قصة داوود عليه السلام … “وآتينا داوود زبورًا”

داوود عليه السلام يرجع نسبه إلى يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام, نبي من أنبياء الله، أرسله الله إلى بني إسرائيل بعد يوشع بن نون وموسى عليهم السلام.

يتميز داوود عن غيره من الأنبياء أن جعله الله ملكًا ونبيًا هو وابنه سليمان عليهما السلام، وسخر لهما الحديد والإنس والجن والطير والجبال والريح كل يجري بأمره…

لنستعرض قصة داوود عليه السلام من صفات ومعجزات والمعركة التي جرت بينه وبين جالوت وكيف انتصر عليه رغم كثرة جنود جالوت وقوتهم. والخطأ الذي ارتكبه داوود عليه السلام بعدما أصبح نبيًا. وقصة وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام…

صفات داوود عليه السلام

كان داوود عليه السلام قصير الجسم أزرق العينين قليل الشعر، طاهر القلب كثير العبادة هو وأهله. ابنه سليمان عليه السلام جعله الله نبيًا من بعد داوود. مدحهم الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: “اعملوا آل داوود شكرًا وقليل من عبادي الشكور”.

وورد أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن داوود وسليمان عليهما السلام قدوة لنا جميعًا حتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقتدي بهم. لما ورد من الحديث:

سَأَلْتُ مُجاهِدًا عن سَجْدَةٍ في (ص)، فَقالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ: مِن أيْنَ سَجَدْتَ؟ فَقالَ: أوَما تَقْرَأُ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُودَ وَسُلَيْمانَ… أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٨٤ – ٩٠]؟ فَكانَ داوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ ﷺ أنْ يَقْتَدِيَ به، فَسَجَدَها داوُدُ عليه السَّلامُ، فَسَجَدَها رَسولُ اللَّهِ ﷺ. (1)

عبادته لله مميزة! عن عبدالله بن عمر: أحبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داودَ، وكانَ يصومُ يومًا، ويفطرُ يومًا، وأحبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ، كانَ ينامُ نصفَ الليلِ، ويقومُ ثلُثَهُ، وينامُ سدسَهُ. (2)

كان يتميز بحنجرة ذهبية لم يسبق لأحد لا قبله ولا بعده أن يملك مثلها، إنه صوته العذب والمتميز عن سائر البشر. مدحه النبي وذلك عندما تلى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه القرآن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا مُوسى لقَدْ أُوتِيتَ مِزْمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ داوُدَ(3)

قصة داود عليه السلام مع جالوت

بعدما أتى بختنصر ونهب ما نهب من بيت المقدس وقتل من قتل من بني إسرائيل وطردهم من ديارهم، أرسل الله عزوجل إليهم نبي يقال أن اسمه شمويل. قالوا له نريد أن نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا التي أخذت منا، فأرسل معنا ملكًا نقاتل معه.

قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا؟ قالوا لم لا نقاتل! وقد أخرجنا من ديارنا وأهانونا أعداؤنا. فلما كتب عليهم القتال هرب أكثرهم ولم يقاتلوا. ثم قال لهم إن الله بعث لكم طالوت ملكًا عليكم يدعوكم للجهاد فلتقاتلوا معه.

قالوا لم هو وليس أحد من بني إسرائيل؟ عائلته لا يرجع نسبها إلى الملوك ولا يملك حتى مالًا، لم فضلته علينا؟ _ هكذا هم بنو إسرائيل دائما يعترضون ويجادلون _ فرد عليهم أن الله هو الذي اختاره. فهو قوي البنية، حكيم وراجح العقل.

قالوا نريد آية تؤكد لنا صحة كلامك أنه مرسل من الله. قال ستأتي الملائكة بصندوق فيه أغراض لموسى وهارون، موجود داخله ألواح موسى وعصاه وبعض ما خلفه موسى عليه السلام. ستحمله الملائكة وسترونهم بعينيكم فقبلوا.  وحصل فعلًا! وأخذوا الصندوق.

اختبار الله عزوجل بني إسرائيل

ذهب طالوت مع بني إسرائيل ليقاتلوا جالوت وجنوده، ولما مروا باتجاه النهر قال لهم طالوت إن الله سيختبر صبركم، عليكم أن لا تشربوا من النهر إلا شربة واحدة فقط وإلا لن تقاتلوا معي. فإذا ما صبر المرء على أمر الله كيف له أن يصبر على الجهاد.

فلم يسمع كلامه الكثير من بني إسرائيل وشربوا من النهر حتى ارتووا. وحرموا بذلك من القتال مع طالوت لأنهم خالفوا أمره. ولم يذهب معه إلا عدد قليل من المؤمنين ومن بينهم داود عليه السلام.

فلما وصلوا إلى القوم الظالمين تراجع كثير من بني إسرائيل بسبب عدد جنود جالوت الكبير، وقالوا لملكهم طالوت لا نستطيع مواجهتم لكثرة عددهم وخافوا، ولم يبق إلا فئة قليلة مخلصة مع طالوت، قالوا “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين”

نهاية جالوت على يد داود عليه السلام

فلما بدأت المعركة برز جالوت أمام بني إسرائيل وقال من يبارزني؟ فقال طالوت من يبارزه يرث ملكي وأزوجه ابنتي. فخرج داوود عليه السلام وكان شابًا يافعًا قوي البنية ماهر في الرمي بالمقلاع.

قال داوود عليه السلام بكل ثقة وقوة إيمان، أنا أبارزه، فأخذ معه 3 أحجار فرمى الحجر الأول من بعيد عبر المقلاع فأصاب رأس جالوت فخر على الأرض ميتًا. وإذا بالفئة المؤمنة تقول “ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين”

وبدأت المعركة بفئة قليلة وانتصروا بإذن الله “وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء” … وأحبه بني إسرائيل كثيرًا فصار عليهم ملكًا. وأعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب وأصبح نبيًا وأعطاه الله تعالى كتاب الزبور.

قال تعالى: “يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب”.

المعجزات التي أيد الله بها داود عليه السلام

قال تعالى: “وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”.

أعطى الله داوود عليه السلام معجزات كثيرة منها أنه آلان له الحديد فيصنع منه ما يشاء بيديه مثل الدروع. وقال السدي في تفسيره كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجين والشمع، يصرفه كيف شاء، من غير إدخال نار ولا ضرب بمطرقة.

ومنحه الله صوتًا جميلًا، له 70 صوت، أعطاه الله الزبور فيمشي ويترنم بالقراءة فإذا سمعت الطيور صوته توقفت ورددت معه، حتى الجبال تردد معه …“إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب”.

وشدد الله ملكه “وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب“.

وقد ورد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: خُفِّف على داودَ القراءةُ فكان يأمُرُ بدابَّتِه أنْ تُسرَجَ فيفرُغُ مِن قراءةِ الزَّبورِ قبْلَ أنْ تُسرَجَ دابَّتُه (4).

كان يصنع الدروع ويبيعها ويأكل من كسب يده “واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب” … قوي رجاع إلى ربه. في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع، وأن الحرفة لا تنقص من مناصبهم، بل ذلك زيادة في فضلهم.

إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده).

وجعله خليفة في الأرض يحكم فيها بالعدل.

الخطأ الذي ارتكبه داوود عليه السلام

في يوم من الأيام  أتى إليه رجلان دخلا عليه في وقت لم يجلس فيه للحكم قال أحدهما أنا أشتكي الأول. قال إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فأخذ نعجتي وليس عندي شيء الآن. فإذا بداوود يستعجل ويقول لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه.

وهذا ما فسره القرطبي، أنه سمع قول المتظلم من الخصمين، ولم يخبر عنه أنه سأل الآخر، إنما حكى أنه ظلمه، فكان ظاهر ذلك أنه رأى في المتكلم مخائل الضعف والهضيمة، فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول، ودعاه ذلك إلى ألا يسأل الخصم، فقال له مستعجلًا:

لقد ظلمك مع إمكان أنه لو سأله لكان يقول: كانت لي مائة نعجة ولا شيء لهذا، فسرق مني هذه النعجة، فلما وجدتها عنده قلت له ارددها، وما قلت له أكفلنيها، وعلم أني مرافعه إليك، فجرني قبل أن أجره، وجاءك متظلمًا من قبل أن أحضره، لتظن أنه هو المحق وأني أنا الظالم.

ولما تكلم داود بما حملته العجلة عليه، علم أن الله -عز وجل- خلاه ونفسه في ذلك الوقت، وأن ذلك لم يكن إلا عن تقصير منه، فاستغفر ربه وخر راكعًا لله تعالى شكرًا على أن عصمه، بأن اقتصر على تظليم المشكو، ولم يزده على ذلك شيئًا من انتهار أو ضرب أو غيرهما، مما يليق بمن تصور في القلب أنه ظالم، فغفر الله له.

قصة وفاة داود عليه السلام

روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- فقد قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “إنَّ داودَ عليه السَّلامُ كان رجلًا غيورًا وكان إذا خرج أغلق الأبوابَ فأغلق ذاتَ يومٍ وخرج فأشرفت امرأتُه فإذا هي برجلٍ في الدَّارِ فقالت: من أدخل هذا الرَّجلَ؟ لئن جاء داودُ ليلقيَنَّ منه عناءً , فجاء داودُ فرآه فقال من أنت؟ فقال أنا الَّذي لا أهابُ الملوكَ ولا يُمنَعُ منِّي الحجابُ فقال: فأنت واللهِ إذًا ملكُ الموتِ وزمَل داودُ عليه السَّلامُ مكانَه.

أي لما صار عمره 100 سنة كان شديد الغيرة يغار على أهله، خرج من بيته يومًا وكان يغلق الباب على أهله فإذا بامرأته ترى رجلًا قد دخل بيتها قالت من أنت والله إذا رآك داوود ليفعلن ويفعلن … فسمع داوود بالخبر فأسرع وعاد إلى منزله، قال من أنت؟

 قال أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمنعني ملك. قال إذًا أنت ملك الموت! مرحبًا بأمر الله. فجلس داوود عليه السلام فقبض الله روحه. وفي جنازته حضر ألوف من الناس يصلون عليه منهم أربعين ألف راهب من الرهبان. فإذا الناس قد أصابهم حر من كثرة العدد فإذا بسليمان عليه السلام وهو ابن داوود عليه السلام نادى للطير قال لها أظلي على داوود.

فأظلت حتى أظلمت الأرض ومن كثرت الطيور لم يستطع الناس التنفس كثيرًا فإذا بسليمان يأمر الطير أن تحرك جناحيها ليدخل الهواء. _ منظر رهيب! إنها جنازة داوود عليه السلام _ ثم ورث ملك داوود: النبوة والعلم والدين سليمان عليه السلام ولم يورثه المال لأن الأنبياء لا تورث وإنما توزع الأموال على الفقراء والمساكين.

وسيأتي إن شالله ذكر قصة سليمان بعون الله وتوفيقه…

المصادر

  • المكتبة الوقفية لابن كثير
  • اسلام أون لاين
  • المكتبة الشاملة
شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله