قصة سليمان عليه السلام … معجزات عظيمة لم تؤت لأحد سواه

سليمان عليه السلام بن داود عليه السلام صاحب أكبر مملكة عرفها التاريخ، أرسله الله تعالى لبني إسرائيل بعد وفاة أبيه داوود عليه السلام، وكان محبوب مثل أبيه معروف بحسن خلقه ودينه وتعامله فأحبوه بني إسرائيل، فكان ملكًا ونبيًا عليهم.

عاش سُليمان -عليه السلام- في بيت المقدس، وفي السنة الرابعة من مُلكه بدأ في عمارة بيت المقدس وبقي فيها إلى أن توفي. وقيل إنه عاش 52 عاماً. لما تولى الحكم أعطاه الله معجزات مميزة لم يعطها لأحد من قبله ولا من بعده، آتاه الله العلم والحكمة ووهبه ملكاً عظيماً، {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.

سنورد في قصة سليمان عليه السلام ما جرى معه من أحداث ومعجزات عظيمة تميز به عن غيره من الأنبياء، وكيف سخر كل من الجن والطير والجبال والحيوانات والريح لخدمته … وقصته مع ملكة بلقيس ومع الخيول وقصة وفاته الغريبة…

معجزات سيدنا سليمان عليه السلام

لقد أيّد الله تعالى سليمان عليه السلام بعدد من المعجزات لم يُؤتَ أحدٌ قبله ولا بعده بمثلها، ومنها:

تسخير الريح

قال الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء:81]، “ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر”. كانت تتحرك بأمر سليمان عليه السلام؛ فتسوق الماء للجهة التي يأمر بها، وتحرّك السحاب …

سخَّر الله لسليمان الريح تجري من أول النهار إلى انتصافه مسيرة شهر، ومن منتصف النهار إلى الليل مسيرة شهر بالسير المعتاد. قال الحسن البصري: كان يغدو من دمشق فينزل بإصطخر فيتغدى بها ويذهب رائحا منها فيبيت بكابل، وبين دمشق وإصطخر مسيرة شهر وبين إصطخر وكابل مسيرة شهر.

تسخير الجن والشياطين

قال الله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} [الأنبياء:82]، فكان يوجّه الجن بما يعود بالنفع والفائدة على مملكته، فسخّر طائفة منهم للبناء والعمارة بشتى مجالاتها، وطائفة من الجن للغوص في الماء ليُخرجوا اللؤلؤ والمرجان.

كلها بأمر سليمان عليه السلام كانت تصنع له التماثيل والجفان والقدور التي ترسى في الأرض ليصنع فيها الطعام ويوزعها على الفقراء والمساكين، يعملون له ما يشاء من محاريب، وأسلحة … أما الشياطين التي كانت تعصي أمره تحبس وتربط بالسلاسل، وكانت الشياطين تهابه.

إسالة النحاس

احتاج سليمان -عليه السلام- لمادة يصنع بها السلاح كي يستخدمها في حروبه، فأمدّه الله تعالى بعيْنٍ من النحاس الأصفر، فيقوم بتشكيله كما يريد، قال الله تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} [سبأ:12].

فهم كلام الحيوانات

كان سليمان -عليه السلام- يفهم كلام الحيوانات، وبالأخصّ كلام الطير؛ جمع الناس جميعًا والحيوانات والجن وكل المخلوقات وقال لهم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل:16].

أراد أن يخبر الناس بأنه نبي مرسل من الله تعالى، {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}. وبدأت الإنس والطير والجن ينظمون، جيش من الإنس، وجيش من الجن، وجيش من الطير. كل منظم مهيأ يسمع ويطيع كلامه. أي مملكة  عظيمة تلك!

قصة سليمان عليه السلام مع النملة

كان سليمان عليه السلام يسمع دبيب النمل ويفهم كلامها، ففي أحد الأيام أجدبت الأرض، وأصابها سنين قحط، فأراد سليمان عليه السلام أن يدعو الله تعالى لتنزل المطر، فدعا الناس من أجل الاستسقاء، فإذا بنملة يراها سليمان عليه السلام رافعة يديها تدعو ربها أن ينزل المطر. فقال للناس ارجعوا إلى بيوتكم. قالوا لم يا نبي الله؟ مالذي حصل؟ قال: لقد كفيتم. سيستجيب الله تعالى لهذه النملة وسيسقيكم المطر. 

في يوم من الأيام كان يمشي في الغابات وإذا في طريقه يمر بوادي من النمل، فسمع كلام النملة تحذر قومها من جيش سليمان الذي ربما يحطمهم ولا يرونهم، سبحان الله! من أعلمها أنه سليمان كيف عرفت اسمه! كل من في الأرض يعرف نبي الله سليمان عليه السلام.

فتبسم ضاحكًا من قولها ونسب النعم إلى الله تعالى ودعا ربه أن يعينه على شكره وطاعته. ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.

سليمان والهدهد

في كل يوم يتفقد سليمان عليه السلام كل جيشه من جن وإنس وطير … فهو صاحب أكبر مملكة عرفها التاريخ. وبينما يتفقد الأفراد الأساسيين وأثناء تفقده الطير لم يرى الهدهد، تعجب أين ذهب وترك مكانه دون أن يعلمه.

كان يتفقد الأفراد بنفسه مع أنه الحاكم والملك، لكنه مخلص في عمله مؤتمن على أمة بأكملها. وغضب لم لم يرى الهدهد في مكانه وإذا لم يكن له عذر ليعذبنه أو ليذبحنه إذا كان خائنًا وذهب إلى الأعداء أو ليأتيه بعذر لتخلفه.

كان رجلًا حازمًا _ هذه حماية دولة تعبد الله تعالى _ القضية ليست لعب، لو تخلف واحد فعليه أن يعاقب. لأن هذا حمل ثقيل ليس بالهين، مسؤول أمام الله عزوجل عن كل الرعية أين ذهبوا … ماذا فعلوا …

وما أن انتهى من كلامه حتى رجع الهدهد مسرعًا. سأله سليمان مالذي أخّرك؟ قال يا نبي الله لا تستعجل عليي حكمك، لقد جئتك بنبأ يقين وخبر صحيح، جئتك بخبر من سبأ _ وهي في اليمن. جاء من اليمن إلى فلسطين تخيلوا المسافة البعيدة التي كان يطيرها _ قال له: رأيت أناس يعبدون الشمس من دون الله.

وامرأة تحكم الناس ولها عرش عظيم. إنها بلقيس، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله. _ الله أكبر! الطير يستنكر كيف يعبدون من دون الله _؟ ألا يسجدوا لله! الهدهد لا يرضى إلا بعبادة الله تعالى. سليمان عليه السلام صدم بهذا الخبر!

لكن سليمان أراد ان يتأكد من الخبر أكثر فهو لا يصدق أي كلام حتى يأتي بدليل. فقال للهدهد سأكتب لك رسالة وتأخذها معك إلى هذه المرأة الحاكمة تلقيها عليها ثم انظر ماذا تفعل هذه المرأة. ففعل مثلما أمره تمامًا.

قصة سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ “بلقيس”

تعجبت بلقيس! ما هذه الرسالة؟ قرأتها مكتوب فيها إنه من سليمان مكتوب فيها باسم الله الرحمن الرحيم، إياكم أن تتكبروا على عبادة الله، يأمرها وقومها أن يعبدوا الله تعالى ولا يشركوا به شيئًا.

جمعت الوزراء المقربون، أهل الجيش المدافعون عن بلدها، ماذا تفعل، قالوا لها نحن أقوياء ولا نهاب الموت والأمر يعود إليك فنحن جاهزون للقتال، ونستطيع الفوز عليهم. لكن بلقيس أعقل منهم “قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ“.

قالوا إذًا ماذا نفعل؟ قالت لهم سأرسل لهم قافلة مليئة بالمجوهرات والأموال وكل ما يشتهيه المرء فإذا أخذها فهذا معناه أنه كاذب وليس بنبي. وإن رفضها فهذا دليل على أنه صادق ونبي. وفعلًا أرسلت لهم الهدية، فلما وصل الرسول، قال لهم سليمان عليه السلام ما هذه؟ قال إنها هديه من بلقيس.

عرف سليمان أنها رشوة، سليمان الذي له أكبر مملكة في العالم، وهل سليمان يقنع بشيء من حطام الدنيا “فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍۢ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ”

قال له ارجع بكل ما معك، وجمع كل جيشه وكل خاصته يستشيرهم. قال لهم من يستطيع أن يأتيني بعرشها وسريرها الذي وصفه لي الهدهد؟ قال عفريت من الجن يا سليمان أنا آتيك به قبل منتصف النهار. لأن سليمان كان يبدأ من أول النهار ولا يقوم من مقامه إلا منتصف النهار “قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ”.

القوة والأمانة اجتمعتا فيه. لكن سليمان استبطأ الأمر من الفجر إلى الظهر أراد أقصر من هذا الوقت، فقال أحدهم وله علم من الكتاب _ والله أعلم من هو _ قال أنا أحضر لك سريرها وكرسيها قبل أن تطرف عينك. قال لك هذا. وإذا بسليمان يغمض عينيه ثم يفتحهما بلحظات وإذا بعرش بلقيس يكون أمامه. 

فلما رأه، قال سليمان هذا من فضل ربي، هذه نعمة من الله لأشكره على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى. أي ملك وأي عز هذا! بغمضة عين كان عرشها أمامه. وهو في فلسطين وبلقيس في اليمن تخيلوا المسافة الكبيرة بينهما.

قال لجنوده بدلوا لها عرشها نختبرها هل تعرف عرشها أم لا. فلما وصلت قال لها أهكذا عرشك؟ كانت ذكية وراجحة العقل، قالت كأنه هو؟ أي لم تثبت أو تنفي.

قال لها ادخلي إلى قصري فلما دخلت وجدت فيه نهر يجري داخل القصر. أي قصر هذا! أي عظمة هذه! أي حضارة هذه! فلما رأته لتمر عبر النهر رفعت عن ساقيها كي لا تبتل ملابسها_ من الملاحظ هنا أن الملكة تلبس لباسًا طويلًا ساتر الساقين ليس كما نراه الآن، يظنون الآن أنه من اللباقة والشياكة أن يكون اللبس قصير، إذًا ماذا عن بلقيس …؟ _

قال لها لا تكشفي عن ساقيك. إن زجاجًا قد غطى هذا النهر، بإمكانك أن تعبري فوقه. تعجبت بلقيس وذهلت من هذه الحضارة والتي كانت تظن أن عرشها وقصرها أعظم شيء! علّمها سليمان عليه السلام معنى التوحيد ودين الله فعرفت أنها قد ظلمت نفسها واعترفت وأسلمت وآمنت بالله تعالى ودعت قومها لله وآمنوا معها.  قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:44].

الخطأ الذي ارتكبه سليمان بن داود عليهما السلام

عن عبدالله بن عباس: ما مِن عبدٍ مؤمنٍ إلّا وله ذنبٌ يعتادُه الفَينةَ بعدَ الفَينةِ أو ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يُفارِقُه حتّى يُفارِقَ وإنَّ المؤمنَ خُلِقَ مُفْتَنًا توّابًا نَسّاءً إذا ذُكِّرَ ذكَر. (1)

وقد مدح الله تعالى سليمان عليه السلام في القرآن الكريم “وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30). في سورة ص. أي أنه رجاع إلى ربه، كثير الصلاة والتسبيح. وربما كان له ورد بين العصر والمغرب لكنه كان مع الخيل يراها ويتفقدها وكان يحب الخيل كثيرًا حتى غابت الشمس ونسي أن يصلي أو يذكر الله والله أعلم، فألهته عن ذكر ربه،

فندم واستغفر ربه، “فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ” (33).وقد ذكر في تفسيرها خلاف. بعضهم فسرها أنه ذبح الخيل ووزعه على الفقراء، وعوضه الله خيرًا منها وهي الريح تجري بأمره.

والبعض الآخر ومنهم ابن جرير رحمه الله لم يؤيد هذا القول، واعتراضه بأنه كيف له أن يذبح خيل لا ذنب لها وهي من الحيوانات الأليفة القوية والمفيدة جدًا وخاصة في الحروب، فلربما مسح على عنقها واستغفر ربه. والله أعلم.

قصة سليمان عليه السلام في قضية الفلاح

قال تعالى: {وَداودَ وَسُلَيمانَ إِذ يَحكُمانِ فِي الحَرثِ إِذ نَفَشَت فيهِ غَنَمُ القَومِ وَكُنّا لِحُكمِهِم شاهِدينَ` فَفَهَّمناها سُلَيمانَ وَكُلًّا آتَينا حُكمًا وَعِلمًا وَسَخَّرنا مَعَ داوودَ الجِبالَ يُسَبِّحنَ وَالطَّيرَ وَكُنّا فاعِلينَ} [الأنبياء:78-79].

والقصة أنّ هناك رجلان أتيا إلى داود -عليه السّلام-، أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: “إنّ هذا له أغنام قد فلتت في أرضي فأفسدت ما فيها”.

فحكم له داود عليه السلام بغنم صاحبه، إلا أن سليمان عليه السلام حكم أن يأخذ صاحب الأرض الأغنام فينتفع بها ويبذر بها أرضه حتى تعود مثلما كانت، ثم يُعيد الأغنام إلى صاحبها، فقضى داود بقضاء سليمان عليهما السلام.

أعطى الله تعالى سليمان دعوتين ومنعه الثالثة

لما أعطاه الله ملكًا عظيمًا وفهمًا وحكمًا، بنى المسجد الأقصى – بيت المقدس – وقد كان مؤسس بيت المقدس سيدنا يعقوب عليه السلام. لكن سليمان عليه السلام جدد بيت المقدس وقد بناه بناء عظيمًا. فلما اكتمل رفع يديه إلى السماء يسأل ربه ثلاثًا، فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة.

أما الأولى قال اللهم إني أسألك حكمًا يوافق حكمك فأعطاه الله، أما الثانية إني أسالك ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي فأعطاه الله عزوجل الثانية، أما الثالثة فإنه ما خرج أحد من بيته يريد الصلاة في بيت المقدس لم يخرجه إلا الصلاة فلا يرجعن من ذنوبه إلا كيوم ولدته أمه أي نقي من الذنوب والخطايا فمنعه الله الثالثة فقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أرجو أن تكون لنا.

عن عبدالله بن عمرو: أنَّ سُليمانَ بنَ داودَ لمّا بنى بيتَ المقدسِ سأل اللهَ خِلالًا ثلاثًا، سأل اللهَ حُكمًا يُصادِفُ حُكمَه فأُوتيه، وسأل اللهَ مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِه، فأُوتيه، وسأل اللهَ حين فرغ من بناءِ المسجدِ ألّا يأتيَه أحدٌ لا يَنهزُه إلّا الصَّلاةُ فيه أن يُخرِجَه من خطيئتِه كيومِ ولدته أمُّه. (4)

قصة المرأتان اللتان احتكمتا عند سليمان عليه السلام

“ففهمناها سليمان وكلًا آتينا حكمًا وعلمًا”. فهم الله سليمان عليه السلام وأعطاه الحكمة. في يوم من الأيام ذهبت امرأتان إلى سليمان عليه السلام تحتكمان عنده إحداهما صغيرة والثانية أكبر منها، عند كل واحدة منهما ولد رضيع فخرجتا إلى الصحراء فإذا بطفل رضيع قد أخذه الذئب ومات طفلها وبقي الطفل الآخر فإذا بهما يتنازعان ويتجادلان في الطفل بأنه لها.

فذهبتا إلى سليمان عليه السلام ليحكم بينهما فقال: ألك الطفل؟ قالت: نعم. وسأل الأخرى قالت: لا بل هو طفلي. فإذا به يأمر أحد جنوده بأن يحضر له سكينًا قالتا: لم؟ قال: سأشقه نصفين، نصف لك ونصف لها فسكتت المرأة الكبيرة وخافت، وإذا بالمرأة الصغيرة تقول: لا، لا تذبحوه إنه لها. فعرف سليمان عليه السلام أن الطفل للمرأة الصغيرة وأعاد الطفل لها.

قصة سيدنا سليمان مع ملك الموت

ذُكر أن سليمان عليه السلام كان يوماً جالساً في مجلسه وعنده وزيره، فدخل عليه رجل فسلّم عليه وجعل هذا الرجل يحادث سليمان ويحدّ النظر إلى هذا الوزير ففزع الوزير منه. فلما خرج سأل الوزير عنه، فقال سليمان: هذا ملك الموت، ففزع الوزير وقال: يا نبي الله أسألك بالله أن تأمر الريح فتحملني إلى أبعد مكان إلى الهند، فأمر سليمان الريح فحملته.

فلما كان من الغد دخل ملك الموت، فقال له سليمان: قد أفزعت صاحبي، فقال ملك الموت: يا نبي الله إني دخلت عليك في الضحى وقد أمرني الله أن أقبض روحه بعد الظهر في الهند فعجبت أنه عندك، قال سليمان: فماذا فعلت؟ فقال ملك الموت: ذهبت إلى المكان الذي أمرني بقبض روحه فيه فوجدته ينتظرني، فقبضت روحه.

ما حكاية موت سليمان وكيف كان موته؟

عن عبدالله بن عباس: كانَ سُلَيْمانُ نَبِيُّ اللهِ عليهِ السلامُ إذا صلّى رأى شجرةً نابِتَةً بين يديْهِ فيقولُ لها: ما اسْمُكِ؟ فَتقولُ: كذا، فيقولُ: لأَيِّ شيءٍ أنتَ؟ فإنْ كانَتْ لغَرْسٍ غُرِسَتْ، وإنْ كانَتْ لِدَواءٍ كُتِبَتْ، فبَينما هو يصلِّي ذاتَ يَوْمٍ إِذْ رأى شجرةً بين يديْهِ فقال لها: ما اسْمُكِ؟ قالتْ: الخَرُّوبُ، قال: لِأَيِّ شيءٍ أنْتِ؟ قالتْ: لِخَرابِ هذا البيتِ، فقال سُلَيْمانُ: اللهمَّ عَمِّ على الجِنِّ مَوْتِي حتى يَعْلَمَ الإنسانُ أنَّ الجِنَّ لا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ، فَنَحَتَها عَصًا فَتَوَكَّأَ عليْها حَوْلًا مَيِّتًا والجِنُّ تَعْمَلُ، فَأكلَتْها الأَرَضَةُ فَتَبَيَّنَتِ الإنْسُ أنَّ الجِنَّ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ ما لَبِثُوا في العذابِ المُهِينِ. (3)

كانت الشياطين إذا دخلت بيت المقدس تحترق. كانوا يخافون من سليمان عليه السلام وينظرون إليه من بعض النوافذ عندما كان يصلي في بيت المقدس. وكان يحارب السحرة ويأخذ كل شي منهم ويدفنه تحت كرسيه، فلما أحس سليمان بموته أخذ عصاه “المنسأة” وأتكأ عليها، وأثناء صلاته في بيت المقدس قبض الله روحه، ولم يسقط على الأرض، وظنت الشياطين أنه ما زال يصلي.

لأنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي فترات طويلة تارة شهر يمكث في المسجد ويعتكف فيه من أجل هذا لم يلاحظ الجن والشياطين اختلافًا، ولم يمسه أحد من الحيوانات لأنه نبي مرسل من الله فاتكأ على العصا ربما شهر … شهرين …

قيل ظل سنة كاملة على هذه الحال والله أعلم، لكن دابة الأرض بدأت تأكل من العصا وتنخر فيها حتى رقت العصا فسقط سليمان عليه السلام وانتشر الخبر بين الجميع، وهذا دليل على أن الإنس والجن والشياطين لا تعلم الغيب.

“فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ”.

فأطلقت الشياطين وعاثت فسادًا وحفروا تحت كرسي سليمان عليه السلام وأخرجوا السحر وقالوا بين الناس هذا علم سليمان ونسبوها إلى سليمان عليه السلام. “وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ …” في سورة البقرة.

أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تتحدث عن سليمان عليه السلام

عن أبي هريرة: قالَ سُلَيْمانُ بنُ داوُدَ نَبِيُّ اللهِ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ على سَبْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ تَأْتي بغُلامٍ يُقاتِلُ في سَبيلِ اللهِ، فقالَ له صاحِبُهُ، أوِ المَلَكُ،: قُلْ: إنْ شاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ ونَسِيَ، فَلَمْ تَأْتِ واحِدَةٌ مِن نِسائِهِ إلّا واحِدَةٌ جاءَتْ بشِقِّ غُلامٍ، فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: ولو قالَ: إنْ شاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ، وكانَ دَرَكًا له في حاجَتِهِ. (2)

 أنَّ الَّذي جدَّد بناءَه [يعني بيتَ المقدِسِ] إنَّما هو سُلَيمانُ بنُ داودَ.

عن مُعاويةَ، قالَ: «ملَكَ الأرْضَ أرْبَعةٌ: سُلَيمانُ بنُ داودَ، وذو القَرنَينِ، ورَجلٌ من أهْلِ حُلْوانَ، ورَجلٌ آخَرُ» فقيلَ له: الخَضِرُ؟ فقالَ: «لا».

وبهذا تكون قد انطوت صفحة سليمان عليه السلام صاحب أكبر مملكة لم يعرف التاريخ مثلها. نرجو من الله التوفيق والسداد والفائدة للجميع. وأعاننا الله وإياكم على نشر دعوته بما يرضيه سبحانه وتعالى.

المصادر

  • المكتبة الوقفية لابن كثير
  • الباحث الحديثي
  • اسلام أون لاين
  • المكتبة الشاملة
  • نبيل العوضي
  • طارق سويدان
شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله