعادة تجهيز وتصميم الأجهزة لدى إديسون بطريقة مضمونة واقتصادية، الأمر الذي جعل إديسون يعده بمنحه مبلغ كبير من المال في حال نجح في ذلك. أتم تسلا المهمة بنجاح لكن إديسون تهرب من دفع المكافأة مما دفع بتسلا ترك العمل فورًا.

    وبعد ذلك اتفق مع رجال الأعمال روبرت لين وبنجامين على إنشاء شركة متخصصة بالإنارة الكهربائية وسميت باسمه، استمر بالعمل والتطوير ولكن الشركاء لم ييدوا الاهتمام الكافي بعمل تسلا واختراعاته الجديدة فقد قرروا تطوير الأجهزة الموجودة فقط دون اختراعات جديدة، إلى أن دب الخلاف بينهم وتم طرده من الشركة وحرمانه حتى من براءة الاختراع الخاصة به، ليعود تسلا إلى نقطة الصفر وكان ذالك في شتاء عام 1886 الذي وصفه بأنه شتاء الآلام الرهيبة والدموع المريرة.

    هل حصل نيكولا تسلا على جائزة نوبل؟

    في عام 1915 أعلنت وكالة رويترز أن جائزة نوبل الخاصة بالفيزياء كانت من نصيب توماس أديسون ونيكولا تسلا، لتنتشر بعدها بفترة من الزمن إشاعات بأن أحدهما قد رفض الجائزة لنيل الآخر الجائزة معه وغالبًا أديسون هو من فعل ذلك ليحرم تسلا من الجائزة المادية في ذاك الوقت.

    وصرحت مؤسسة نوبل لاحقًا أن كل ما يذاع هو إشاعات وأنه ليس هناك جائزة ولا رفض، لأن من يحق له رفض الجائزة هو الحاصل عليها أصلًا.

    وعاود تسلا الترشح لنيل جائزة نوبل عام 1937 ولكن لم يحصل عليها.

    هل حصل نيكولا تسلا على جائز وبراءات اختراع؟

    حصل تسلا على العديد من الجوائز والميداليات القيمة تقديرًا لجهوده مقابل الكثير من الاختراعات والإنجازات العلمية المفيدة للبشرية ومن هذه الجوائز:

    • ميدالية القديس سافا سنة 1892م.
    • وسام إليوت كريسون سنة 1894م.
    • ميدالية الأمير دانيلو الأول سنة 1895م.
    • وسام أديسون للكهرباء سنة 1917م.
    • ميدالية القديس سافا سنة 1926م.
    • ميدالية العرش اليوغوسلافي سنة 1931م.
    • وسام جون سكوت سنة 1934م.
    • ميدالية النسر الأبيض سنة 1936م.
    • وسام الأسد الأبيض سنة 1937م.

    ما هي مؤلفات نيكولا تسلا العلمية؟

    رحل تسلا تاركًا من بعده إرث علمي قيم دونه في مجموعة من الكتب والمقالات العلمية ومنها:

    • كتاب اختراعاتي الذي يتحدث عن السيرة الذاتية الخاصة بحياة تسلا والذي قام بتحريره وتدقيقه بِن جونسون.
    • كتاب اختراعات عظيمة لنيكولا تسلا والذي تم تحريره من قبل دايفيد هاتشر تشايلدرس.
    • مقالة مشكلة زيادة الطاقة البشرية.
    • مقالة تجارب بتيارات بديلة للطاقة والتردد العالي.

    هل تم تكريم نيكولا تسلا؟

    بقيت اختراعات وأفكار تسلا دفينة الكتب والمقالات والقنوات والإذاعية وغيرها من الوسائل التي تحدثت عنه، لكن بعد وفاته تم إطلاق اسمه على العديد من الأماكن والمنشآت تكريمًا لذكراه ومنها:

    • مجمع تسلا للكهرباء التقنية في تشيكوسلوفاكيا.
    • سيارات تسلا الأمريكية.
    • جمعية تسلا.
    • يوم تسلا في فويفودينا من 4 – 6 تموز من كل عام.
    • يوم تسلا في كرواتيا في 10 تموز من كل عام.
    • مطار تسلا في بلجراد.
    • متحف تسلا في بلجراد.
    • مدارس تسلا للعلوم والتكنولوجيا في واشنطون.

    أقوال نيكولا تسلا الشهيرة

    رحل تسلا تاركًا لنا كلمات رائعة تذكرنا بعبقريته ومنها:

    • علماء اليوم يفكرون بعمق بدلًا من التفكير بوضوح، يجب أن يكون المرء عاقلًا للتفكير بوضوح، ولكن يمكن أن يفكر بعمق ويكون مجنون تمامًا.
    • فضائلنا وفشلنا لا يمكن فصلهما، مثل المادة والقوة، عندما ينفصلان نكف عن الوجود.
    • الشعور يتزايد كل يوم بأنني أول من سمع تحية من كوكب آخر.

    وفاة نيكولا تسلا

    في أيامه الأخيرة أصبحت تصرفاته غريبة فقد تعلق بالرقم ثلاثة كثيرًا وراح يذكره في كل الأمور، أخذ يتحدث مع الطيور وعانى الوسواس القهري فيما يتعلق النظافة، إلى أن انسداد للشرايين القلبية لتوافيه المنية عن عمر ناهز ستة وثمانين سنة بتاريخ 7 كانون الثاني عام 1943م.

    المصادر

  • فيصل الدايل – شخصية عربية سعودية متميزة

    يعد فيصل الدايل من الشخصيات البارزة في إدارة الأعمال في المملكة العربية السعودية، متزوج ولديه أطفال، حصل على بكالوريوس صيدلة عام 1998م، من جامعة الملك سعود، وماجستير في إدارة الأعمال عام 2003م، وهو صاحب أشهر شركة لإنتاج العطور في منطقة الخليج العربي.

    (المزيد…)
  • خالد بن الوليد (سيف الله المسلول) … ماذا قال عنه النبي عليه السلام ولماذا عزله أمير المؤمنين

    أعظم قائد عرفه التاريخ، خاض أكثر من مئة معركة في حياته ولم تعرف الهزيمة طريقًا إليه، استطاع أن يقضي على الروم والفرس، أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وعزله عمر بن الخطاب من القيادة، إنه الصحابي خالد بن الوليد (سيف الله المسلول).

    من هو خالد بن الوليد؟ ولماذا لقب بسيف الله المسلول؟ وما هي المعارك والغزوات التي شارك فيها؟ هذا ما سوف نطلعكم به عبر سطور مقالنا التالي، لذا ابقوا معنا.

    لمحة موجزة عن حياة خالد بن الوليد

    هو أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي، صحابي وقائد عسكري مسلم. لعب خالد بن الوليد دورًا حيويًا في انتصار قريش على قوات المسلمين في غزوة أحد قبل إسلامه، كما شارك ضمن صفوف الأحزاب في غزوة الخندق، ومع ذلك اعتنق خالد الدين الإسلامي بعد صلح الحديبية، وشارك في حملات مختلفة في عهد الرسول. لقّبه الرسول بسيف الله المسلول، حيث اشتهر بعبقرية تخطيطه العسكري وبراعته في قيادة جيوش المسلمين في عهد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب.

    يعد أحد قادة الجيوش القلائل في التاريخ الذين لم يهزموا في معركة طوال حياتهم، فهو لم يهزم في أكثر من مائة معركة أمام قوات متفوقة عدديًا من الإمبراطورية الرومية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية الفارسية وحلفائهم، بالإضافة إلى العديد من القبائل العربية الأخرى. اشتهر خالد بانتصاراته الحاسمة وتكتيكاته التي استخدمها في المعارك.

    وهو في أوج انتصاراته العسكرية، عزله الخليفة عمر بن الخطاب من قيادة الجيوش لأنه خاف أن يفتتن الناس به، فصار خالد بن الوليد في جيش الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح وأحد مقدميه، ثم انتقل إلى حمص حيث عاش لأقل من أربع سنوات حتى وفاته ودفنه بها.

    نشأة خالد بن الوليد

    ولد خالد ابن الوليد في مكة المكرمة عام 592م، ووفقًا لعادات أسياد قريش، أُرسل خالدًا إلى الصحراء، ليتربّى على يدي مرضعة وينشأ صحيحًا في جو الصحراء. وقد عاد لوالديه وهو في سن الخامسة أو السادسة. مرض خالد خلال طفولته مرضًا خفيفًا بالجدري، لكنه ترك بعض الندبات على خده الأيسر.

    تعلم خالد الفروسية كغيره من أبناء الأشراف، ولكنه أبدى مهارة ونبوغًا في الفروسية منذ وقت مبكر، وتميز على جميع أقرانه.

    عُرف خالد بن الوليد بالشجاعة والجَلَد والإقدام، والمهارة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ. واستطاع “خالد” أن يثبت وجوده في ميادين الفروسية والقتال، مما جعله هذا من أفضل فرسان عصره.

    نسب خالد بن الوليد

    • هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، المكنّى بأبي سليمان، وقيل له: أبو الوليد. يلتقي في النسب مع الرسول في مرة بن كعب الجد السادس للرسول.
    • أبوه الوليد بن المغيرة سيد بني مخزوم أحد أسياد قريش، رفيع النسب والمكانة حتى أنه كان يرفض أن توقد نار غير ناره لإطعام الناس خاصة في مواسم الحج وسوق عكاظ، وأحد أغنى أغنياء مكة في عصره حتى أنه سمّي بالوحيد وبريحانة قريش، لأن قريش كانت تكسو الكعبة عامًا ويكسوها الوليد وحده عامًا.
    • أمه لبابة الصغرى بنت الحارث الهلالية من بني هلال بن عامر بن صعصعة من هوازن، وهي تلتقي في النسب مع الرسول في مضر بن نزار الجد السابع عشر للرسول.
    • إخوته، له ستة أخوة وقيل تسعة بين ذكور وإناث، منهم الصحابيان الوليد بن الوليد وهشام بن الوليد، إضافة إلى عمارة بن الوليد الذي عرضته قريش بدلاً على أبي طالب ليسلمهم محمدًا، وهو ما رفضه أبو طالب.
    • قبيلته بنو مخزوم، وكان يجمع فيها ما يجهّز به الجيش، وأعنة الخيل وهي قيادة الفرسان في حروب قريش. كان لبنو مخزوم عظيم الأثر في قريش، فقد كانوا في ثروتهم وعدتهم وبأسهم من أقوى أسياد قريش، فهم وحدهم قاموا ببناء ربع الكعبة بين الركنين الأسود واليماني، واشتركت قريش كلها في بناء بقية الأركان.

    عائلة خالد بن الوليد

    تزوّج خالد من ثلاث نساء هنّ:

    • كبشة بنت هوذة بن أبي عمر وأنجبت له سليمان بن خالد الذي قتل أثناء فتح مصر.
    • أم تميم الثقفية وأنجبت له عبد الله الأول، وقد مات قتلاً في العراق.
    • ابنة أنس بن مدرك وأنجبت له عبد الله، والمهاجر بن خالد الذي قتل يوم صفين وهو يقاتل في صف علي بن أبي طالب، وعبد الرحمن وكان من أشهر أبنائه، فقد أدرك النبي عليه الصلاة والسلام في حياته، وشارك في معركة اليرموك مع أبيه، كما تقرّب من الخليفة معاوية بن أبي سفيان زمن خلافته وكان من أبرز مقاتلي الشام، وشهد على وثيقة الصلح بين معاوية وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وشارك أيضاً مع أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في قتال الروم، ونال مدح وثناء بعض الشعراء.

    وكثر ولد خالد بن الوليد حتى قيل إنهم وصلوا أربعين رجلا كلهم بالشام، حيث قضوا كلهم في طاعون عمواس، فلم يعقب أحد منهم، وهناك مصادر متعددة تذكر أن له ذرية في باقي البلدان.

    إسلام خالد بن الوليد

    عندما كان المسلمون في مكة لأداء عمرة القضاء في العام السابع الهجري، وفقًا للاتفاق الذي أبرم في صلح الحديبية، أرسل رسول الله صلَّ الله عليه وسلم إلى الوليد بن الوليد، وسأله عن خالد، قائلاً له: (ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين كان خيرًا له، ولقدمناه على غيره.)

    أرسل الوليد إلى خالد برسالة يدعوه فيها للإسلام إدراكاً لما فاته. وافق ذلك الأمر هوى خالد، فعرض على صفوان بن أمية ثم على عكرمة بن أبي جهل الانضمام إليه في رحلته إلى يثرب ليعلن إسلامه، إلا أنهما رفضا ذلك، ثم عرض الأمر على عثمان بن طلحة العبدري، فوافقه.

    وبينما هما في طريقهما إلى يثرب، التقيا عمرو بن العاص مهاجرًا ليعلن إسلامه، فدخل ثلاثتهم يثرب في صفر عام 8 هـ معلنين إسلامهم، وحينها قال الرسول: (إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها).

    فلما وصل المدينة المنورة، قصّ خالد على أبي بكر رؤيا رآها في منامه، وقال كأنه في بلاد ضيقة مجدبة، فخرج إلى بلاد خضراء واسعة، ففسرها له أبو بكر الصديق وقال له: (مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه من الشرك).

    صفات خالد بن الوليد الجسدية والخُلقية

    صفات خالد بن الوليد الجسدية:

    كان خالد بن الوليد رضي الله عنه طويل القامة، ناصح البياض، ذو لحية سوداء، وكان يتمتّع بجسم ذو بنية قوية، حيث قال عن نفسه: (قَدِ انْقَطَعَتْ في يَدِي يَومَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أسْيَافٍ فَما بَقِيَ في يَدِي إلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ).

    وكان خالد بن الوليد يتشابه في صفاته مع خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدليل كان يخلط بعض الناس بينهما.

    صفات خالد بن الوليد الخُلقيّة:

    تحلّى خالد بن الوليد بمجموعةٍ من الصفات الخُلقيّة العظيمة، نذكر لكم منها ما يلي:

    • شُجاعٌ وجريء.
    • صادق القلب.
    • خطيباً مفوّهاً فصيحاً.
    • عميق التفكير، ورويّ ومتبصر في آرائه، إذ يُطيل الفكر، وبعد ذلك يتخذ القرار المناسب.
    • كريم ومعطاء، إذ كان يُعطي من ماله الخاص، حتّى أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لامه في ذلك.
    • قياديٌّ ناجحٌ بارعٌ في خوض غمار المعارك.
    • بارع في إحراز النصر.
    • قادر على وضع الخطط والاستراتيجيّات العسكريّة بأبسط الطرق وأيسرها.
    • حريص على بناء مجتمع قويّ وفخور بفتوحاته.
    • مُحسنٌ إلى الآخرين، وحريص على نشر دعوة الإسلام، وتبليغ رسالته الخالدة، وتأليف قلوب العباد، حيث كان يقول لمجتمع النصارى العرب: لكم ما لنا، وعليكم ما علينا.

    ما هي المعارك والغزوات التي شارك فيها خالد بن الوليد؟

    خاض خالد بن الوليد رضي الله عنه أكثر من مئة معركة في حياته، سواءً قبل الإسلام أم بعده، أولها كانت في مكة المكرمة وآخرها في قنسرين، ولم يهزم في أي معركة قط، ومن المعارك التي شارك فيها:

    • غزوة أحد.
    • غزوة مؤتة.
    • غزوة الطائف.
    • غزوة حُنين.
    • معركة فحل.
    • معركة نجران واليمن.
    • معركة اليرموك.
    • معركة غمرة.
    • معركة فتح مكة.
    • معركة اليمامة.
    • معركة مقتل مسيلمة.
    • معارك حروب الردة.
    • معركة ذات السلاسل.
    • معركة المزار.
    • معركة الولجة.
    • معركة الفراض.
    • معركة عين التمر.
    • معركة الأنبار.
    • معركة أجنادين.
    • معركة عقرباء.
    • معارك فتوحات العراق والشام.
    • معارك دمشق وحمص.

    وهناك معارك أخرى لم نذكرها بعد.

    التكتيكات العسكرية التي اعتمدها خالد بن الوليد

    ينسب إلى خالد بن الوليد العديد من التكتيكات الناجحة التي استخدمها المسلمون في معاركهم الكبرى خلال الفتوحات الإسلامية، وكان يعتمد في معاركه على الأساليب التالية:

    • اعتمد خالد في معاركه على مهاجمة قادة أعدائه مباشرةً، لتوجيه ضربات نفسية لمعنويات أعدائه وجعل صفوفهم تضطرب، كما اعتمد في بعض معاركه على تكتيك الحرب النفسية.
    • استخدم خالد بن الوليد التضاريس متى أمكنه ذلك لضمان التفوق الاستراتيجي على أعدائه، فخلال معاركه في العراق، تعمّد في البداية أن يبقى دائمًا قريبًا من الصحراء العربية، حتى يكون من السهل على قواته الانسحاب في حالة الهزيمة، وهم أدرى الناس بالصحراء.
    • كما برع خالد في استخدام تكتيك الهجوم المفاجئ، والذي شتّت به قوات أعدائه في جنح الليل في عدة معارك.
    • كما اعتمد خالد في بعض الأحيان على الفكر غير التقليدي، مثلما فعل عندما اجتاز بادية الشام حين كان متجهًا إلى الشام مددًا لجيوش المسلمين، فقطع بذلك طريق الإمدادات على قوات الروم في أجنادين قبل مواجهتها لجيوش المسلمين.
    • اعتمد خالد أيضًا في تكتيكاته على الفرسان الذين استخدمهم لتنفيذ أساليب الكر والفر لتطبيق خططه الحربية، فهاجم بهم تارةً الأجنحة وتارةً قلب جيوش أعدائه ملحقًا بهم هزائم كارثية.
    • ومن أسرار تفوقه العسكري أيضًا، اعتماده على استخدام العيون من السكان المحليين في المناطق التي حارب فيها، ليأتوه بأخبار أعدائه.

    لماذا لُقِب خالد بن الوليد بسيف الله المسلول؟

    اختار النبي عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة لقيادة الجيش في معركة مؤتة، على أن يخلفه جعفر بن أبي طالب إن قتل، ثم عبد الله بن رواحة إن قتل جعفر، وإن قتل الثلاثة يختار المسلمون قائدًا من بينهم.

    عند وصول الجيش إلى مؤتة، وجد المسلمون أنفسهم أمام جيش من مائتي ألف مقاتل نصفهم من الروم والنصف الآخر من الغساسنة. فوجئ المسلمون بالموقف، وأقاموا يومين بلياليهم في معان يتشاورون أمرهم. أشار البعض بأن يرسلوا للرسول ليشرحوا له الموقف، وينتظروا إما المدد أو الأوامر الجديدة. عارض ابن رواحة ذلك، وأقنع المسلمين بالقتال.

    بدأت المعركة، وواجه المسلمون موقفًا عصيبًا، حيث قتل القادة الثلاثة على التوالي، عندئذ اختار المسلمون خالد ابن الوليد ليقودهم في المعركة. صمد الجيش بقية اليوم، وفي الليل نقل خالد ميمنة جيشه إلى الميسرة، والميسرة إلى الميمنة، وجعل مقدمته موضع الساقة، والساقة موضع المقدمة. ثم أمر طائفة بأن تثير الغبار ويكثرون الجلبة خلف الجيش حتى الصباح. وفي صباح اليوم التالي، فوجئ جيش الروم والغساسنة بتغيّر الوجوه والأعلام عن تلك التي شهدوها بالأمس، إضافة إلى الجلبة، فظنوا أن مددًا قد جاء للمسلمين. عندئذ أمر خالد ابن الوليد جيشه بالانسحاب وخشي الروم أن يلحقوا بهم خوفًا من أن يكون الانسحاب مكيدة.

    وبذلك، نجح خالد في أن يحفظ الجيش من إبادة شاملة وحتمية. حارب خالد ببسالة في هذه الغزوة، وكسرت في يده يومئذ تسعة أسياف. وبعد أن عاد إلى يثرب، أثنى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: (نِعمَ عبدُ اللهِ، وأَخو العَشِيرةِ، وسَيفٌ مِن سُيوفِ اللهِ، سَلَّهُ اللهُ على الكُفَّارِ). ولقّبه النبي عليه الصلاة والسلام بسيف الله المسلول.

    عزل خالد بن الوليد من القيادة العسكرية

    تحدث الناس بفعال وخصال خالد بن الوليد في أرمينية، وتحدثوا بانتصاراته في الشام والعراق، فتغنّى الشعراء به، فوهبهم خالد من ماله وأغدق عليهم، وكان ممن وهبهم خالد الأشعث بن قيس، الذي وهبه خالد عشرة آلاف درهم.

    بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة خبر جائزة خالد بن الوليد للأشعث، فكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يستقدم خالد مقيدًا بعمامته، حتى يعلم أأجاز الأشعث من ماله أم من مال المسلمين، فإن قال إنها من مال المسلمين، فهي خيانة للأمانة، وإن قال إنها من ماله فقد كان مسرفًا، وفي كلتا الحالتين يُعزل خالد من قيادته العسكرية.

    احتار أبو عبيدة، وترك تنفيذ تلك المهمة لبلال بن رباح رسول الخليفة بالكتاب. أرسل أبو عبيدة يستدعي خالد من قنسرين، ثم جمع الناس وسأل بلال خالد ابن الوليد عما إذا كانت جائزته للأشعث من ماله الخاص أم من خزينة المسلمين؟ فأجاب خالد ابن الوليد أنها من ماله الخاص، فأعلنت براءته. فأخبر أبو عبيدة خالد ابن الوليد بأن الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عن وأرضاه قد عزله، وأنه يأمره بالتوجه إلى المدينة.

    نفذّ خالد بن الوليد الأمر وتوجه إلى المدينة المنورة للقاء عمر، محتجًا على ما اعتبره ظلمًا، إلا أن عمر أصر على قراره، وقال عمر متمثلًا: (صَنَعْتَ فَلَمْ يَصْنَعْ كَصُنْعِكَ صَانِعٌ وَمَا يَصْنَعُ الأَقْوَامُ فَاللَّهُ يَصْنَعُ). وعندما كثر اللغط والهمز واللمز حول عزل عمر لخالد، فقال عمر ابن الخطاب في الأمصار: (إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويُبتلوا به. فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة). وكانت تلك هي نهاية مسيرة خالد العسكرية الناجحة.

    وفاة خالد بن الوليد

    هناك إجماع على أن خالد بن الوليد توفي عام 21هـ / 642 م، إلا أنه هناك خلاف على مكان وفاته، ولكنه رجح موته بحمص، توفي خالد بن الوليد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في سن الخامسة والخمسين من عمره، ولم يترك خلفه إلّا فرسه وسلاحه وكان قد أوقفهما للجهاد في سبيل الله، وحين احتضرته الوفاة بكى وانسابت الدموع من عينيه حارةً حزينةً ضارعةً، ولم تكن دموعه رهبة من الموت، فلطالما واجه الموت بحد سيفه في المعارك، يحمل روحه على سن رمحه، وإنما كان حزنه وبكاؤه لشوقه إلى الشهادة، وقال كلماته الأخيرة: (لقيت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي شبر إلّا وفيه ضربة بسيفٍ، أو رمية بسهمٍ، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء). ولخالد بن الوليد جامع كبير في حمص، يزعم البعض أن قبره فيه.

    وحينما سمع عمر ابن الخطاب بوفاته قال: (دع نساء بني مخزوم يبكين على أبي سليمان، فإنهن لا يكذبن، فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي).

    تجسيد شخصية خالد بن الوليد بالأدب والسينما والتلفزيون

    أدبياً:

    تناولت العديد من الأعمال الأدبية والتاريخية شخصية خالد بن الوليد سواء بالعرض أو النقد أو التحليل، منها:

    • كتاب “سيف الله المسلول: خالد بن الوليد – حياته وحملاته” للجنرال الباكستاني أغا إبراهيم إكرام.
    • كتاب (عبقرية خالد) للكاتب عباس محمود العقاد.
    • كتاب (خالد بن الوليد) للمؤلف صادق إبراهيم.
    • كتاب (خالد بن الوليد المخزومي) للمؤرخ العسكري العراقي محمود شيت خطاب.

    وغير ذلك الكثير من الكتيبات التي تناولت سيرة خالد بن الوليد.

    في السينما والتلفزيون:

    جُسدت شخصية خالد بن الوليد في بعض الأعمال الفنية مثل:

    • فيلم خالد بن الوليد الذي جسد فيه حسين صدقي شخصية خالد بن الوليد.
    • فيلم الشيماء.
    • فيلم الرسالة حيث جسد شخصية خالد ابن الوليد محمود سعيد في نسخته العربية، و(مايكل فورست) في نسخته الإنجليزية.
    • مسلسل (خالد بن الوليد) الذي جسد فيه باسم ياخور دور خالد في جزئه الأول، وجسدها سامر المصري في جزئه الثاني، والذي تعرض للعديد من الانتقادات سواء على المستوى السياسي أو الديني.
    • مسلسل (الفتوحات الإسلامية).
    • مسلسل (الكعبة المشرفة).
    • مسلسل (تحت ظلال السيوف).
    • مسلسل (عمر بن الخطاب).
    • مسلسل (رايات الحق).
    • مسلسل (رجل الأقدار).
    • مسلسل (القعقاع بن عمرو التميمي).

    أخيرًا…

    يتعلّم المسلم من شخصية خالد بن الوليد رضي الله عنه الشجاعة والعِزّة والبطولة، والثبات على الحق، والعمل للآخرة، والحرص على أن يكون هدفه في الحياة هو كسب رضى الله -عز وجل.

    اقرأ أيضًا:

    المصادر:

  • الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز … الزاهد العادل، خامس الخلفاء الراشدين

    عمر بن عبد العزيز الخليفة الذي لُقب بالعمر الثاني نسبة لجده الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، بسبب أفعاله ومواقفه ووقفته القوية كدرعٍ حصين ضد أحداث الفترة التي عاش فيها، والفترة التي تولى فيها زمام أمور الحكم في العهد الأموي.

    هو خامس الخلفاء الراشدين، حيث وصلت الدولة الإسلامية في عهده لأقصى درجات العدل بين الناس، فتعالوا معنا لنتعرف على هذه الشخصية الإسلامية المميزة وانتعرف على فترة حكمه للمسلمين وحياته في أيام حكم الدولة الأموية وأكثر من ذلك في هذا المقال:

    عمر بن عبد العزيز

    العدل… هذه الصفة النبيلة اقترنت باسم الخليفة عمر بن عبد العزيز في كل فترة حياته، إنه يسير على خطى جده لأمه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

    لقد حرص طوال حياته على البعد عن أمور الحكم خاصةً في فترة حكم عمه عبد الملك بن مروان بن الحكم، وفترة حكم أولاد عمه الخليفة عبد الملك الذين استلموا الخلافة من بني أمية، كان زاهدًا في الدنيا مقتنعًا بالعيش القليل حتى يُخفف عن نفسه الذنوب والخطايا.

    خلال خلافته قام بإنجازات عظيمة، وحمل مسؤولية الخلافة رغم عدم رغبته في استلامها وتحمل أوزارها، فقد كان يخاف أن يسأله الله يوم القيامة عما فعله عندما تولى حكم المسلمين كأميرًا للمؤمنين، حيث قال جملة شهيرة عندما بايعوه أميرًا للمؤمنين:

    “لو أنَّ سَخلةً هلكت على شاطئ الفرات، لأُخذ بها عُمر يوم القيامة” وهي نفس الجملة التي قالها جده عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما أصبح أميرًا للمؤمنين.

    اسم ونسب الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز

    نسب الخليفة عمر بن عبد العزيز هو: أبو حفص، عمر بن عبد العزيز، بن مروان، بن الحَكَم، بن أبي العاص، بن أمية، بن عبد شمس، بن عبد مناف، بن قُصي، بن كلاب، وحتى يصل نسبه إلى بني عدنان الأموي القرشي المدني المصري.

    • أبوه هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم، والذي كان وليًا للعهد بعد أخوه عبد الملك، وكان أميرًا على مصر لأكثر من 20 سنة.
    • والدته: أم عاصم ليلى بنت عاصم بن الخطاب (رضي الله عنه).

    نسبه لجده عمر بن الخطاب

    روت جدته لأمه قصة زواج جدة عمر بن عبد العزيز من عاصم بن عمر بن الخطاب، كما رواها: عبد الله بن الزبير بن أسلم، عن أبيه، عن جده أسلم:

    أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يقوم في الليل ويتحرى رعيته وعن أوضاعهم وأحوالهم، فسمع في إحدى المرات امرأة تُخاطب ابنتها في جوف الليل، طالبة منها أن تمزج الحليب الذي ستبيعه في الصباح بالماء حتى تكثر كميته، لكن الابنة قالت لأمها بأن الخليفة عمر بن الخطاب قد أمر ألا يُشاب اللبن بالماء.

    فطلبت الأم من ابنتها أن تقوم وتخلط اللبن بالماء لأنها في مكان بعيد عن عين عمر بن الخطاب، فقالت الصبية لأمها: “يا أمتاه، والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء”، فلما سمع عمر بن الخطاب هذا الكلام طلب من مرافقه (أسلم) أن يضع علامة على هذا البيت، وفي الصباح تحروا عن هذه العائلة وفيما إن كان لها معيل، فعرفوا أن لا معيل للأم وابنتها.

    فدعا عمر أولاده وجمعهم وقال لهم: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟”، فقال ابنه عاصم: “يا أبتاه، لا زوجة لي فزوجني”، فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم، فولدت لعاصم بنت (ليلى)، وولدت هذه البنت الخليفة عمر بن عبد العزيز.

    ولادة الخليفة عمر بن عبد العزيز

    ولد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز سنة (61) للهجرة، الموافق لسنة (681) للميلاد في المدينة المنورة، وقد نشأ خلال فترة طفولته في كنف أخواله من آل (عمر بن الخطاب)، وقد كان شديد الرغبة في التعلم فتأثر بأخواله كثيرًا، وبما علموه من مجتمع صحابة الرسول ﷺ في المدينة.

    في الفترة التي سبقت توليه الخلافة كان من أمراء بني أمية، حيث كان رغم صلاحه وحبه للعلم والدين مُحبًا للتنعم الذي أسبله عليه كونه أميرًا من بني مروان، فقد كان يلبس أفخر الثياب من الحرير، ويتعطر بأفخر أنواع العطور ويختال في مشيته حتى أن جميع من يحسدونه كانوا يعيبون عليه ذلك.

    ألقاب الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز

    لُقب الخليفة عمر بن عبد العزيز بـ:

    • خامس الخلفاء الراشدين.
    • أبي حفص نسبة لجده عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وهو ثامن الخلفاء الأمويين.
    • كما كان يدعوه جده لأمه (عاصم بن عمر بن الخطاب) بـ الأشَجّ، أو أشَجّ بني أمية، أو أشَجّ بني مروان، وهذا يعود إلى أنه في صغره ضربه حصان في اسطبل للخيل، فترك على جبينه ندبة تميزه، وقد كان الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: “من ولدي رجل بوجهه شجّة يملأ الأرض عدلًا” أخرجه الترمذي.
    • لُقب أيضًا بالخليفة العادل.
    • ويُلقب أيضًا بالخليفة الصالح.

    نشأته وطلبه للعلم

    لقد كان عمر بن عبد العزيز مُحبًا لطلب العلم من صغره، وبالإضافة لتأثره بأخواله الذين نشأ في كنفهم في المدينة المنورة، جالس الكثير من كبار الصحابة والتابعين والعلماء والمحدثين حيث بلغ عدد الشيوخ الذين علّموه (23) شيخًا.

    وقد كانت المدينة المنورة في زمانه منارة للصلاح والعلم، يكثر فيها العلماء والصالحين والمشايخ والفقهاء، وفي هذه الفترة تعلم القرآن وحفظه وهو صغير، وهذا يعود لذكائه وقدرته على الاستيعاب والحفظ، بالإضافة إلى كونه متفرغًا للعلم، وكان متأثرًا بالقرآن الكريم وتُبكيه الآيات التي يُذكر فيها الموت رغم صغره.

    كانت أيضًا الفترة التي عاش ونشأ فيها في المدينة المنورة من الفترات التي كان يسودها حب التعلم والإقبال عليه، ومازال في هذه المدينة المقدسة بعض صحابة الرسول ﷺ فهُم في هذه الفترة غير بعيدين عن فترة النبوة.

    ومن بعض القصص التي ذكرت خلال هذه الفترة أن سهل بن معاذ وهبه قدحًا كان يشرب منه الرسول ﷺ، كما أنه صلى إمامًا بحضرة أنس بن مالك فقال فيه: “ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله ﷺ من هذا الفتى”.

    ومن شدة حبه للرسول ﷺ كان يحرص أن تكون صلاته مشابهة لصلاة الرسول ﷺ في الركوع والسجود وبقية الأحكام، فكان يطيل أو يقصر في الركوع والسجود تشبُهًا بما كان يفعله الرسول ﷺ.

    الشيوخ والفقهاء والصحابة الذين تأدب عمر بن عبد العزيز على أيديهم

    لقد اختار والده عبد العزيز بن مروان المربي (صالح بن كيسان) ليتولى تعليمه وتأديبه، فألزمه بأداء الصلاة على وقتها في المسجد، وقد قال (صالح بن كيسان) عن عمر بن عبد العزيز: “ما خبرت أحدًا الله أعظم في صدره من هذا الغلام”.

    كما تأثر عمر بن عبد العزيز ببعض الشيوخ ومنهم:

    • عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وقد تأثر به كثيرًا حيث قال في شيخه: “لَمجلسٌ من الأعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحب إليّ من ألف دينار”، حيث كان شيخه عبيد الله مفتي المدينة المنورة، ومن الفقهاء السبعة، وقد قال الزهري فيه: “كان عبيد الله بن عبد الله بحرًا من بحور العلم”.
    • كما تأدب على يد سعيد بن المسيب، وهو سيد التابعين وفقيه وعالم من أهم علماء أهل المدينة، ومن رواة الحديث النبوي الشريف.
    • ومن الصحابة الذين أسند عنهم: أنس بم مالك، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمر بن سلمى المخزومي، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
    • كما روى عن كبار التابعين منهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن حارث، عروة بن الزبير، عامر بن سعد بن أبي وقاص وغيرهم.

    قال ميمون بن مهران: “كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة”.

    صفاته الشخصية وزواجه

    كان نحيلًا أبيض الوجه، ويُقال بأنه كان أسمرًا، ضعيفًا ورقيق الوجه، وغائر العينين، وله لحية جميلة، وقد كان شخصًا جميلًا لكنه كان نحيلًا.

    يُقال أيضًا أنه كان أصلعًا حيث قال الثعالبي في لطائف المعارف: “كان عمر بن الخطاب أصلع، وعثمان، وعلي، ومروان بن الحكم، وعمر بن عبد العزيز، ثم انقطع الصلع عن الخلفاء”.

    ومن صفاته أن إمامته كانت تشبه إلى حد كبير إمامة سيدنا رسول الله ﷺ.

    زواجه:

    عندما توفي والده عبد العزيز، أرسل عمه عبد الملك بن مروان إليه (وكان في دمشق) وزوجّه ابنته فاطمة لكثرة حبه بهذا الشاب العالم.

    لقد كانت ابنة عمه فاطمة تحمل لقب لم تحمله قبلها أي امرأة فهي فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان، وجدها الخليفة مروان بن الحكم، وزوجها الخليفة عمر بن عبد العزيز، وأخوتها خلفاء، ولم توجد أي امرأة تحمل هذا اللقب بعدها أيضًا إلى يومنا هذا.

    كما أن عمر بن عبد العزيز له زوجات أخرى وهن:

    • لميس بنت علي بن الحارث التي ولدت له كلًا من عبد الله وبكر وأم عمار.
    • أم عثمان بنت شعيب بن زيان والتي ولدت له ابنه إبراهيم.

    وأما أولاده:

    هناك اختلاف في عدد الأولاد من ذكور وإناث: فيُقال بأنهم (14) ذكرًا، ومنهم عبد الملك، والوليد، وعاصم، ويزيد، وعبد الله، وعبد العزيز، وزيان، وإبراهيم، وبكر، واسحق، ويعقوب، وموسى. وأما عدد البنات فكان له ثلاثة بنات هن: أم عمار وأمينة وأم عبد الله.

    حياته في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك

    لعمر بن عبد العزيز كبير الأثر في نصحه لأبناء عمه الخليفة عبد الملك بن مروان، والذين استلموا الخلافة بعد والدهم، وتولوا الخلافة قبل عمر بن عبد العزيز، فهو أميرًا بينهم لأنه ابن ولي العهد عبد العزيز بن مروان بن الحكم، فكان لا يتأخر في إبداء المشورة والرأي حيث كان له مكانة مميزة في البيت الأموي وخاصة أن عمه الخليفة عبد الملك بن مروان كان يُحبه ويُقدره ومعجب بذكائه ونباهته، وكان يأخذ برأيه أكثر مما يأخذ برأي أبنائه، حتى أنه عمل بمشورته في صك النقود العربية بدلًا من الأعجمية، وجعل الكتابة في الديوان باللغة العربية بعد أن كانت باللغة الرومية. 

    وفي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ولاه الأمارة على (خناصره) حتى يتدرب على أعمال الإمارة والقيادة، وفي عام (87) للهجرة ولاّه أمارة (المدينة المنورة) ثم ضم إليها (الطائف) في عام91 للهجرة، فصار في هذه الفترة والي على (الحجاز) كلها ولكنه اشترط 3 أمور حتى يتولى ولاية الحجاز وهذه الشروط هي:

    • أن يقلل من إرسال مال الولاية للخليفة، وأن يعمل بالحق والعدل.
    • أن يسمح له الخليفة بالحج وخاصة أنه لم يحج بعد.
    • أن يسمح له بالعطاء بأن يُخرجه للناس في المدينة.

    وافق الخليفة الوليد على شروطه، واستلم عمر بن عبد العزيز ولاية الحجاز، وفي هذه الفترة من ولايته على الحجاز قام بالأعمال التالية:

    • كوّن مجلس للشورى بالمدينة سماه (مجلس فقهاء المدينة العشرة) حيث كان لا يقطع أمرًا إلا بعد أخذ مشورة (10) من فقهاء المدينة المنورة ومن بينهم: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وغيرهم.
    • كان محبًا لسعيد بن المسيب ويأخذ برأيه الذي حيث كان يأتي لمجلس عمر بن عبد العزيز دون الخلفاء أو أمراء بني أمية.
    • وسّع المسجد النبوي الشريف بأمر من الخليفة الوليد مع زخرفته.
    • قام بإصلاحات كثيرة في المدينة المنورة شهد عليها الخليفة الوليد.

    ولكنه طلب من الخليفة أن يعفيه من إمارة المدينة ويعزله وذلك عندما قرر الخليفة الوليد أن يعقد لواء الحج للحجاج بن يوسف الثقفي كأمير على الحج، وخاصة أن عمر بن عبد العزيز كان يكره الحجاج لظلمه للناس وجوره في الحكم، فوافق الوليد على تنحي عمر عن الولاية، فقال الإمام مالك في ذلك: “أنه عندما عزل الخليفة الوليد عمر بن عبد العزيز عن ولاية المدينة، خرج منها وهو باكيًا وقال لمولاه (مزاحم): “يا مزاحم، نخشى أن نكون ممن نَفَتْ المدينة”.

    انتقاله إلى دمشق

    عندما خرج من المدينة حزينًا على فراق مدينة رسول الله ﷺ، عاش في مزرعة في السويداء، ثم رأى أنه من الواجب أن يكون مع الخليفة في دمشق، إلا أن وجوده في دمشق لم يخلو من المشاكل، وخاصة أنه لم يكن على وفاق تام مع الخليفة الوليد الذي كان يستند في حكمه على ولاة قساة من بينهم الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق، وأخو الحجاج في اليمن.

    إلا أن الأحوال تغيرت عندما استلم الخليفة سليمان بن عبد الملك الخلافة، فقرَّب عمر إليه وعينه وزير ومستشار له في الإقامة والسفر، فقد كان يُحبه ويُفضله على غيره من الذين حوله حتى قال مرة: “يا أبا حفص، ما اغتممت بأمر ولا أكربني أمر إلا خطرت فيه على بالي”.

    وبقي عمر بن عبد العزيز قريبًا من ابن عمه الخليفة سليمان طيلة مدة خلافته، ينصحه ويتشارك معه مسؤولية الحكم.

    تولي عمر بن عبد العزيز الخلافة

    وبعد أن مات سليمان بن عبد الملك سنة (99) للهجرة، قام وهو في مرض الموت بمبايعة عمر بن عبد العزيز من بعده، ومن بعده لأخيه يزيد بن عبد الملك، واستلم عمر الخلافة رغم عدم رغبته بها.

    عن عمرو بن مهاجر قال: عندما استلم عمر الخلافة قام إلى المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم خطب بالناس قائلًا:

    “أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن، ولا نبي بعد محمد ﷺ، ألا وإني لست بفارض ولكني مُنفذ، ولستُ بمُبتدع ولكني مُتَّبَعْ، ولست بخيرٍ من أحدكم ولكني أثقلكم حِملًا، وإن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”.

    ثم تابع:

    “أيها الناس، إني قد ابتُليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خَلعتُ ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم”، فصاح الناس بمبايعته ورضاهم به كأميرًا للمؤمنين.

    وأكمل خطبته بالمسلمين يحثهم على تقوى الله وأن يدلوه على الخير، ويُعينوه على هذا الحمل الثقيل بقوله: “ألا إني لست بخيركم، ولكني رجل منكم، غير أن الله جعلني أثقلكم حملًا”.

    • لقد كانت الفترة القصيرة التي حكم فيها عمر بن عبد العزيز المسلمين متميزة بالعدل والمساواة، كما قام برد المظالم لأهلها.
    • كان عمر بن عبد العزيز شديد الحزم في أخذ الحق وكان يدافع عن الحق بشدة.
    • أنقذ الأمة الإسلامية من الانحراف الذي قاده معاوية وابنه يزيد.

    عدل الخليفة عمر بن عبد العزيز وزهده

    تمثل العدل عند عمر من خلال تطبيقه على الناس وحقوقهم وفق الشرع،

    خلال فترة ولاية عمر للخلافة كانت خزانة الدولة ممتلئة للغاية بأموال المسلمين، ووصل شعبها إلى الازدهار الكبير لدرجة أن الأشخاص الذين كانوا يدفعون زكاة أموالهم لا يجدون أي شخص بحاجة لها من كثرة العدل في ذلك الوقت.

    • بدأ عمر بن عبد العزيز برد المظالم من نفسه، حيث تنازل عن كل ما يملك من أراض ومتاع لبيت مال المسلمين، حتى فص خاتم كان الوليد قد أعطاه إياه قام ووهبه لبيت مال المسلمين، وجرّد سيفه مما كان فيه من حلي وجواهر وفضة، وتخلى عن أغلى ثيابه الفاخرة وعطوره وأشياء كانت ثمينة لديه ووهبها لبيت مال المسلمين.  
    • كما أمر ببيع كل ما آل إليه من هدايا وأشياء وثياب وعطور فاخرة ودهن من الخليفة سليمان وضم ثمنها لبيت مال المسلمين.
    • إضافة إلى أنه طلب من أبناء البيت الأموي بعد استلامه الخلافة، بأن يُخرجوا ما لديهم من أموال وبيوت كانوا قد أخذوها بغير حق، ويردوها إلى بيت مال المسلمين، وترك لهم حقوقهم الشرعية فقط، حتى أنه سمى أموال أمراء بني أمية (مظالم).
    • ومن شدة عدله أنه خيّر زوجته فاطمة بنت عبد الملك أن تتخلى عن كل ما تملك من حلي وجواهر (كانت قد ملكته في عهد أبيها) وترده إلى بيت المال أو أن تفارقه، إلا أنها اختارت أن تتخلى عما تملكه من مال وتهبه لبيت مال المسلمين، حتى أنه عندما مات عمر وخلفه يزيد (وهو أخيها) أراد أن يعيد لها المال فأبت قائلة: “لا والله، ما أطيب به نفسًا في حياته وأرجع فيه بعد موته”.
    • وقد تحدث أبو أمية الخصي غلام عمر بأنه دخل يومًا على فاطمة زوجة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، فقدمت له عدسًا، فقال لها: كل يوم عدس؟ قالت: “يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين”.
    • وعن خوفه من الله قال عطاء بن أبي رباح، أن فاطمة (زوجة عمر) قالت له أنها دخلت عليه مرة وهو في مكان صلاته فرأته يبكي، حتى كان الدمع يسيل من لحيته، فسألته أهو لأمر حدث معه؟ لكنه قال لها: “يا فاطمة إني تقلدت من أمر أمة محمد ﷺ أسودها وأحمرها، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة، فخشيت ألا تثبت لي حجة، فبكيت”.
    • وقد كانت نفقة عمر بن عبد العزيز بعد توليه الخلافة درهمين في اليوم.
    • كما كان سراج بيته على ثلاث قصبات فوقهن طين، حتى أنه كان يُشعل الشمعة لقضاء حوائج المسلمين وعندما ينتهي من أمورهم يُطفؤها.

    وقال ابن موسى: “ما زال عمر بن عبد العزيز يردّ المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات”.

    أعماله خلال فترة خلافته  

    قام عمر بن عبد العزيز بتنفيذ الكثير من القرارات الجيدة عندما استلم خلافة الأمويين بعد سليمان بن عبد الملك ومنها:

    • عزل الولاة والحكّام الظالمين، وخاصة الذين كان الحَجّاج قد عيّنهم وبعض الولاة الآخرين، وعزلهم من مناصبهم مثل: والي المدينة المنورة عثمان بن حيان، ووالي مكة خالد القسري البجلي.
    • عزل حارس سليمان بن عبد الملك (خالد بن الريان) الذي كان يضرب أعناق الأشخاص الذين يأمر الخليفة سليمان بضربها، وعيّن بدلًا عنه (عمرو بن مهاجر الأنصاري) الذي كان يرى فيه شخصًا مستقيمًا ويخاف الله.
    • عزل أسامة بن يزيد التنوخي الذي كان على خِراج مصر، لأنه كان كثير الظلم ويعتدي في فرض العقوبات بغير شرع الله، ويقطع اليد دون أن يتحقق من شروط قطعها، فأمر عمر بأن يُحبس ولا يفك قيده إلا في أوقات الصلاة ولمدة سنة كاملة.
    • أمر بإقامة الصلاة على وقتها بعد أن كان الخليفة الوليد قد أمر بتأخير صلاة الظهر والعصر.
    • حرص خلال فترة حكمه على نشر العلم، وتثقيف الناس بالدين والتعريف بالسنة، حتى أمر جميع الولاة أن ينشروا العلم في ولاياتهم والأقاليم، وأمر برواتب للعلماء حتى يتفرغوا لنشر العلم والدين،
    • قام بتنظيم الولايات وأمر ولاتها أن يقوموا بالعدل بين الناس.
    • اهتم بالعلوم الشرعية.
    • اشترى ملاطية من الإغريق مقابل مائة ألف أسير بادلهم بها.

    العمل بالشورى:

    أعاد العمل بالشورى بين الناس، ولهذا لقبه العلماء بخامس الخلفاء الراشدين لما كان يتبعه من أمور مشابهة لما قاموا بها أيام ولايتهم أمور المسلمين، وكان في الكثير من أموره يستشير العلماء والفقهاء ويطلب منهم النصيحة.

    كما اهتم بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: “إن المشورة والمناظرة باب رحمة، ومفتاح بركة، لا يضل معهما رأي، ولا يُفقد معهما حزم”.

    تدوين الحديث النبوي:

    أمر بتدوين أحاديث الرسول ﷺ خوفًا من ضياعها ونسيانها على مر الزمان، وحتى لا يختلط أي شيء بالقرآن، فأمر بكتابة الحديث وتدوينه والاهتمام بالعلم بقوله: “أيها الناس، قيّدوا النعم بالشكر، وقيّدوا العلم بالكتابة”.

    فقد خشي عمر أن تضيع الأحاديث التي في صدور رواتها وحفظتها، مع اختلاطها بالأحاديث المكذوبة وغير الصحيحة، وأمر الأئمة من العلماء في أرجاء البلاد وحثهم على جمع سنن وأحاديث الرسول ﷺ، وأرسل كتبًا إلى جميع الولاة والعلماء والفقهاء بذلك، ومن بينهم أنه أرسل كتاب إلى أمير المدينة الإمام أبي بكر بن حزم يقول فيه: “انظر ما كان من حديث رسول الله ﷺ فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي ﷺ، ولتُفشوا العلم، ولتُجلسوا حتى يعلم ما لم يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا”.

    قال ابن حجر العسقلاني في ذلك: “وأول من دوّن الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد”.

    مدة خلافة عمر بن عبد العزيز ووفاته

    خلافة عمر كانت قصيرة فقد كان أميرًا للمؤمنين لمدة: سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، حتى قُتل مسمومًا سنة 101هـ، فتولى يزيد بن عبد الملك خلافة بني أمية من بعده.

    وقد قال ابن عمر بن عبد العزيز (عبد العزيز) حين سأله أبو جعفر المنصور عما تركه عمر بن عبد العزيز من مال بعد وفاته؟ فقال: أربعمائة دينار، ولو بقي لنقصت” مع أنه حين استلم الخلافة كان ما يملكه ما يُقارب أربعين ألف دينار.

    وفي رواية أخرى يُقال بأن ما تركه عمر بن عبد العزيز من تركة بعد وفاته وكان عنده 11 ابنًا، حيث بلغت تركته (17) دينارًا، كفنوه بقسم منها، وقسموا الباقي على ورثته.

    وفاته:

    وحين أتاه الموت وكان يحتضر قال للذين من حوله: “اخرجوا عني” لكن فاطمة ومسلمة جلسا أمام الباب يستمعون لما يقوله فقال وهو على فراش الموت:

    “مرحبًا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان” ثم تلا قوله تعالى من سورة القصص الآية (83): تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَثم هدأ صوته فلما دخلوا عليه وجدوه قد فارق الحياة (رضي الله عنه).

    اختلفت الروايات حول سبب وفاة عمر بن عبد العزيز ومنها:

    • يُقال بأنه توفي بسبب السم الذي شربه، وذلك بمؤامرة من بني أمية الذين ضاقوا ذرعًا من سياسته وعدله وحرمانهم من ملذاتهم وأموالهم، حيث رُوي أنهم أعطوا لغلام له ألف دينار مع عتقه من العبودية ليضع له السم في الشراب، ويُقال بأن عمر بن عبد العزيز لما أحس بالسم يسري في بطنه طلب الغلام الذي وضع له السم وقال له: “ويحك ما حملك على أن تسقيني السم؟”، فأجابه الغلام بأنهم وعدوه بالعتق وبألف دينار، فطلب منه عمر الألف دينار ووهبها لبيت مال المسلمين، ثم قال للغلام: “اذهب حيث لا يراك أحد”.
    • وتذكر بعض الروايات أن السبب في وفاته هو خوفه الشديد من الله عز وجل لما حمّله من أمور الناس، فكان دائم الخوف من هذه المسؤولية التي على عاتقه.
    • وفي رواية أخرى يُقال بأنه مات بسبب إصابته بالسل.

    وقد كانت وفاته في العشر الأواخر من رجب لسنة (101) للهجرة الموافق لسنة (720) للميلاد بعد أن كتب إلى يزيد بن عبد الملك الذي استلم الخلافة من بعده.

    ورُوي أنه مات وعمره أربعون سنة، وفي بعض الروايات يُقال إن عمره كان 39 عامًا وبضعة أشهر.

    ضريح الخليفة عمر بن عبد العزيز:

    الضريح الذي يضم جسد هذا الخليفة العادل يقع في قرية تسمى (دير شرقي)، والتي توجد في الشرق من معرة النعمان التابعة لمحافظة ادلب السورية، وهو بناء من العهد المملوكي قديم وقد جُدد في تسعينيات القرن الماضي، مع بناء قبة فوق الضريح وحديقة حوله، وصار الضريح مَعْلَمًا سياحيًا ومكانًا يشهد على عظمة من يضمه وما كان يحمله من تقوى وعدل وزهد وورع.

    مكانة عمر بن عبد العزيز

    كان لعمر بن عبد العزيز مكانة مرموقة بين أئمة العصر الذي عاش فيه حيث أطلق عليه لقب (الإمام) من قبل الإمام مالك والإمام سفيان بن عيينة.

    وقد قال مجاهد في عمر بن عبد العزيز: “أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمَّنا منه”.

    أما الذهبي فقد قال فيه: “كان إمامًا فقيهًا مجتهدًا، عارفًا بالسنن، كبير الشأن، حافظًا وقانتًا لله، أوَّاهًا مُنيبًا، يُعَدُّ في حُسن السّيرة والقيامِ بالقِسطِ مع جدّه لأمه عُمر، وفي الزُهد مع الحَسَنْ البَصْري، وفي العِلم مع الزَهري».

    وقال فيه ميمون بن مهران: “كان عمر بن عبد العزيز معلمَّ العلماء”،

    وقد أخذ الأئمة الأربعة عنه من الحنفاء والشافعية والمالكية والحنابلة، حيث ذكره الإمام مالك في (الموطأ) بأكثر من موضع محتجًا بأقواله وفتواه.

    كما قال الإمام أحمد في عمر بن عبد العزيز: “لا أدري قول أحد من التابعين حُجّة إلا قول عمر بن عبد العزيز”.

    ومن الكتب التي كتبت عن عمر بن عبد العزيز: كتاب (عمر بن عبد العزيز) للكاتب عبد الحميد جودة السحار.

    من أقواله

    من أشهر ما قاله الخليفة عمر بن عبد العزيز:

    • “أنثروا القمحَ على رؤوسِ الجبال لكيلا يُقال: جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين”.
    • قال إبراهيم السكوني: قال عمر بن عبد العزيز: “ما كذبت منذ علمت أن الكذب شِين على أهله”.
    • وقال غسان عن رجل من الأزد: قال رجل لعمر بن عبد العزيز: أوصني، قال له عمر: “أوصيك بتقوى الله، وإيثاره، تخف عنك المئونة، وتُحسن لك من الله المعونة”.
    • وقال الحجاج بن عنبسة: أن بنو مروان أرادوا يومًا أن يُمازحوه ليعطف عليهم، ولما دخلوا عليه وأخذ أحدهم بالمزاح في الحديث، نظر عمر إليه وقال: “لهذا اجتمعتم؟ لأخس الحديث، ولما يورث الضغائن؟ إذا اجتمعتم فأفيضوا في كتاب الله، فإن تعديتم ذلك ففي السنة عن النبي ﷺ، فإن تعديتم ذلك فعليكم بمعاني الحديث.

    أقوال في الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز

    لقد كانت حياة عمر بن عبد العزيز هذا الخليفة الأموي العادل زاخرة بأعمال أعادت العدل، وردت المظالم للناس رغم قصر هذه المدة: وقد قيل عنه:

    • قال قيس بن جبير في عمر بن عبد العزيز: “مثل عمر في بني أمية مثل مؤمن آل فرعون”.
    • قال ميمون بن مهران: “إن الله كان يتعاهد الناس بنبّي بعد نبي، وإن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز”.
    • وقال حسن القصاب: “رأيت الذئاب ترعى مع الغنم بالبادية في خلافة عمر بن عبد العزيز، فقلت: سبحان الله! ذئب في غَنَمٍ لا يضُرَها؟ فقال الراعي: إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس”.
    • قال وهب بن منبه: “إن كان في هذه الأمة مَهْديّ فهو عمر بن عبد العزيز”.
    • وقال مالك بن دينار: “الناس يقولون: مالك زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها”.  
    • وقال موسى بن أعين: “كنا نرعى الشاء بكِرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز، فكانت الشاة والذئب ترعى في مكان واحد، فبينا نحن ذات ليلة إذ عرض الذئب للشاة قلت: ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك، فحسبوه فوجدوه مات تلك الليلة”.
    • وقال يونس بن أبي شبيب: شهدت عمر بن عبد العزيز وإن حجزة إزاره لغائبة في عكنه، ثم رأيته بعد ما استخلف ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسك لفعلت”.

    سيرة عمر بن عبد العزيز في التلفزيون

    جُسدت شخصية هذا الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز في عدة مسلسلات ومن هذه المسلسلات:

    مسلسل “عمر بن عبد العزيز، خامس الخلفاء الراشدين” الذي بُدأ عرضه لأول مرة عام 1995، حيث جسّد الممثل نور الشريف شخصية الخليفة العادل خير تجسيد، ويعتبر هذا المسلسل من أقوى المسلسلات التي جسدت شخصية الخليفة عمر، وكان المسلسل من إخراج أحمد توفيق، ومن بطولة نور الشريف إلى جانب عمر الحريري وعبد الرحمن أبو زهرة، وأشرف عبد الغفور، وقد قامت بدور زوجته فاطمة الفنانة عبير الشرقاوي.

    وقد بدأ المسلسل بتتر المقدمة من أشعار عبد السلام أمين، وألحان الموسيقار محمد الموجي، والغناء لعلي الحجار ومن الشعر الذي كان في مقدمة تتر المسلسل:

    هذا الفتى العُمريُّ في تَقْواهُ           نورُ التُّقى والطُّهْرُ في سِيماهُ

    غُصنٌ من الفاروقِ في أخلاقِهِ          شـَهِدَ الرَّعيةَ عَدْلُهُ وتُقـــــــاهُ

    الراشدي العُمريُّ على الطغاةِ قويُّ وبالضعيفِ رحيمٌ ولليتيم حَفِيُّ

    قَبَسٌ من الخُلفاءِ مـدَّ ضيائَـهُ            من بعدِ أنْ ضلَّ الولاةُ وتاهـوا

    مَلَكَ القُلوبَ بعدلِهِ وبحَزْمِــهِ             وبزُهْدِهِ والمُلْكُ في يُمْنـــــاهُ

    يا خامسًا للراشدين أولي ………… الهُدى والحاكمينَ بما أحـلَّ اللهُ

    إن يَصْلُحْ الرَّاعي ويتّقي ربَهُ              تَخْشى الذِئابُ رُبوعَهُ وحِماهُ

    المصادر:

  • قصة إسلام عمر بن الخطاب الصحيحة … أحداث مثيرة وتفاصيل مهمة

    كل الروايات التي تحدثت عن قصة إسلام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) تشابهت في أحداثها، إلا أنها اختلفت في أسماء بعض الأشخاص الذين صافهم أثناء ذهابه لقتل النبيّ محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

    فالشخص الذي صادف عمر وهو ذاهب لقتل الرسول عليه الصلاة والسلام قبل إسلامه يختلف من رواية لأخرى فبعضهم يقول إنها امرأة والبعض الآخر يقول رجل (وقد اختلف أيضًا في اسم هذا الشخص)، ولكن في مقالنا سنبين لكم قصة إسلام عمر بن الخطاب الصحيحة بتفاصيلها وبعض المعلومات عن هذه الشخصية القوية وخلافته للمسلمين فتعالوا معنا:

    عمر بن الخطاب

    هو عمر بن الخطاب بنُ نُفيل بنُ عبد العزّى بنُ رَباح بنُ قِرط بنُ رِزاحْ بنُ عُديّ بنُ كَعب بنُ لؤي، من قبيلة قريش حيث يلتقي نسبه بالنبي عليه الصلاة والسلام في جدهما (كعب بن لؤي).

    أبوه هو (الخطّاب) حيث كان رجلًا مغمورًا يُعرف بغلظته وشدته، وأما أمه فهي حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

    ولد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعد عام الفيل بحوالي (13) سنة، لذلك فهو يصغر الرسول بـ 13 سنة، وقد كان عمره (27) سنة عندما بُعِثَ الرسول، وأسلم وعمره (32) سنة في سنة (6) من البعثة ويقال (9) للهجرة.

    هو من قبيلة عُدي المسؤولة عن السفارة للصلح وحل المشاكل بين قريش والقبائل الأخرى، وبين قبائل قريش مع بعضها، حيث كان عمر بن الخطاب مسؤول عن هذه المهمة كونه ذو عقل راجح، وذكاء متوهج ورزانة، ولثقة الجميع به، بالإضافة إلى أن له مكانة رفيعة بين قومه، إلا أنه لم يمارس هذه المهمة كثيرًا لأن قريش كانت سيدة العرب، فما كان أحد من القبائل الخارجية أو التي تنتمي لقريش تستطيع أن تُخالفها.

    صفات عمر بن الخطاب وخصائصه

    لقد كان عمر بن الخطاب رجلًا ذكيُا وقويًا، وفارسًا شجاعًا جريئًا ومن أشهر فرسان القبيلة، حيث شارك في الكثير من المعارك، وقد كان قوي الجسم يجيد ركوب الخيل والمصارعة ويُتقن الرمي والفروسية وقد تعلم في صغره الكتابة والقراءة.

    • كان في الجاهلية وقبل الاسلام يعبد الأوثان، محبًا لشرب الخمر واللهو كأي شب من أقرانه.
    • تزوج عمر بن الخطاب الكثير من النساء مثل أبيه، حيث تزوج 9 مرات وأنجب العديد من الأولاد والبنات (كان له أربع بنات وثمانية من البنين).
    • لُقب بالفاروق لأنه كان لا يتوانى عن التفريق بين الحقّ والباطل مهما كانت الظروف، كما كان يُلقب بأبي حفص.
    • هو من صحابة رسول الله (عليه الصلاة والسلام) وأحد العشرة المبشرين بالجنة.
    • إنه ثاني الخلفاء الراشدين بعد أبو بكر الصديق (رضي الله عنه).
    • أول من لُقب بأمير المؤمنين حتى لا يُلقب بخليفة خليفة رسول الله بعد وفاة الخليفة أبو بكر الصديق واستلامه خلافة المسلمين.
    • يعتبر ابن الخطاب مؤسس التقويم الهجري.
    • كان عمر بن الخطّاب قاضيًا له خبرة واسعة ، حيث اشتهر بعدالته وإنصافه للمظلومين سواء كانوا مسلمين أو غيرهم.

    تولى خلافة المسلمين بعد سيدنا أبو بكر الصديق وعمره (52) سنة وصار أميرًا للمؤمنين، وكانت مدة خلافته ما يقارب (10) سنوات و (6) أشهر و (4) أيام)، وقد قتل على يد أبي لؤلؤة المجوسي وعمره كان (62) سنة وبذلك تكون مدة اسلامه (30) سنة.

    قصة إسلام عمر بن الخطاب الصحيحة

    ظل عمر بن الخطاب يعادي المسلمين والرسول عليه الصلاة والسلام، حيث كان من أشد الناس حربًا على الدين الجديد والمسلمين، ومن أكثرهم عداء للرسول عليه الصلاة والسلام، حتى كان موعد هجرة المسلمين الأولى للحبشة، حيث هاجر العديد من الأشخاص الذين يعرفهم عمر إلى الحبشة، فشعر بالأسى والحزن لفراقهم وخاصة أنهم تحملوا الكثير من التعذيب على يد قريش.

    هنا عزم عمر على التخلص من (محمد) عليه الصلاة والسلام، حتى ترجع قريش لسابق عهدها من قوة ووحدة كان قد مزقها هذا الدين الجديد.

    حمل سيفه وانطلق في طرقات قريش متوجهًا إلى حيث يجتمع الرسول مع أصحابه، سأل الناس ليدلوه عن مكان اجتماع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مع الذين آمنوا معه على نية قتله (قتل صاحب الرسالة)، لكن أنت تريد شيئا ورب العباد يريد أشياء ولا تتغلب إلا إرادة الله سبحانه وتعالى: وهو في طريقه صادف شخصًا وهنا نجد روايتان:

    الرواية الأولى:

    سمعته امرأة تسير في الطريق، فقالت له: هل تظن أنك بفعلتك أن بنو هاشم وعبد المطلب سيتركونك تمشي على قدميك إن قمت بقتل واحد منهم (لأنه في مجتمع لا يتركوا ثأرهم مطلقًا)، اذهب إلى أختك فاطمة وصهرك سعيد بن زيد فلقد صبآا (كلمة تقال للخارج عن دين آبائه عند العرب).

    الرواية الثانية:

    أن عمر بن الخطاب في طريقه إلى دار الأرقم لقتل الرسول عليه الصلاة والسلام لقي رجل من بني زهرة وهو الصحابيّ: (نُعَيم بن عبد الله العدوي القرشي) وكان يُخفي إسلامه (وفي رواية أخرى يُقال إنه (الصحابي نُعيم بن عبد الله النحّام).

    فقال له: إلى أين يا عمر؟ قال عمر: أريد أن أقتل محمد، فقال له الرجل: والله لقد غرتك نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الارض وقد قتلت محمدًا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيّم أمرهم.

    ثم أخبره بأن أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو (رضي الله عنه) قد أسلما.

    قصة إسلام عمر بن الخطاب الصحيحة:

    ذهب عمر لبيت أخته فاطمة مسرعًا غاضبًا، فسمع من خلف الباب صوت (خبَّاب بن الأرت رضي الله عنه) يُقْرِأ سعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب من سورة طه.

    فطرق الباب، فقالت فاطمة: مَنْ؟ قال: عمر، فاختبأ خبَّاب بن الأرت خلف الباب خوفًا منه، وفتحت فاطمة الباب لعمر، فقال لها ووجهه غاضب: ما هذه الهيمنة التي أسمع (لوجود ترانيم في البيت من قراءة القرآن) أصَبِأتُما؟ قالا: نعم.

    فأخذ صهره سعيد بن زيد وشدّهُ من صدره وطرحه أرضًا، ثم وضع ركبتيه على صدره، فأرادت فاطمة أن تُبعد أخاها عن صدر زوجها فلطمها عمر على وجهها فسال الدم من أنفها.

    وسبحان الله في هذه اللحظة تتفتح الأبواب، والله يريد للنور الذي في صدر وقلب عُمر أن يُضيء، (دم أخته يسيل من أنفها، وعاطفة الأخوة بينهما تسري في دمه وقلبه)، فما كان من عُمر إلا أن مسح الدم عن وجه أخته، وقال: ناولاني الصحيفة التي كنتما تقرآن منها.

    إلا أن فاطمة أخت عُمر (وما في قلبها من الإيمان الذي اختلط لديها بين عظامها وقلبها) قالت له بكل ثقة ودون خوف: يا عُمر أنت نَجِسْ، أعْطِنا موثقًا من الله لَتَرُدَّنَّه علينا، وقُمْ فاغتسِلْ وتوضأْ، لأن هذا كلام الله لا يمسه نجس.

    اغتسل عمر (العرب في وقتها كانوا يعرفون الاغتسال) وخرج وقطرات الماء تتقاطر من أطراف جسده فأمسك بالصحيفة وبدأ يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم:

    طه (1) مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ (2) إِلَّا تَذۡكِرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰ (3) تَنزِيلٗا مِّمَّنۡ خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلۡعُلَى (4) ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ (5) لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَمَا تَحۡتَ ٱلثَّرَىٰ (6) وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى (7) ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ (8).

    وأكمل قراءة الآيات:

    إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ (14) إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخۡفِيهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا تَسۡعَىٰ (15).

    وعندما انتهى من قراءة هذه الآيات لمع النور في قلبه، فقال لهم: دلوني على مكان محمد (رسول الله) (لقد بدأت النافذة الإيمانية تفتح أمام عُمر).

    فرح الخبَّاب بن الأرت (رضي الله عنه) من هذا الموقف وخرج من مخبأه، وقال له: أبشِرْ يا عُمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) لك عشيَّة الخميس: اللهمَّ أعزَّ الدّين بعُمر بن الخطَّاب أو بعمرو بن هشام.

    ذهاب عمر إلى دار الأرقم:

    دلوه على مكان سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) على أنه موجود في دار الأرقم، فذهب وطرق عليهم الباب حيث كان سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) يجتمع مع أصحابه الذين كان عددهم (39) رجلًا مؤمنين برسالته، فعرف أصحاب محمد (عليه الصلاة والسلام) أنه عمر فخاف الجميع من أن يفتحوا له الباب، فتقدم سيدنا حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) عم الرسول (عليه الصلاة والسلام) وقال: “هذا عُمر، فإنْ يُرِدْ الله بِهِ خيرًا يُسلم ويَتَّبِعِ النبي (صلَّى الله عليه وسلم)، وإن يَكُن غير ذلك يكن قتْلُه علينا هيّنًا”، واستأذن الرسول بفتح الباب فأذن له وفتح الباب.

    فلما دخل عُمر تقدم منه رسول الله (عليه الصلاة والسلام) وأخذه من قميصه ومجامع ثوبه، وشدّهُ بقوة حتى جثا عمر على ركبتيه فقال له النبي (عليه الصلاة والسلام):

    “أما أنت منتهيًا يا عمر حتى يُنزلَ الله بكَ من الخِزي والنِكالِ، ما نَزَلَ بالوليد بن المُغيرة؟” فقال له عُمر: “يا رسول الله، جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله، وأشهدُ أنك رسول الله”، فكبَّر رسول الله والمسلمون الذين كانوا معه في دار الأرقم.

    ما حدث بعد أن أسلم عُمر بن الخطاب على يدي الرسول (عليه الصلاة والسلام):

    بعد أن أسلم عُمر بن الخطاب في دار الأرقم بين يدي رسول الله (عليه الصلاة والسلام) (بلحظة واحدة تفتحت أبواب النور أمامه)، قال عُمر: يا رسول الله، ألسنا على الحق إنْ مِتْنا وإنْ حيينا؟ قال الرسول عليه الصلاة والسلام: بلى، فقال عُمر: ففيم الاختفاء؟

    فسأل رسول الله سؤالًا يدل على شخصيته القوية: ألستَ على الحق يا رسول الله؟ قال: نعم.

    ثم تابع: أليسوا على الباطل؟ قال الرسول (عليه الصلاة والسلام): نعم.

    قال ولِمَ نرضى الدَّنية في ديننا؟ لِمَ نقبلْ أن نكون أقل؟ لنخرج في صفين (وللعلم فإن الدعوة للإسلام إلى الآن وحتى لحظة اسلام عُمر بن الخطاب كانت سرّية.

    لكن مع دخول عُمر بن الخطاب الإسلام اكتمل عدد المسلمين فصاروا 40 رجلًا، فقال للرسول عليه الصلاة والسلام: فلنخرج أنا في صف، وحمزة في صف، وأنت بيننا ولتسمع مكة كلها لا إله إلا الله.

    فخرج المسلمون في صفين حتى وصلوا الكعبة، وأعلن إسلامه أمام قريش كلها، فلما رآهم قومهم من قريش أصابهم كآبة شديدة لم تحدث لهم مثلها من قبل، وهذا لدخول حمزة وعمر (رضي الله عنهما) في دين الإسلام، وكان هذا المشهد أول ظهور للمسلمين على المشركين علنًا، لذلك سمَّاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) منذ ذلك العهد (الفاروق) لأنَّ الله تعالى قد فرق به بين الحق والباطل.

    الدولة الإسلامية في عهد عُمر بن الخطاب كأميرًا للمؤمنين

    كان عٌمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يتصف بالحزم والنزاهة، مع هيبة وتواضع، ممزوجًا بالعدل والرحمة، إضافة للشدة والزهد.

    لقد أصبحت الدولة الإسلامية في عهده الذي دام ما يقارب عشر سنوات من أقوى الدول في ذلك التاريخ، فقد هزم دولتي الروم والفرس، وتوسع نطاقها حتى شمل العديد من البلاد (فارس وخراسان، ومصر، وبلاد الشام، وليبيا، وشرق الأناضول، وجنوب أرمينية) بالإضافة إلى أنها شملت العديد من الأعراق والسكان والأديان.

    موافقة القرآن لرأي عُمر بن الخطاب

    لقد كان عمر قويًا في الجاهلية وقويًا في الإسلام، فقد تميز بالإيمان القوي، والغيرة الشديدة على الإسلام، وكان جريئًا في الحق، اتصف بالحكمة والعقل وسداد الرأي.

    جتى أنه من كثرة رجاحة عقله ودفاعه عن الدين، فقد وافق القرآن في عديد من المواقف لرأي عُمر بن الخطاب ومن أكثرها تميزًا:

    • عندما قال للرسول عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مُصَلّى، فوافق هذا الرأي ما نزل بعده من القرآن في سورة البقرة الآية (125) فنزلت الآية:

    “َوإذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)”.

    • كما وافق رأيه مع آيات الله عندما قال للرسول عليه الصلاة والسلام: إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب في سورة الأحزاب الآية (53):

    “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)”.

    أقوال الصحابة في إسلام عُمر بن الخطاب

    لقد كان إسلام عُمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عز وقوة، فقد أضاء الله نور الإسلام بعُمر، وأصبحت قلوب المسلمين أكثر قوة، وصاروا في سرور وفرح بعد العناء والتعذيب والتنكيل بهم.

    • قال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) في إسلام عُمر: “مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ بْنِ الْخَطَّابِ“.
    • كما قال عبد الله بن مسعود أيضًا: “مَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نُصَلِّيَ ظَاهِرِينَ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ“.
    • وقال ابن عباس (رضي الله عنهما): “لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا“.

    المصدر:

    عمر بن الخطاب – ويكيبيديا

  • مدة خلافة عمر بن الخطاب (الفاروق) رضي الله عنه

    تسلّم سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أمارة المسلمين خلفًا لسيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)، وكانت هذه الفترة التي قضاها في خلافة المسلمين فترة مهمة والتي فرّق فيها بين الحق والباطل وانتشر العدل في عهده بقوة وثبات، واستطاع خلالها أن يكون الأمير العادل في حكمه.

    سنتكلم في هذا المقال عن مدة خلافة سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وكيف استلم هذه الخلافة، وأهم السمات لهذه الفترة، والفتوحات الإسلامية التي كانت في عهده ، وكيف انتهت هذه الفترة فتعالوا معنا:

    عمر بن الخطاب

    الصحابي الجليل سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) هو أحد العشرة المبشرين بالجنة من بين صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، كما أنه ثاني الخلفاء الراشدين كخليفة للمؤمنين بعد وفاة سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه).

    ومن المفيد أن تعرف أنه أول من لُقب بأمير المؤمنين، وقد أخذ هذا اللقب من جمهور الناس الذين لقبوه بالأمير بعد الخليفة أبو بكر الصديق الذي كان خليفة للرسول عليه الصلاة والسلام، وحتى لا يُلقب بخليفة خليفة رسول الله نادوه بأمير المؤمنين واستمر هذا اللقب لباقي الخلفاء من بعده.

    لقب بالفاروق لأنه كان خلال فترة حياته كلها يُفرق بين الحق والباطل ولا يتهاون في هذا الأمر مطقًا.

    من هو عمر بن الخطاب؟

    هو عمر بن الخطاب بنُ نُفيل بنُ عبد العزّى بنُ رَباح بنُ قِرط بنُ رِزاحْ بنُ عُديّ بنُ كَعب بنُ لؤي، حيث يلتقي نسبه مع نسب النبي عليه الصلاة والسلام في جده كعب.

    اسمه عمر بن الخطاب العدوي القرشي، يُكنى بأبي حفص وذلك لأنه كان لديه ابن اسمه حفص ومات صغيرًا، وقد كان في الجاهلية رجلًا شديدًا قويًا وقاسيًا ذو هيبة ووقار، حيث أخذ هذه الصفة من والده الخطاب الذي كان رجلًا شديدًا.

    ولد في مكة بتهامة بعد عام الفيل بـ 10 سنوات لذلك فهو أصغر من الرسول عليه الصلاة والسلام بعشر سنوات.

    كان إسلامه علامة قوية أضافت لصحابة الرسول القوة والنفوذ، حيث كان في وقتها يرى أن الإسلام قد جاء ليشتت شمل قبيلته قريش، مع أنه كان يشعر في داخله صراع قوي في رؤيته للرسول الملقب بالصادق الأمين وأنه على حق، إضافة لرؤيته ثبات صحابة الرسول أمام تعذيب قريش لهم.

    لقد كان عمر سفيرًا لقريش قبل أن يُسلم لحل المشاكل التي يمكن أن تحدث بين قريش وبين القبائل الأخرى، أو في داخل القبيلة نفسها، فقد عُرف برجاحة عقله واتزانه، وكان له مكانة رفيعة بين قومه ومن أهم فرسانها وقادتها.

    إلا أن اسلامه الذي جاء نصرًا قويًا للمسلمين وقوة وقفت في مواجهة قريش كلها، حيث كان اسلامه في السنة الخامسة من بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وقد كان في سن 32 من عمره.

    مدة خلافة عمر بن الخطاب

    عندما أسلم سيدنا عمر بن الخطاب بين يدي الرسول الكريم في دار الأرقم، وقد كان الرجل رقم (40) من بين الرجال الذين أسلموا على يدي الرسول الكريم، وكان إسلامه ببركة الدعاء الذي كان يدعو به الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: “اللهمَّ أعزَ الإسلام بأحب هذين الرجُلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب فكان أحبُّهما إلى الله عمر بن الخطاب”.

    وإسلام عمر بن الخطاب كان قوة دعمت شوكة المسلمين تجاه قريش في مكة، فقد كان فارسًا قويًا لا يخاف أحدًا ويهابه الكثير من قبيلته.

    تولى سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) خلافة المسلمين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام وكان خير خليفة له، وعندما توفي سيدنا أبو بكر الصديق تولّى عمر بن الخطاب أمر الخلافة في شهر جمادى الآخرة سنة (13) للهجرة الموافق لسنة 634م، وبايعه المسلمين أميرًا للمؤمنين حيث وسع رقعة الدولة الإسلامية حتى وصلت إلى أماكن كثيرة مما زاد من قوة المسلمين والإسلام في العالم.

    كانت مدة خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فترة 10 سنوات و6 أشهر و4 أيام، حيث عهد أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) بالخلافة لسيدنا عمر من بعده (وهذا ما ذُكر في كتاب البداية والنهاية لابن كثير)، وقد كتب هذا العهد سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، ولم يُخالف المسلمون هذا الرأي من بعد أبو بكر، ورضوا بأن يكون عمر هو الخليفة من بعد أبا بكر، لعلمهم بقوة وثبات عمر على الحق وما يتميز به من الورع وتقوى ربه.

    لقد كانت فترة خلافته حافلة بإنجازاته العسكرية والسياسية، وفترة حكمه فترة كانت من أقوى فترات الخلافة الراشدية.

    فضائل سيدنا عمر بن الخطاب

    كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول في عمر:

    “إنَّ اللهَ جعل الحقَّ على لسانِ عُمر وقلْبِه” لذلك نرى أن لسيدنا عمر بن الخطاب الكثير من الفضائل التي تميز بها ومنها:

    هو أول المهاجرين من المسلمين إلى المدينة المنورة.

    لقد كان عمر بن الخطاب قاضيًا له خبرة قوية في القضاء وخاصة في فترة عهد أبو بكر الصدق، لذلك اشتهر بعدله وإنصاف المظلومين سواء كان المتحاكمين من المسلمين أو من غير المسلمين.

    وقد كان عمر بن الخطاب ذكيًا وسريع البديهة، وكان لديه مهارة في الخطابة وهي التي زادت من شعبيته وحب الناس له خلال فترة خلافته.

    شهد غزوة بدر مع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والمسلمين في مواجهة الكفار.

    لقد كان لسيدنا عمر رضي الله عنه مواقف راجحة وافقه فيها القرآن في عدة مواقع، وقد تحدث عمر عنها بقوله: “وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت الآية (125) من سورة البقرة: {واتَّخذُوا من مقامِ إبراهيمَ مُصلًّى}، وآية الحجاب قلت: يا رسول الله لو أمَرْتَ نساءك أن يحتجبن، فإنه يُكلّمهن البر والفاجر، فنزلَت آية الحجاب (والتي ذُكرت في الآيتين “31 _ 32” من سورة النور)، واجتمع نساء النبي “صلى الله عليه وسلم” في الغيرة عليه فقلت لهن: {عَسَىٰ رَبهُ إِن طلَّقكُنَّ أَن يُبْدلهُ أَزواجًا خيرًا منكنَّ}، فَنَزَلَتْ هذه الآية “رقم (5) من سورة التحريم”، وهذا فضل من رب العالمين لما كان يقوله عمر بن الخطاب بما يتوافق مع شرع الله سبحانه وتعالى.

    ما هي السمات التي تميزت فيها فترة خلافة عمر بن الخطاب؟

    هناك عدة سمات تميزت فيها فترة خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) والتي نبينها لكم كالتالي:

    • لقد اتسعت الفتوحات الإسلامية في فترة خلافته كأميرًا للمسلمين، حيث كثرت المعارك في عهده وفتح عدد كبير من البلاد (نهاوند والقادسية وغيرها كثير)، كما فتحت في فترة خلافته الكثير من المدائن.
    • امتدت الدولة الإسلامية بحدود واسعة، من (بحر قزوين) في الشمال إلى (المحيط الهندي) جنوبًا، ومن ولاية (برقة) في الغرب إلى حدود (نهر جيحون) في الشرق.
    • بلغ الإسلام في عهد عمر عظمة وقوة كبيرة جدًا فقد توسعت الدولة الإسلامية حتى شملت العديد من البلاد كبلاد فارس وخراسان وجنوب ارمينية والشام ومصر والعراق.
    • كانت عظمة قيادته للفتوحات في تنظيمه للحملات وتوجيهها التوجيه الصحيح، واختيار القادة الذين كان لهم خبرة في الحروب.
    • كما كان له الفضل في ذلك الوقت في الحفاظ على وحدة الدولة الإسلامية باتساع البلدان التابعة لها وازدياد عدد سكانها رغم كونها متعددة القوميات وواسعة الأطراف.
    • كان الناس في فترة خلافته يعيشون فترة التسامح الديني بين الطوائف المختلفة.
    • خلال فترة حكمه انتهت الإمبراطورية الفارسية.
    • عُمل في عهد عمر بن الخطاب بالتقويم الهجري.
    • عين أفضل الرجال في إدارة الدولة للولايات البعيدة والذين يتميزون بالعدالة والأمانة والتقوى، أما الولايات القريبة فكان يباشر إدارتها بنفسه بكثير من العدل والحزم والتقوى.
    • انتشر العدل في فترة خلافته، وكان مع الولاة قريبين من جميع الناس.
    • قام باتخاذ بيت مال للمسلمين.
    • كثرت الإصلاحات في عهده.
    • فتح القدس ودخلها بعد أن استلم مفاتيحها من قائدها في سنة 15 للهجرة، وعقد معاهدة صلح مع أهل القدس.
    • بنى عدة مدن جديدة مثل مدينة الفسطاط في مصر، ومدينة البصرة والكوفة في العراق.
    • وسع المسجد النبوي.
    • أنشأ الدواوين وزاد عليهم إنشاء ديوان للجند وديوان للعطاء.
    • نظم الجيش، وقام بجعل التجنيد إجباري لكل رجل في الدولة الإسلامية.

    نهاية خلافة عمر بن الخطاب

    رغم كل ما فعله عمر بن الخطاب من تحسينات في عهده وإصلاحات وعدل، إلا أن أعدائه لم يتركوه، حيث أقدم أحد الغلمان ويدعى فيروز أبو لؤلؤة المجوسي (وهو مولى للمغيرة بن شعبة) بطعنه بست طعنات في جسمه وكانت هذه الطعنات مسمومة، وقد كان عمر يصلي الفجر مع المسلمين في المسجد في يوم الأربعاء في 26 ذي الحجة من سنة 23 للهجرة وكان له من العمر 52 عامًا.

    وباستشهاده انتهت مدة خلافة عمر بن الخطاب بدون أن يولي الخلافة لأحد من بعده، فما كان من المسلمين إلا أن يبايعوا عثمان بن عفان خليفة من بعده للمسلمين.

    أخيرًا …

    في سردي لمدة خلافة سيدنا عمر بن الخطاب كنت أنقل بعض المعلومات التي تتكلم عن هذا الخليفة الراشدي العادل، ليتعرف عليها الكثير ممن لا يعرفون بعض المعلومات عن هذا الأمير الراشدي، فإن كنت ترغب في التفاصيل الكبيرة والتي تزيد من معلوماتك فعليك بقراءة الكتب التاريخية التي تحدثت بالتفصيل عن حياة الخلفاء الراشدين مثل كتاب البداية والنهاية بأجزائه المتعددة لابن كثير.

    المصدر:

    موسوعة (البداية والنهاية) للحافظ ابن كثير إسماعيل بن عمر الدمشقي – موقع wikipedia

  • أول رائد فضاء … من أول من هبط على سطح القمر؟

    كان يوري جاجارين الروسي أول رائد فضاء في العالم. في 12 أبريل 1961، طار في مركبة فوستوك الفضائية التابعة للاتحاد السوفيتي لمدة 108 دقيقة، ودار حول الأرض لأكثر من مدار واحد بقليل. أصبح جاجارين بطلاً ثقافيًا في الاتحاد السوفيتي بعد المهمة.

    (المزيد…)
  • الشاعر العربي نزار قباني … قنديلٌ أخضر على بوابة دمشق

    “هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ، إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ، أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي، لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ”

    هكذا أبهرنا بأدبه ومفرداته التي لامست أرواحنا وقلوبنا، وروى ظمأنا، وأحيانا من جديد. هو شاعر الوطن، وشاعر المرأة والحب، الدبلوماسي الذكي، والسياسي الناجح، غنّى له كبار الفنانين، وحمل جثمانه كبار المثقفين.

    هو الشاعر والأديب المعاصر نزار قباني، الذي سوف نبحر اليوم من خلال هذا المقال في عالمه وحياته بما تحمله من الأحزان والأفراح، ونستعرض معًا حقائق كثيرة عن الشاعر الكبير نزار قباني، تابعوا معنا.

    من هو نزار قباني؟

    نزار قباني شاعرًا ومحاميًا ودبلوماسيًا سوري المولد، عاش معظم حياته خارج الشرق الأوسط، حيث كان قادرًا على التعبير عن نفسه بقدر كبير من الحرية.

    كان نزار قباني كاتبًا غزير الإنتاج طوال حياته، فقد كرّس حياته للكتابة، وكتب بعض الأبيات الرائعة التي ما زالت يفتخر بها عالم الأدب العربي حتى الآن. منذ صغره بدأ يعبر عن مشاعره وأفكاره من خلال الشعر، وأصيب بجروح عميقة في مسيرة حياته.

    عندما ظهر نزار قباني كشاعر حاول التعبير عن آرائه حول حقوق المرأة من خلال شعره، فقد كانت الحركة النسوية تهيمن على جميع كتاباته تقريبًا، وغالبًا ما كان يُنظر إلى عمله على أنه تكريم للأنوثة، فقد صوّر بشكل جيد محنة المرأة في المجتمع المعاصر، وقد كان دفاعه عن المرأة، وطريقة تأليفه لقصائده يجعله مثيرًا للجدل في أغلب الأحيان، ومع ذلك، هذا لم يضع حدًا لأفكاره، ولم يحاول أن يغير الطريقة التي كتب بها.

    كما مثّل نزار قباني بلاده كسفير للعديد من الدول الأخرى، ومع ذلك فقد ترك وظيفته في وقت لاحق كدبلوماسي، وكرّس حياته لكتابة قطع أدبية متميزة واستثنائية.

    نشأة وطفولة الشاعر نزار قباني

    ولد الشاعر نزار قباني في 21 مارس، من عام 1923م في مدينة دمشق، وتحديدًا في حي مأذنة الشحم، وتنحدر عائلة القباني من أسرة عربية حجازية، ترجع بنسبها إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين، والده توفيق القباني، كان مالك لمصنع شوكولا، وزعيمًا وطنيًا، ومن أعيان البلد، ووالدته فايزة آقبيق من أصول تركية، بينما كان الكاتب المسرحي، والشاعر المعروف، أبو خليل القباني هو عم والده، والذي كان من أبرز أفراد عائلة القباني في القرن التاسع عشر، وكان لنزار قباني أختان، وصال وحيفا، وثلاثة أخوة وهم: معتز ورشيد وصباح، حيث كان صباح الأشهر بعد نزار، فقد شغل منصب مدير الإذاعة والتلفزيون السوري عام 1960م، وسفير سوريا في الولايات العربية المتحدة.

    تميزت طفولة نزار قباني بحبه الشديد للبحث والاكتشاف، كما برزت موهبته منذ الصغر في فن الرسم، واستمر عشقه لفن الرسم ما بين الخامسة، والثانية عشر من عمره، فوجد نفسه غارقًا في بحر من الألوان، كان سر محبته للجمال والألوان واللون الأخضر بالذات، أنه في منزلهم الدمشقي، كان لديهم أغلب أصناف المزروعات الشامية، من زنبق، وفل، وريحان، وياسمين، ونعناع، كما قال هو في مذكراته، وبقي مولع بحبه للرسم، حتى أن له ديوانًا اسماه الرسم بالكلمات. ومن ثم شُغف بالموسيقا، وتعلم على يد أستاذ خاص العزف والتلحين على آلة العود، لكن دراسته في المرحلة الثانوية جعلته يعزف عن تلك الهواية، ليبدأ بعد ذلك طريقه في فن الشعر، فأخذ يحفظ أشعار عمر بن أبي ربيعة، وجميل بثينة، وقيس ابن الملوح، متتلمذًا على يد الشاعر خليل مردم بك، وقد علّمه أصول النحو، والصرف، والبديع.

    ربطت نزار قباني بوالدته علاقة حب شديدة، وظن بعض المقربون منه أنه يعاني من عقدة أوديب التي يعشق فيها الابن أمه، حتى كانت أول صدمة في حياته حين توفيت والدته.

    كما عاش نزار قباني تجربة مريرة أخرى عندما انتحرت شقيقته بعد أن أجبرتها أسرتها على الزواج من رجل تكرهه وأشيع بعد انتحارها أن وفاتها كانت إثر نوبة قلبية إلا أن حقيقة الأمر اكتشفت فيما بعد، وتحدث نزار قباني عن هذه التجربة قائلًا: صور أختي وهي تموت من أجل الحب محفورة في لحمي. وأثرت تلك الصورة تأثيرًا كبيرًا في الشاعر وانعكست بصورة واضحة في قصائده.

    عام 1939م، كان نزار في رحلة مدرسية بحرية إلى روما، حين كتب أول أبياته الشعرية متغزًلًا بالأمواج والأسماك التي تسبح فيها وله من العمر حينها 16 عامَا، ويعتبر تاريخ 15 أغسطس عام 1939م تاريخًا لميلاد نزار قباني الشعري، المتميز والاستثنائي، لذلك سيظل شعره خالدًا لعدة عقود أخرى في قلوب محبي الأدب.

    حياة نزار قباني العلمية والعملية

    درس نزار قباني في مدرسة الكلية العلمية الوطنية ما بين عامي 1930 – 1941م، وكانت هذه المدرسة ذات نهج دراسي حديث، وكانت اللغة الفرنسية هي اللغة الثانية في هذه المدرسة، حيث كان المعلمون فيها فرنسيون قد جاءوا من فرنسا، مما جعل نزار يستقي علمه في أوائل حياته من مصادر الأدب الفرنسي، وبذلك استطاع نزار أن يتعرف على الثقافة الأوربية، وعلى فكرها الأدبي، والتحق نزار قباني بعد إكماله الدراسة الثانوية بكلية الحقوق في جامعة دمشق، وفي عام 1945م تخرج نزار قباني من كلية الحقوق، وفور تخرجه اتجه إلى العمل الدبلوماسي بعد التحاقه بوزارة الخارجية السورية، وتم تعيينه سفيرًا لسوريا في مصر التي كانت بداية مشواره الدبلوماسي، ثم عمل سفيرًا لسوريا في كلٍ من لندن، وأنقرة والصين، وأخيرًا إسبانيا حيث كانت آخر محطاته الدبلوماسية، إذ أعلن بعد عمله هناك لأربع سنوات اعتزاله السياسة، والتفرغ للشعر والأدب وذلك في عام 1966م.

    حياة نزار قباني الشخصية

    تزوج نزار قباني من قريبة له، وهي زهراء آقبيق، أم ابنه توفيق وابنته هدباء، وكانت تلك فترة انطلاقه نحو عالم الكفاح، وبداية شهرته، فكانت تنهمر عليه اتصالات ورسائل من المعجبات، وهذا ما لم تتحمله زوجته المحافظة، فحصل بينهما الطلاق بالتراضي.

    وفي عقد الخمسينيات ارتبط نزار قباني بعلاقة حب مع كوليت خوري، والتي وثّقت تفاصيل هذه العلاقة في روايتها الأولى (أيامًا معه).

    بعد وفاة نجل الشاعر نزار قباني (توفيق نزار قباني) إثر عملية القلب المفتوح وهو في سن الثامنة عشر من عمره، توقف نزار عن الكتابة لمدة ثلاث سنوات قبل أن يلتقي ببلقيس الراوي التي أحبها من النظرة الأولى، وهام بها، وتقدم إلى خِطبتها من أبيها، ولأن العرب لا يزوجون من تغزل في ابنتهم لم يوافق والدها، فعاد نزار حزينًا إلى إسبانيا حيث كان يعمل في السفارة السورية هناك.

    ظلت صورة بلقيس الراوي تداعب خياله ولا تغرب عن باله، لكنه ظل يتبادل معها الرسائل في غفلة من أبيها، وبعد سبع سنوات عاد إلى العراق ليشارك في المربد الشعري، وألقى قصيدة أثارت شجون الحضور، وعلموا أنه يحكي فيها قصة حب عميقة، فتعاطف معه الشعب العراقي بأكمله. نُقلت القصة إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، فتأثر بها، وبعث بوزير الشباب الشاعر شفيق الكمال، ووكيل وزير الخارجية، والشاعر شاذل طاقة ليخطبها إلى نزار قباني من أبيها، عندها وافق والدها وتزوجا عام 1969م، وأنجب منها طفلين عمر وزينب، وعاشا أجمل أيام حياتهما.

    بعد عشر سنوات من الزواج والترحال: قال فيها قصيدة غناها الفنان كاظم الساهر مطلعها: (اشهد ان لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنت، واحتملت حماقة عشر أعوام كما احتملت).

    عاشا حياة سعيدة يسودها الحب حتى أتى اليوم المشؤوم عام 1981م، الذي قُتلت فيه بلقيس إثر انفجار سيارة مفخخة استهدفت السفارة العراقية في بيروت، حيث كانت تعمل بلقيس، فكتب فيها قصيدة رثاء لم يكتب أطول منها في حياته، ولا أجمل منها في مسيرته الشعرية، قال فيها: (سأقول في التحقيق كيف أميرتي اغتصبت، وكيف تقاسموا فيروز عينيها، وخاتم عرسها).

    حُب نزار القباني لبلقيس، جعله أسير الوحدة ولم يتزوج بعدها قط، فلم يعد يرغب في البقاء في بيروت، وجال بين عواصم العالم، حيث استقر في لندن وعاش فيها آخر سنوات حياته.

    مسيرة الشاعر نزار قباني الأدبية

    • بدايات نزار قباني في الشعر كانت مبكرة، فكانت أولى أشعاره في سن المراهقة، وفي عام 1944م، أصدر نزار قباني أول ديوان شعر له، حمل اسم (قالت لي السمراء)، حيث قام بطبعه على نفقته الخاصة، وقد أثارت قصائد هذا الديوان جدلًا في الأوساط التعليمية في الجامعة، إلا أن هذه القصائد حظيت بموافقة وزير التربية والتعليم منير العجلاني، الذي كان من معارف والده، وساعده في كتابة مقدمة مجموعته الشعرية، فكان هذا الديوان نقطة انطلاقته في الشعر.
    • أصدر نزار في الفترة الممتدة بين عامي 1945- 1967م، والتي تزامنت مع عمله السياسي والدبلوماسي، العديد من الدواوين أشهرها، (طفولة نهد، والرسم بالكلمات، وحبيبتي).
    • كما أسس نزار قباني دار نشر خاصة به، وأطلق عليها اسم (منشورات نزار قباني)، والتي نشر من خلالها أشعاره وقصائده الكثيرة عددًا، والكبيرة أدبًا.
    • وفي السبعينيات أطلق نزار قباني عددًا من الدواوين كان أبرزها، (كتاب الحب، وإلى بيروت الأنثى، وكل عام وأنت حبيبتي).
    • أما في فترة الثمانينات، فقد نشر 12 ديوان، من أشهرهم، (قاموس العاشقين، وقصيدة بلقيس، ولا غالب إلا الحب).
    • أما العقد الأخير من حياته، أي فترة التسعينيات، فقد نشر نزار قباني أعمال كبيرة، كان أبرزها، (أبجدية الياسمين، وهل تسمعين صهيل أحزاني؟، وخمسون عامًا في مديح النساء).

    الجدل الذي أثارته قصائد نزار قباني

    أثارت قصائد نزار قباني الجدل ليس فقط في الوسط الأدبي، إنما الاجتماعي والسياسي أيضًا، فشعره كان له دورًا بارزًا في تحديث مواضيع الشعر العربي الحديث، مما جعل بعض المحافظين ورجال الدين أن يصفوا شعره بالشعر الفاضح، لأنه بالغ في وصف النساء في شعره، وأنه قد تجاوز أيضًا الأخلاق والقيم العربية والإسلامية، فاتهموه بالإلحاد نتيجة تجاوزه للعادات والتقاليد مطالبين بقتله، ولكن نزار لم يبالي لهذا النقد والاتهام، ووضع شعره في مواجهة أمام مجتمعه.

    كذلك مواقفه السياسية التي كانت سببًا في اختياره لندن ليكمل حياته فيها بعد وفاة بلقيس، ومن أشهر هذه المواقف قصيدة سماها، (هوامش على دفتر النكسة)، ألقاها بعد حرب نكسة حزيران التي كانت نقطة تحول في حياته عام 1967م، والتي حرم من بعدها من دخول مصر بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومنعت جميع أعماله من النشر والتداول، لكن دبلوماسية نزار استطاعت تهدئة الخلافات وارجاع المياه إلى مجاريها، فكتب نزار قباني رسالة للرئيس جمال عبد الناصر، جاء فيها: (لقد أودعت قصيدتي في خلاصة أملي، وتمزقي، وكشفت فيها عن مناطق الوجع في جسد الأمة العربية، لاقتناعي بأن ما انتهينا  إليه لا يعالج بالتواري والهروب، وإنما بالمواجهة الكاملة لعلومنا وسيئاتنا، وإذا كانت صرختي حادة وجارحة، فأنا اعترف سلفًا بأنها كذلك، لأن الصرخة تكون في حجم الطعنة، ولأن النزيف بمساحة الجرح، ولا أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزفه، والمجروح على جراحه، ويسمح باضطهاد شاعر عربي، يريد أن يكون شريفًا وشجاعًا).

    فعلًا عادت قصائد نزار قباني تتردد في الإذاعة والتلفاز المصري، وقال نزار قباني في ذلك: (كسرت الحاجز بين السلطة والأدب).

    الأحداث التي أثرت في حياة وشعر نزار قبّاني

    مرّ في حياة نزار قباني مآسي وأحزان عديدة، كان لها أثر عميق في نفسه، فانعكست على شعره، وقد ذكرها في كتاباته النثرية، وهي:

    • انتحار شقيقته بسبب رفض أهلها الزواج بمن تحب.
    • وفاة والدته التي كانت بالنسبة له مصدر الحنان والعطف، فعندما فقدها تولّد لديه شعور بالأسى والحرمان.
    • وفاة والده الذي كان يعتبره رمزًا من رموز الوطن، فموته زَرَع في نفس نزار الخوف من المستقبل.
    • وفاة زوجته بلقيس التي أحبها كثيرًا.
    • إحساسه الدائم بالغربة والحنين إلى الوطن.
    • أحداث بيروت وما حدث فيها من خراب ودمار.
    • وفاة ابنه البكر توفيق وهو في ريعان الشباب.
    • المرض الذي أصابه في قلبه، مما أدى إلى إحساسه بالقلق والخوف من الموت.
    • قضية فلسطين.
    • نكسة حزيران.

    سمات الشاعر نزار قبّاني

    كان نزار قباني شاعر متفاعل مع قضايا عصره، وكان يحمل على عاتقه هموم الشعب، وقد عبّر عن ذلك في قوله: (الشعوب وحدها هي التي تشغل بالي، وتستأثر باهتماماتي، وهي مرجعي العاطفي والشعري والتاريخي والثقافي).

    كانت تطابق أقواله أفعاله، فلا يكتب على الورق شيئًا وسلوكه في الحياة شيء آخر، وقد قال نزار في ذلك: (أنا لا أفهم كيف يمكن لشاعر أن يتحدث عن المثل العليا ولا يطبقه، وأن يتغنى بالجمال ونفسه مسكونة بالبشاعة).

    الأوسمة والجوائز التي حصل عليها الشاعر نزار قباني

    حصل نزار قباني على العديد من الجوائز والأوسمة العربية والعالمية تقديًرا لفنه الأسطوري، ومها نذكر ما يلي:

    • وسام الغار من النادي السوري الأمريكي في بلدية دمشق عام 1994م.
    • وسام الاستحقاق الثقافي الإسباني عام 1964م.
    • عضوية شرف في جمعية متخرجي الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1995م.
    • ميدالية التقدير الثقافي – الجمعية الطبية العربية الأمريكية عام 1994.
    • جائزة سلطان بن على العويس للإنجاز العلمي والثقافي في دبي عام 1994م.

    إنجازات نزار قباني الأدبية

    قصائد الشاعر نزار قباني:

    • أصبح عندي الآن بندقية.
    • رسالة عاجلة إليك.
    • رسالة من تحت الماء.
    • قارئة الفنجان.
    • ماذا أقول له.
    • متى ستعرف كم أهواك
    • أسألك الرحيل.
    • أيظن.
    • رسالة من امرأة.
    • وشاية.
    • لا تسألوني ما اسمه حبيبي.
    • بيروت ست الدنيا.
    • كلمات.
    • مع جريدة.
    • أحبك جدًا.
    • طوق الياسمين.
    • متى ستعرف كم أهواك.
    • جاءت تمشي باستحياء والخوف يطاردها.
    • إني خيّرتك فاختاري.
    • زيديني عشقًا.
    • مدرسة الحب.
    • إلا أنت.
    • قولي أحبك.
    • أكرهها.
    • أشهد ألا امرأة إلا أنت.
    • حافية القدمين.
    • تقولين الهوى.
    • الرسم بالكلمات.
    • كبري عقلك.
    • اجلس في المقهى.
    • الحب المستحيل.
    • يدك.
    • وإنّي أحبّك
    • مع بغدادية.
    • صباحك سكر.
    • حبيبتي والمطر.
    • حبيبتي.
    • تحركي خطوة.
    • ممنوعة أنت.
    • يوميات رجل مهزوم.
    • التحديات.
    • أتحبني.
    • أحبّيني بلا عقد.
    • إلى تلميذه.
    • بريد بيروت.
    • كل عام وأنت حبيبتي.
    • لو لم تكوني أنت في حياتي.
    • فاكهة الحب.
    • دلع النساء.
    • غرناطة.

    وبعض من أهم قصائده أيضًا:

    • كتاب الحب.
    • عيد العشاق.
    • رسالة حب صغيرة.
    • كُوني امرأَهْ.
    • زُر مرةً.
    • شؤون صغيرة.
    • قصة خلافاتنا.
    • تناقضات.
    • لجسمك عطرٌ خطير النوايا.
    • فاكهة الحب.
    • اغضب.
    • القصيدة الدمشقية.
    • من أين يأتي الفرح.
    • القرار.
    • يا قدس (من ينقذ الإنسان).
    • تلومني الدنيا.
    • العاشقين (أسئلة إلى الله).
    • رضي الله عن الشام (دمشق).
    • بغداد.
    • القرار.
    • عيناك.
    • لماذا.
    • الهرم الرابع، قالها الشاعر نزار قباني في رثاء جمال عبد الناصر.
    • أين أذهب.
    • إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار.

    قد يهمك أيضًا:

    دواوين الشاعر نزار قباني:

    • قالت لي السمراء. 1944
    • طفولة نهد. 1948
    • سامبا. 1949
    • أنت لي. 1950
    • قصائد. 1956
    • حبيبتي. 1969
    • الرسم بالكلمات. 1966
    • يوميات امرأة لا مبالية. 1968
    • قصائد متوحشة. 1970
    • كتاب الحب. 1970
    • مئة رسالة حب. 1970
    • أشعار خارجة عن القانون. 1972
    • أحبك أحبك والبقية تأتي. 1978
    • إلى بيروت الأنثى مع حبي. 1978
    • كل عام وأنت حبيبتي. 1978
    • أشهد أن لا امرأة إلا أنت. 1979
    • اليوميات السرية لبهية المصرية. 1979
    • هكذا أكتب تاريخ النساء. 1981
    • قاموس العاشقين. 1981
    • قصيدة بلقيس. 1982
    • الحب لا يقف على الضوء الأحمر 1985
    • أشعار مجنونة. 1985
    • قصائد مغضوب عليها. 1986
    • سيبقى الحب سيدي. 1987
    • ثلاثية أطفال الحجارة. 1988
    • الأوراق السرية لعاشق قرمطي. 1988
    • السيرة الذاتية لسياف عربي. 1988
    • تزوجتك أيتها الحرية. 1988
    • الكبريت في يدي ودولاتكم من ورق. 1989
    • لا غالب إلا الحب. 1989
    • هل تسمعين صهيل أحزاني؟ 1991
    • هوامش على دفتر النكسة. 1991
    • أنا رجل واحد وأنت قبيلة من النساء. 1992
    • خمسون عامًا في مديح النساء. 1994
    • تنويعات نزارية على مقام العشق. 1995
    • أبجدية الياسمين. 1998

    أعمال الشاعر نزار قباني النثرية:

    • قصتي مع الشعر (سيرة ذاتية).
    • من أوراقي المجهولة (سيرة ذاتية ثانية).
    • ما هو الشعر؟
    • الكلمات تعرف الغضب.
    • عن الشعر والجنس والثورة.
    • الشعر قنديل أخضر.
    • العصافير لا تطلب تأشيرة دخول.
    • لعبت بإتقان وها هي مفاتيحي.
    • المرأة في شعري وفي حياتي.
    • بيروت حرية لا تشيخ.
    • الكتابة عمل انقلابي.
    • شيء من النثر.

    أعمال نزار قباني المسرحية:

    مسرحية جمهورية جنونستان، لبنان سابقًا عام (1977).

    اقتباسات من أقوال نزار قباني

    • كفانا نفاق.. فما نفعه كلّ هذا العناق.. ونحن انتهينا وكلّ الحكايا التي قد حكينا نفاق.
    • كلّ الذي أعرف عن مشاعري أنك يا حبيبتي، حبيبتي وأنّ من يحبّ لا يفكّر.
    • كل المنافي لا تبدد وحشتي.. ما دام منفاي الكبير بداخلي.
    • كلماتنا في الحب تقتل حبنا.. إن الحروف تموت حين تقال.
    • لا يعرف الإنسان كيف يعيش في هذا الوطن.. لا يعرف الإنسان كيف يموت في هذا الوطن.
    • لم يدخل اليهود من حدودنا، وإنما، تسربوا كالنمل من عيوبنا.

    مقتطفات من قصائد نزار قباني

    قصيدة (يحدث أحيانًا أن أبكي):

    يحدث أحياناً أن أبكي مثل الأطفال بلا سببٍ، يحدث أن أسأم من عَينَيَ بلا سببٍ يحدث أن أتعب من كلماتي …

    قصيدة (شكرًا على الحزن الجميل):

    شُكراً لِكُلِّ دَقِيقَةٍ.. سَمَحت بِهَا عَينَاك فِي العُمرِ البَخِيل شُكراً لِسَاعَات التَّهَوِّرِ، وَالتَّحَدِّي، وَاقتِطَافِ المُستَحِيل.. شُكراً عَلى سَنَواتِ …

    قصيدة (متى يعلنون وفاة العرب):

    أنا منذ خمسينَ عامًا، أراقبُ حال العربْ.. وهم يرعدونَ، ولا يمُطرونْ… وهم يدخلون الحروب، ولا يخرجونْ… وهم يعلِكونَ جلود البلاغةِ عَلْكا ولا …

    قصيدة (مع جريدة):

    أَخرَجَ مِن مِعطَفِهِ الجَرِيدَة.. وَعُلبَةَ الثِّقَابِ وَدُونَ أَن يُلاحِظَ اِضِّطرَابِي.. وِدُونَمَا اِهتِمامٍ تَنَاوَلَ السُّكّر من أَمامِي.. ذَوَّبَ …

    قصيدة (أنا لا أحاول رد القضاء):

    أنا لا أحاول رد القضاء ورد القدر.. ولكنني أشعر الآن.. أن اقتلاعك من عصب القلب صعبٌ.. وإعدام حبك صعبٌ.. وعشقك …

    وفاة الشاعر نزار قباني

    ودع نزار القباني دمشق في زيارة أخيرة قبل أن توافيه المنية في لندن، في الثلاثين من نيسان عام 1998م، عن عمر ناهز 75 عامًا إثر سكتة قلبية، وعاد إلى دمشق مجددًا، لكن هذه المرة عبارة عن جثمان محمل بالطائرة، وأوصى نزار قباني قبل موته قائلًا: (دمشق الرحم التي علمتني الشعر وعلمتني الإبداع، وأهدتني أبجدية الياسمين.. وهكذا يعود الطائر إلى بيته والطفل إلى صدر أمه)، وفعلًا دُفن نزار قباني في سوريا، ليوارى الثرى في مقبرة باب الصغير في مسقط رأسه دمشق.

    وهكذا انتهت حياة الشاعر نزار قباني، وبقي شعره وإبداعه يعيشان في قلوب محبيه إلى الأبد.

    المصادر:

    قصائد نزار قباني – موقع  mypoeticside

    نزار قباني – موقع  wikipedia

  • حياة مصطفى كمال أتاتورك

    كان مصطفى كمال أتاتورك ما بين (1881-1938) ضابط في الجيش، حيث قام مصطفة بتأسس جمهورية تركيا المستقلة وذلك من أنقاض الإمبراطورية العثمانية، ومن ثم شغل منصب أول رئيس لتركيا من عام 1923 وحتى وفاته في عام 1938، حيث نفذ الكثير من الإصلاحات التي سرعان ما جعلت البلاد علمانية وغربية.

    تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك تقلص دور الإسلام في الحياة العامة بشكل كبير، حيث ظهرت القوانين التي على النمط الأوروبي، ومن ثم تم إلغاء مكتب السلطان وفرضت متطلبات جديدة للباس واللغة، لكن على الرغم من أن البلاد كانت ديمقراطية من الناحية الأسمية، إلا أن أتاتورك قام ببعض الأحيان بخنق المعارضة بيده الاستبدادية.

    مصطفى كمال أتاتورك في السنوات الأولى

    ولد مصطفى كمال أتاتورك حوالي عام 1881 بمدينة سالونيك اليوناينة التي كانت في ذلك الوقت جزء من الإمبراطورية العثمانية، كانت عائلة مصطفى من الطبقة الوسطى وتتحدث التركية وديانتها الإسلام.

    التحق مصطفى كمال أتاتورك وهو طالب جيد بسلسلة من المدارس العسكرية، منها الكلية الحربية بإسطنبول، بعد ذلك المتمركزة بسوريا وفي فلسطين لعدة سنوات، وفي عامي 1911 و1912 قاتل مصطفى كمال أتاتورك الذي يشرب الخمر ضد الإيطاليين في ليبيا.

    هل كنت تعلم؟

    كان للزعيم التركي المعروف باسم أتاتورك عيون زرقاء وشعر أشقر اللون، وعلى الرغم من ادعائه أنه ينحدر من البدو الرحل الترك، ولكن يعتقد بعض المؤرخين أنه كان على الأقل جزئيا من أصول البلقان.

    خلال الحرب العالمية الأولى ما بين (1914-1918) تحالفت الإمبراطورية العثمانية مع ألمانيا، النمسا، المجر، ومع حلول هذا الوقت كانت الإمبراطورية القديمة قد فقدت كل أراضيها بشكل تقريبي في كل من أوروبا وأفريقيا، وعلاوة على ذلك فإن ما يسمى بثورة تركيا الفتاة التي جرت بعام 1908 قد ادت إلى تجريد السلطان من السلطات الاستبدادية وبشر ببدء عهد الحكومة البرلمانية.

     في عام 1915، قام مصطفى كمال بتميز نفسه طوال حملة شبه جزيرة جاليبولي التي استمرت لمدة عام تقريبا، حيث ساعد فيها بشكل كبير على منع قوة كبيرة من القوات البريطانية والقوات الفرنسية من الاستيلاء والسيطرة على مدينة إسطنبول، ولكن سرعان ما تمت ترقيته من رتبة عقيد إلى عميد وأرسل بعدها للقتال بشرق تركيا، سوريا، فلسطين، وخلال هذا الوقت قتل ما يقارب 1.5 مليون أرمني وطرد آخرون خلال هذه الحرب وبعدها، ولكن مصطفى كمال أتاتورك لم يتم ربطه بارتكاب هذه الإبادة الجماعية ضد الأرمن.

    مصطفى كمال أتاتورك يتولى السلطة

    بموجب معاهدة السلام العقابية التي تمت بعد الحرب حيث تم توقيعها بشهر أغسطس 1920، جردت قوات الحلفاء كل المقاطعات العربية من الإمبراطورية العثمانية، وكما قدمت لأرمينيا المستقلة وكردستان المتمتعة بالحكم الذاتي، وكما جعلت الإغريق مسؤولين عن منطقة تحيط بسميرنا وهي الأن تعرف بمدينة أزمير وأكدت الاقتصاد.

    بعد السيطرة على ما تبقى من البلاد الصغيرة كان مصطفى كمال قد نظم بالفعل حركة الاستقلال والتي كان مقرها في مدينة أنقرة، وكان الهدف الرئيسي إنهاء الاحتلال الأجنبي للمناطق الناطقة باللغة التركية ومنعها من التقسيم.

    قامت حكومة السلطان في إسطنبول بالحكم على مصطفى كمال أتاتورك بالإعدام بشكل غيابي، ولكنها فشلت في منعه من القيام بحشد الدعم العسكري والشعبي أيضا، وذلك من خلال المساعدة بالمال والأسلحة من دولة روسيا السوفيتي، استطاع هو وقواته من سحق الأرمن في الشرق وكما أجبر الفرنسيين والإيطاليين على الانسحاب من الجنوب، ومن ثم قام بتحول انتباهه لليونانيين الذين كانوا سبب في بدمار السكان الأتراك خلال مسيرتهم إلى مسافة 50 ميلا من مدينة أنقرة.

    في شهر أغسطس وشهر سبتمبر بعام 1921 ترأس مصطفى كمال على رأس الجيش، حيث قام الأتراك بإيقاف تقدم اليونان في معركة سكاريا، وفي شهر أغسطس التالي شن هجوم كسر فيه الخطوط اليونانية وأرسلهم لانسحاب واسع وكبير النطاق وذلك على طول طريق العودة إلى سميرنا على البحر الأبيض المتوسط. ولكن سرعان ما اندلع حريق في سميرنا الذي أدى إلى جانب نهب واستغراب الجنود الأتراك إلى مقتل الألاف من السكان اليونانيين والأرمنين، ومن ثم تم إجبار ما يقارب من 200000 يوناني وأرمني إضافي على إخلاء سفن الحلفاء الحربية المجاورة ولم يعدوا أبدًا.

    بعد ذلك قام مصطفى كمال بالتهديد بمهاجمة اسطنبول التي كانت تحتلها كل من ريطانيا وقوى الحلفاء الأخرى بذلك الوقت، ولكن وبدلا من القتال وافق البريطانيون على التفاوض بشأن معاهدة سلام جديدة وأرسلوا دعوات إلى كل من حكومة السلطان في اسطنبول وحكومة مصطفى كمال أتاتورك في أنقرة، ولكن قبل بدء مؤتمر السلام أقرت الجمعية الوطنية الكبرى بأنقرة قرار يعلن أن حكم السلطان قد انتهىبشكل فعلي.

    خاف السلطان على حياته وبذلك كان قد فر آخر سلطان عثماني من قصره باستخدام سيارة إسعاف بريطانية، ومن ثم تم التوقيع على معاهدة سلام جديدة بشهر يوليو 1923 وفيها تم الاعتراف بالدولة التركية المستقلة، وفي شهر أكتوبر من نفس العام  أعلنت الجمعية الوطنية الكبرى قيام جمهورية تركيا وتم انتخاب مصطفى كمال أتاتورك كأول رئيس لها.

    مصطفى كمال أتاتورك رئيسا

    قبل أن يصبح مصطفى رئيسا وافقت اليونان على إرسال ما يقارب 380 ألف مسلم إلى تركيا مقابل أكثر من مليون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، وفي غضون ذلك وفي عهد مصطفى كمال استمرت الهجرة القصرية للأرمن، وعلى الرغم من أن تركيا أصبحت الآن مسلمة بشكل شبه متجانس إلا أن مصطفى كمال خلع الخليفة، كما أغلق جميع المحاكم والمدارس الدينية، وقام بحظر ارتداء الحجاب بين موظفي القطاع العام، وألغى وزارة القانون الكنسي والمؤسسات المتدينة، ورفع الحظر على الكحول، كما قام باعتماد التقويم الغريغوري بدلاً من التقويم الإسلامي،  وجعل يوم الأحد يوما للراحة بدلا من يوم الجمعة، وتم تغيير الأبجدية التركية من الحروف العربية إلى الحروف الرومانية، وقام بفرض أن يكون الأذان باللغة التركية بدلا من العربية، كما قام بمنع ارتداء قبعات الطربوش.

    تبنت حكومة مصطفى كمال أتاتورك التصنيع وتبنت قوانين جديدة تستند فيها للنماذج الأوروبية، حيث قال للجمهور في شهر أكتوبر 1926: “العالم المتحضر أمامنا بفارق كبير جدا، وليس لدينا خيار سوى اللحاق بالركب”.

    بعد مرور ثماني سنوات طلب من جميع الأتراك اختيار لقب وقامت الجمعية الوطنية التركية الكبرى بمنح كمال لقب أتاتورك (أي الأب الترك)، ومع حلول ذلك الوقت كانت حكومة أتاتورك قد انضمت إلى عصبة الأمم، وقامت بتحسين معدلات معرفة القراءة والكتابة، وقامت بمنح المرأة حق التصويت، وفرض حكم الحزب الواحد، وأغلق صحف المعارضة، وقمع المنظمات العمالية اليسارية، وقام بتقليل من محاولات الحكم الذاتي الكردي.

    تركيا ما بعد مصطفى كمال أتاتورك

    في حلول 10 من شهر نوفمبر 1938، توفي أتاتورك الذي لم ينجب أطفال بغرفة نومه في قصر دولما بهجة في مدينة إسطنبول، حل محله عصمت إينونو الذي كان رئيس الوزراء خلال معظم فترة حكم مصطفة كمال أتاتورك، وواصل سياساته في العلمنة والتغريب، وعلى الرغم من أن مصطفى أتاتورك يحتفظ بمكانة رمزية في تركيا حتى هذا اليوم، فإن إهانة ذكراه يعتبر جريمة، كما عاد الإسلام وظهر  مرة أخرى في السنوات الأخيرة كقوة سياسية واجتماعية.