فضائل سورة الكهف … نور يُضيء الدروب المظلمة وسكينة للقلوب المؤمنة

من فضائل سورة الكهف وقراءتها سواء في يوم الجمعة بشكل مخصص أو في أي يوم آخر نهارًا أو ليلًا أنها نور يضيء للقارئ الدروب المظلمة للجمعة التي تليها، وكأنها تحمل بين آياتها وحروفها طريقًا أبيضًا وحصنًا من المعاصي والآثام التي يمكن أن تعترض أيامه وهديٌ يبتغي فيه وجه الله سبحانه وتعالى. لنتعرف على فضائل سورة الكهف التي يُمكن أن نأخذها من قراءة هذه السورة العظيمة.

سورة الكهف

سورة الكهف

سورة الكهف مكِّيّة بالاتِّفاق بين العلماء (أي نزلت في مكة المكرمة)، وعدد آياتها (110) آيات، وسبب تسميتها بسورة الكهف أنها تشتمل في آياتها على قصة أهل الكهف بتفاصيلها، إضافة لعدد من القصص الأخرى التي فيها عبر وحكم موجهة من الله عزّ وجلّ لعباده على لسان حبيبه محمد ﷺ.

فقد نزلت سورة الكهف على سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) كدليل من الله سبحانه وتعالى على صدق نبوة الرسول ﷺ في وقت كان يُعاني فيه أشد أنواع القهر والظلم من قريش وهذا يشبه ما عاناه أهل الكهف من ظلم وقهر من قومهم.

ومن أسباب نزول هذه السورة أن أهل قريش أرسلوا للرسول ﷺ رجلين من اليهود ليسألوه عدة أسئلة ليتأكدوا من صدق نبوته ورسالته (وقد تضمنت ثلاثة أسئلة وهي سؤالهم عن الفتية الذين ذهبوا في الزمان الأول وما كان من أمرهم، وعن الرجل الذي يطوف الأرض من مشرقها لمغربها وما قصته، والسؤال عن الروح وما هي؟)، فأنزل الله سبحانه وتعالى سورة الكهف جوابًا عن كل سؤال يمكن أن يطرحوه تثبيتًا لدعوة سيدنا محمد ﷺ وتصديقًا لنبوته.

وقد تضمنت سورة الكهف عدة قصص هي عبر وحكم من الله سبحانه وتعالى وبيان لعقيدة المسلم من الإيمان باليوم الآخر وما فيه من عقاب وثواب، والحكمة من حصول الأحداث خيرها وشرها من خلال قصص أصحاب الكهف مع قومهم، وقصة موسى (عليه السلام) مع الخضر (عليه السلام)، وقصة صاحب الجنتين، وقصة آدم وإبليس، وقصة ذي القرنين.

فضائل سورة الكهف

إن قراءة القرآن فيه خير وبركة فهو الرباط بين العبد وربه، ففيه طمأنينة للنفس، وأجر عظيم، ونجاة العبد من كربات وفتن الدنيا، وأهوال يوم القيامة لما تحتويه السور في آياتها من معان كثيرة، من بين هذه السور سورة الكهف التي تشتمل على فضائل كثيرة، وأما فضائل سورة الكهف فهي:

1 – سورة الكهف هي السكينة والهدوء للنفس والروح

روى الإمام مسلم: “قرأ رجلٌ الكهف، وفي الدَّار دابَّة فجَعَلت تنْفِر، فنظَر فإذا ضبابةٌ، أو سحابة قد غشِيَتْهُ، قال: فذكر ذلك للنبيّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، فقال: اقْرأْ فُلان، فإنَّها السَّكينةُ تَنَزَّلَتْ عند القرآن، أَو تَنَزَّلَتْ للْقرآن) الراوي: البراء بن عازب، والمحدث: البخاري والمصدر: صحيح البخاري وخلاصة حكم المحدث: (صحيح).

عند قراءة سورة الكهف يستشعر المسلم الحكمة من القصص التي وردت في السورة والسكينة والهدوء بكل حرف من حروفها، وقد روى أسيد بن الفضيل أنه كان بعد العشاء من يوم الجمعة يقرأ سورة الكهف فرأى فرسه تُحَمْحِمْ (تصدر صوتًا دون العالي وتصهل صهيلًا خافتًا وكأنها تشكو ألمًا) وتتحرك تكاد تقطع الحبل التي ربطت به، وكان لديه ولد صغير يحبو فخاف على أن يؤدي هيجان وحركة الفرس إلى إيذاء الطفل، وتعجب من تصرف الفرس على هذا النحو، ونظر إلى السماء فرأى قناديل مُضاءة تنزل من السماء فارتبك وخاف فبدأت القناديل تصعد للسماء حتى اختفت، فراح إلى المسجد لصلاة الصبح حيث كان الرسول (عليه الصلاة والسلام) وحدّثه بما حدث معه ليلة أمس، فقال له الرسول ﷺ: اقرأ أُسيد؟ رتّل أسيد؟ فاستغرب أسيد منه ذلك فقال له (عليه الصلاة والسلام): يا أسيد هذه السكينة من عند الله تنزلت بقراءة سورة الكهف، ولو بقيت تقرأ لرآها كل أهل المدينة.

2 – قراءة سورة الكهف نورٌ ينير الطريق وهداية للقارئ

من معانيها وما جاء فيها من قصص وآيات فيها عبر وحكم تعطي للمسلم النور الذي يفتح له الباب نحو العمل الصحيح والبعد عن المعاصي والآثام، وتعرّفه طريق الصواب، وخاصة عند قراءتها بتدبر وخشوع مراعيًا لأحكام التلاوة، فإن أجره سيأخذه يوم القيامة بنور يُضيء له، عن أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه) أنّ النبيّ ﷺ -قال: “من قرأَ سورة الكهف يوم الجمُعة سطع له نورٌ من تحت قدمه إلى عنان السماء يُضيءُ به يوم القيامة، وغُفرَ له ما بين الجمُعتين” المحدث: شعيب الأرناؤوط المصدر: تخريج زاد المعاد وخلاصة حكم المحدث: صحيح.

3 – سورة الكهف تغفر الذنوب والمعاصي بين الجمعتين

من المستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة فهي كفارة للذنوب التي يمكن أن يرتكبها المرء مهما كانت صغيرة فهو بحاجة لغفران الله ليمحوها ويلقى ربه نقيًا طاهرًا من كل ذنب، ولذلك على المرء أن يقرأها كل جمعة لتمحو الأخطاء والذنوب بين الجمعتين قال صلى الله عليه وسلم: ” من قرأَ سورة الكهف يوم الجمُعة سطع له نورٌ من تحت قدمه إلى عنان السماء يُضيءُ به يوم القيامة، وغُفرَ له ما بين الجمُعتين”.

4 – سورة الكهف حماية وعصمة للمسلم من فتنة المسيح الدجال

فقد ورد عن رسول الله ﷺ في حديث أبي الدرداء (رضي الله عنه) أنه قال: “من حَفِظ عشر آيات من أوَّل سورة الكهف عُصِمَ من الدَّجَّال” المحدث: مسلم المصدر: صحيح مسلم خلاصة حكم المحدث: [صحيح].

ففي آخر أيام الدنيا وقبل يوم القيامة يخرج المسيح الدجال (وهو من علامات يوم القيامة الكبرى) ويَدَّعي الأُلوهيَّة ليحرض الناس على الكفر بما أعطاه الله سبحانه وتعالى من معجزات تأخذ بعقول الناس فيتبعوه ظنًا منهم أن بيديه الجنّة والنّار، إلا أن جنته نار وناره جنّة، وإن حفظ الآيات العشر الأولى من سورة الكهف وقراءتها في وجه الدجال تعصم المؤمن من فتنته وتحميه من الشرك بالله سبحانه وتعالى في تلك الأيام. وقيل أيضًا أنها آخر عشر آيات من سورة الكهف بدليل حديث أبي الدرداء (رضي الله عنه)، عن النبي ﷺ أنه قال: “من قرأ عشْر آياتٍ من آخر الكهفِ عُصِم من الدَّجَّال” المحدث: ابن حبان وأخرجه في صحيحه.

وعن النَّوَّاس بن سِمْعان (رضي الله عنه) قال: “ذكر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الدجَّال ذات غداة…”، وفيه أنَّ رسول الله ﷺ قال: “فمن أدْركه منكم، فليَقْرأْ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جِوارُكم من فتنتِه (أي الدَّجَّالَ)، المحدث: الألباني المصدر: صحيح أبي داود، وخلاصة حكم المحدث: سنده صحيح.

5 – سورة الكهف نورُ يُضيء من الجمعة إلى الجمعة التالية

استحباب قراءتها في يوم الجمعة وما في هذا اليوم من مكانة عظيمة في قلوب المسلمين فهي عيد المسلمين الذي اختصه سبحانه وتعالى لأمة سيدنا محمد ﷺ عن غيرها من الأمم الأخرى، وهي من خير الأيام، وقد بيّن لنا الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك في حديثه الذي رواه أبي هريرة (رضي الله عنه) حيث قال عليه الصلاة والسلام: “خير يومٍ طلعتْ عليه الشَّمْسُ يوم الجمُعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدْخِلَ الجنَّة، وفيه أُخْرِجَ منها، ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يوم الجُمُعَةِ”، المحدث: الألباني المصدر: صحيح الترمذي حكم المحدث: صحيح.

إن النور الذي يقذفه سبحانه وتعالى من قراءة سورة الكهف إنما يكون في قلب القارئ أو في بصيرته، أو في بصره، وفي جميع أحواله، وأن هذا النور يصعد إلى السماء مع أعماله فتراه الملائكة ويكون علامة للملائكة بقبول عمله ويدفع عنه الشيطان وأتباعه، وقد يؤخر الله هذا النور ليوم القيامة ليسطع أمامه في اليوم العظيم، ويبقى هذا النور ساطعًا طوال الأسبوع من الجمعة إلى الجمعة التالية.

6 – بيان قصص القرون الماضية وما فيها من حكم ومواعظ

إن من فضائل سورة الكهف أنها أتت بقصص من القرون الماضية وما فيها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليتعلم المسلم دروسًا من كتاب الله حول عقيدته ودينه والتمسك بكل ما يقوده للنجاة والفوز بالجنّة والخلاص من النّار، فكانت قصة أصحاب الكهف الذين اعتزلوا قومهم خوفًا على دينهم وهربوا إلى الكهف الذي آواهم وحماهم من بطش الكافرين.

وكانت قصة ذي القرنين وما غيّره من فساد من قوم يأجوج ومأجوج ببناء السد قال تعالى في سورة الكهف: {قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوۡفَ نُعَذِّبُهُۥ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِۦ فَيُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا نُّكۡرٗا (87) وَأَمَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُۥ جَزَآءً ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَسَنَقُولُ لَهُۥ مِنۡ أَمۡرِنَا يُسۡرٗا} (88).

وقصة أصحاب الجنتين وضرورة تذكر نعم الله علينا وأنه خلقنا لنعبده ونقر بقدرته وقوته بقوله تعالى: {وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا (36) قَالَ لَهُۥ صَاحِبُهُۥ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَكَفَرۡتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلٗا}. وضرورة شكر الله عزّ وجلّ على نعمه التي لا تعد ولا تُحصى: {وَلَوۡلَآ إِذۡ دَخَلۡتَ جَنَّتَكَ قُلۡتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالٗا وَوَلَدٗا} (39).

فهذه القصص هي مفاتيح للمؤمن وأمان من الفتن، ولربط العبد بربه سبحانه وتعالى والتقرب منه في زماننا كما كان في العصور القديمة.

7 – فضائل سورة الكهف في الابتعاد عن الشيطان وأعماله

ومن فضائل سورة الكهف تعليمنا ألا نتبع الشيطان وأتباعه الذي يُضلنا ويقودنا لطريق الهلاك قال تعالى في سورة الكهف: {وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢ بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا} (50)

فضائل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة

كما أشرنا في الفقرات السابقة أنه من المستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة فما هي العبرة في ذلك وما هي فضائل سورة الكهف في يوم الجمعة؟

استحَبَّ جمهور الفقهاء: الحَنَفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، قراءةَ سورةِ الكهفِ يومَ الجُمُعة واختاره أيضًا ابن الحاج من المالِكيَّة، وابنُ باز، وابنُ عثيمين.

حدثنا أبي سعيد الخُدريّ (رضي الله عنه) أنّ النبيّ ﷺ قال: “من قرأَ سورةَ الكهفِ كما أُنْزِلَتْ كانتْ له نورًا يوم القيامة، من مقامه إلى مكة، ومن قرأَ عشرَ آياتٍ من آخرها ثُمَّ خرجَ الدَّجَّال لمْ يَضُرَّهُ”، من الحديث يمكن أن نبين فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة:

  • أنها نورٌ يُضيء لمن يقرؤها في يوم القيامة.
  • كما أنها نور للقارئ بين الجمعتين.
  • تحمي القارئ من فتنة المسيح الدجال.

كما يُستحب أن يقرأ العبد سورة الكهف في يوم الجمعة لأنها تعطي لقارئها الأجر والثواب الكبير، فقد كان الصحابي عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) يقرؤها كل جمعة.

ويوم الجمعة يستحب فيه أن يلتزم المؤمن بعبادة يقوم بها في هذا اليوم ومن بينها قراءة سورة الكهف لما لهذا اليوم من فضائل وخصائص تميزه عن باقي أيام الأسبوع حيث فيه ساعة خصها الله عز وجل لعباده يكون فيها استجابة للدعاء وقضاء الحاجات عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أنَ رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم ذكَر يوم الجُمعة، فقال: “فيه ساعة، لا يُوَافِقُهَا عبد مسلم، وهو قائم يصلِي، يسأَل اللَّه تعالى شيئًا، إلَّا أعطاهُ إيَّاهُ” وأَشار بيَدِهِ يُقَلِّلُهَا” أخرجه البخاري في صحيحه.

وأخرج السيوطيّ في كتابه الجامع الصغير: “من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له النُّورُ ما بينه وبين البيت العتيق”.

رغم أن أغلب الأحاديث التي وردت عن الرسول عليه الصلاة والسلام في فضل سورة الكهف في يوم الجمعة ضعيفة في إسنادها، لكن لا بأس من أن نأخذ بها فهي تدل على عمل خير للعبد ولا ننكر أن أي سنة نأخذ بها تدل على الخير سيصل ثوابها للعبد ومن بينها قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة.

متى يستحب قراءة سورة الكهف وأين؟

كما ذكرنا أنه يُستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة دون تحديد ساعة أو وقت محدد من هذا اليوم العظيم، فيمكن قراءتها في أي وقت سواء كان في أول نهار يوم الجمعة أو أوسطه أو آخره، ولكن من الأعمال المستحبة في يوم الجمعة أن تُقرأ ابتداء من ليلة الجمعة والتي تبدأ من مساء مغرب يوم الخميس حتى مغرب يوم الجمعة.

كما أنه يمكن قراءتها في المسجد أو في البيت دون تحديد بأي مكان.

المراجع

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله