حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

كل الناس تُحب أن تكون أفضل، وتجدهم يبحثون بِنَهَم عن أي سبيل للنجاح ولبلوغ أهدافهم، ولكنهم للأسف في الغالب يسلكون أقصر وأسهل الطرق، وللأسف أوضح وأشهر تلك الطرق هي ما يسمى قوة العقل الباطن والذي سوف نناقشه في مقالتنا التي بين أيديكم.

وأول من تحدث عن مفهوم قوة العقل الباطن كان فرويد رائد التحليل النفسي والحقيقة أن أغلب ما قاله لم يكن علميًا ولا مُقننًا بل كان محض تجارب طويلة ومستمرة على حالات مرضية كانت لديه في عيادته، لذلك كيف لنا أن نستنتج قانونًا لنجاح الأصحاء هو في الأصل كان علاجًا للمرضى.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

ما معنى مصطلح قوة العقل الباطن

اتفق المتخصصون في الصحة النفسية على تعريف العقل الباطن على أنه المكان الذي تختبئ فيه مجموعة من الخبرات المؤلمة بفعل الكبت أو الصدمة أو الحدث العنيف ولكنها تظهر بين الحين والآخر في صورة أحلام أو فلتات لسان أو حيل دفاعية أو أمراض نفسية.

والبعض للأسف يخلط بين العقل الباطن واللاوعي واللاشعور، وتلك المصطلحات متقاربة جدًا ومتشابهة إلى حدٍ كبير ولكنها مختلفة، فاللاشعور هو المكان الذي تُكبت فيه الغرائز إذا لم يتوفر لها السبيل للإشباع مثلًا حين يتأخر سن الزواج فيحدث ذلك الكبت للغريزة الجنسية.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

أما اللاوعي فهو له علاقة بالأحداث الخارجية والبعض منها يركز مع كل ما يمر به من أحداث والبعض الآخر يتعامل مع الأمور ببساطة فيسمع كلمة ولا يركز مع الباقي تحديدًا لو كان هذا الكلام لا يهمه هنا استخدم هذا الشخص اللاوعي في استماعه.

أما العقل الباطن فهو خاص بالمكبوتات المؤلمة والتي كانت نتاجًا لأحداث فوق طاقة الإنسان مثلًا وفاة صديق أو قريب أو تعرض شخص للضرب من أبيه أمام الناس هنا نقول أنه تم تخزين تلك الخبرات داخل العقل الباطن.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

أما مصطلح قوة العقل الباطن فعليه علامات استفهام، فمثلًا كيف يكون العقل الباطن قويًا، فمثلًا لو كانت تلك الأفكار والمكبوتات الموجودة فيه قوية جدًا ولكنها سلبية للغاية فهل ينطبق عليه مصطلح قوة العقل الباطن رغم سلبية محتواه، أما أنه لا بد وأن نقول عقل باطن قوي وإيجابي.

ما مصير تلك المكبوتات الموجودة في العقل الباطن

تلك المكبوتات لا تظل حبيسة العقل الباطن ولكنها تخرج لدى من لا يتحملونها في عدة صور منها فلتات اللسان، على سبيل المثال تلك المرأة التي تكره زوجها ولا تحبه وتحمل له ضغائن تجدها تخطئ في قراءتها لأسماء المتوفون في صفحة الوفيات وتنطق اسم زوجها بينهم دون أن ترتب لذلك.

وقد تظهر المكبوتات في صورة حيل دفاعية مثل “التعويض”، على سبيل المثال شخص لديه مكبوتات تجاه شخص لأنه أعلى منه في الدرجة العلمية فتجده يعوض ذلك بالعمل الجاد في صنعته كي يجمع المال لكي يعوض تدني مستواه العلمي، وهذا بفعل الكبت.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

وإذا استمر الشخص في كبت المواقف التي يصعب عليه أن يتحملها وإذا لم يتعلم طريقة للرد أو لردع تلك المواقف المؤلمة فقد يصل لمرحلة صعبة وهي المرض النفسي والذي ينتج عن استمرار الكبت كما قالت مدرسة التحليل النفسي، تلك الأمراض تتخذ عدة صور منها القلق والفصام والوسواس القهري.

ما الذي دفعني إلى الحديث عن قوة العقل الباطن

هو في الأساس طريقة لعلاج المرضى

في الأساس موضوع العقل الباطن هو نتاج مجموعة من الأبحاث الكلينيكية على بعض الحالات المريضة سواء بالقلق أو بالكبت أو التوتر أو الاكتئاب أو الفصام، ساعتها قال المتخصصون أن تلك الأمراض منشأها بعض الأفكار والمكبوتات الموجودة في العقل الباطن ولهم كل الحق.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

ولكن ظهرت المشكلة عندما أخذ بعض المختصون تلك الأفكار الخاصة بقوة العقل الباطن ونقلوها لعالم الأصحاء، وبدأوا يقنعونا أن تلك الأفكار والتأكيدات اللغوية قد تعين الصحيح البدن والنفس أن ينجح في حياته ويحقق كل ما يتمنى من طموحات وفي هذا مغالطة علمية كبيرة جدًا.

لم أشهد أحدًا تغير بسبب دورات قوة العقل الباطن

في الحقيقة أن تلك الطرق القائمة على العمل على تقوية العقل الباطن لو ثبت أنها ذات جدوى لوجدناها منتشرة في كل العيادات النفسية والطبية والعضوية ولعمل بها المدرسون في المدارس، لكنها للأسف محض وهم ومجموعة من الأفكار الساذجة للغاية والتي يُكسِبها التسويق بريقًا يجعلها لا تُرَد.

هو فقط طريق وهمي وسهل للنجاح

بالإضافة للتسويق والإبهار المتعمد لفكرة قوة العقل الباطن وما لها من تأثير خرافي في حل المشكلات والسعي للنجاح فإنه هناك عامل آخر هام جدًا وهو أن فكرة قوة العقل الباطن سهلة جدًا ولا تحتاج لمجهود يُذكر، فقط بعض التأملات وبعض التأكيدات اللغوية التي بها قد تُصبح ناجحًا بين ليلة وضحاها.

البعض جعل من قوة العقل الباطن مصدرًا لتحقيق الدخل

كثير من المدربين في عصرنا الحالي يسوقون لفكرة أنه طالما أنك تعمل جيدًا على تعزيز عقلك الباطن بشكل إيجابي فبالتأكيد ستنجح وتنال مرادك، لذلك تجدهم يروجون لدروات تدريبية من قِبَل التأمل وقانون الجذب وعقلية الثراء، والكثير من البرامج التي ثبت فشلها بشكل واضح، هم فقط يسعون لجمع المال.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

خرافات حول قوة العقل الباطن والتي انتشرت بيننا

وهم التأكيدات اللغوية

وقديمًا في أحد أفلام عبد المنعم مدبولي والذي كان يقوم بدور طبيب نفسي آن ذك، دخل عليه أحد المرضى النفسيين يشكو من قصر قامته، وفاجأه عبد المنعم مدبولي وقال له قل باستمرار “أنا مش قصير قزعة أنا طويل وأهبل” ونسيت أن أقول لكم أن ذلك الفيلم كان كوميدي التصنيف.

أصحاب قوة العقل الباطن والمروجون لفعالية العقل الباطن يروجون لمثل هذه السخافات ويسمونها التأكيدات اللغوية، وهم يعتقدون أن تلك التأكيدات تعين الفرد منا على تحقيق أهدافه مهما كانت صعبة وللأسف البعض يصدق هذا، والحقيقة أن النجاح أمر يحتاج لبذل مجهود ووقت وتفكير مستمر.

وهم قانون الجذب

أصحاب فكرة قوة العقل الباطن يتعاملون للأسف مع العقل البشري على أنه مجرد جهاز كمبيوتر أو آلة محدودة القدرات، فهم يقولون وفق قانون الجذب أنه لو فكرت في النجاح ستنجح ولو فكرت في الفشل ستفشل، وهذا كلام يبدوا حقيقيًا لكنه أيضًا يُسفه من دور بذل المجهود والتعب كي تصل لهدفك.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

وهم التغيير من خلال المظهر

للأسف يستخدمون في الترويج لتلك الفكرة بعض الأحاديث الشريفة والتي بعد أن بحثت عن صحتها وجدت أنها إما ضعيفة أو موضوعة ومنها، “تفاءلوا بالخير تجدوه” فمثلًا لو أردت أن تكون قويًا فلترسم على مظهرك مظهر القوة ولتتصنع في ألفاظك ومظهرك القوة والشجاعة، وهذا بالطبع من الخرافات ولا يُغير شيء.

وهم خطورة قول كلمة لا

المؤمنون بقوة العقل الباطن يقولون أنك ليس عليك أن تقول كلمة لا في حياتك ولا حتى على سبيل المُزاح أو الرفض لشيء معين لأن العقل الباطن يترجم تلك الكلمة على أنها مانع للنجاح أو للوصول لهدفك، وبالطبع هذا من الهراء والتصنع وكما قلنا النجاح أكبر من كل تلك الخرافات.

خلاصة موضوع قوة العقل الباطن

ما بينك وبين النجاح ليس العقل الباطن ولا الأحلام الواهية ولا تكرارك لبعض الجمل البائسة والتي تفوح منها رائحة قلة الحيلة والضعف، ولكن الحقيقة أن نجاحك لن يحدث إلا بحبات العرق التي ستنسدل من جبينك من فرض الجهد والتفكير في الوصول لهدفك.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

وأنا بعد دراسة موضوع قوة العقل الباطن وجدت أنه موضوع غير واضح وغامض رغم وجود مئات الأبحاث في هذا المجال، لأن العقبة الأهم في العقل الباطن هو صعوبة قياس تلك الأفكار المكبوتة فيه، لذلك أعتقد أننا لا بد وأن نُركز على العقل الظاهر فهو الأولى وهو بالفعل المسؤول عن مصيرنا.

وأنصحك أن تفكر أكثر وأن تبدأ وأن تكف عن التفكير في هدفك وفي تحقيقه، وأن تخطوا خطواتك الأولى في سبيل أن تراه أمام عينك مُحققًا، كما أنصحك بتلك النصائح كي تنعم بعقل باطن سوي غير ممتلئ بالمكبوتات.

فَرِغ انفعالاتك دومًا

الأطباء النفسيين توصلوا إلى أننا لو مررنا ببعض الانفعالات أو المواقف القمعية ففي الغالب نكبت داخلنا انفعالات سلبية وتلك الانفعالات بالطبع ستؤثر علينا بعد ذلك، لذلك عليك أن تُفرغ كل ما بداخلك ولا تترك موقف لك فيه كلمة إلا وتقولها بإيجاز لكي توصل رسالة لنفسك أنك تستطيع الرد.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

وقد تستعين مثلًا بكتابة الشعر أو ممارسة هوايتك أيًا المفضلة، وقد تمارس الرياضة وتحديدًا رياضة المشي والتي أيضًا تُساهم في التفريغ الانفعالي، ولي صديق مُقرب يكتب مقالة قبل أن ينام يوميًا لكي يُفرِّغ ما بداخل رأسه كي ينعم بنوم هادئ.

لا تختزن مشاعر بداخلك ضد أحد مهما حدث

لا تحمل بداخلك سخائم وأفكار وغِل تجاه شخص بعينه بمعنى أنك لا ينبغي أن تشخصن الأمور تجاه ناس عينها، ولكن عليك أن تدعوا كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم “اللهم اسلل سخيمة صدري واسلل سخيمة قلبي”، لأن حياتنا وعقلنا الباطن يختزن هذا ويعطل نجاحاتنا بسبب تلك الأفكار.

اصنع سجلًا لنجاحاتك

مهما كانت نجاحاتك بسيطة جدًا عليك أن تُسجلها، تسجيلك لتلك النجاحات سيملئك بالطاقة الإيجابية وسيجعل عقلك الباطن والظاهر “الواعي” مترقبًا لتلك اللحظة التي ستمسك بها قلمك وستكتب نجاحاتك في سجلك، ولكن مهم جدًا أن تحتفظ بسجلك هذا بعيدًا عن الحاقدين والمتنمرين ويفضل أن تجعله سجلًا سريًا.

حقيقة قوة العقل الباطن وعلاقته بالنجاح والفشل

راقب أفكارك بدلًا من مراقبة عقلك الباطن

ليس عليك أن تغوص في عقلك الباطن لكي تعلم ما يساعدك على النجاح ولكن يمكنك أن تستكفي فقط بمراقبة أفكاره التي تحيا بها دومًا، على سبيل المثال لو أنك لديك اعتقاد راسخ لديك أن النجاح يحتاج لمال وفير، فهذه فكرة خاطئة جدًا وستعطلك كثيرًا عن النجاح.

لأنك لن تصل للنجاح طالما أنك ليس لديك مال، لذلك قد تستبدلها بفكرة أخرى وهي “أن كل العصاميين على مستوى العالم بدئوا من الصفر” وحققوا تلك النجاحات بالصبر والجهد المتواصل حتى حققوا المال الذي أعانهم على تأسيس شركاتهم الخاصة.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله