أخذ المسلمون منذ القدم بتطوير النظام الطبي، معتمدين على المنهج العلمي التحليلي، فظهر العديد من الأطباء، الذين اجتهدوا وأغنوا العالم باكتشافاتهم وساهموا في إيجاد العلاج المناسب للأمراض المستعصية.
لذلك دعونا نتعرف في هذا المقال المميز عن أشهر علماء الطب العرب، عرفوا بإنجازاتهم الطبية وأبحاثهم العلمية ومؤلفاتهم الفلسفية.
أشهر علماء الطب العرب
أولًا: ابن النفيس
اسمه أبو الحسن علاء الدين ابن أبي الحزم، وعرف باسم (ابن النفيس)، وهو عالم وطبيب عربي، ولد في مدينة دمشق في عام 607 هـ، الموافق 1216 م.
كان مشهورًا بالذكاء، والعلم الوافر، والمعارف الكثيرة التي يملكها وخاصةً في مجال الطب، كما أنه كان بارعًا في العلوم الأخرى، كاللغة والفقه، والفلسفة.
وألف ابن النفيس الكثير من المؤلَّفات، وعُرف عنه سُرعتُهُ في التأليف، وثقتهُ الكبيرة بما كان يقوله.
عمل في بداية حياته طبيبًا في دمشق، ثم انتقل إلى القاهرة، وعاش فيها أكثر أيام عمره، حيث عين رئيسًا لمشفى المنصوري، وعميدًا للأطباء المصريين،
قام بإنشاء بيمارستان في القاهرة، بأمر من السلطان سيف الدين قلاوون، سلطان المماليك، وعُين رئيسًا عليه، حيث كان يُشرف بنفسه على أقسامه الطبية، ومكتبته، وقاعاته.
ألقابه
- لقب بابن النفيس، وهو لقب عائلته.
- لقب بالمصري.
- لقب بمكتشف الدورة الدموية الكبرى.
- لقب بابن سينا الثاني، لأنه كان يحب ابن سينا ويقرأ له، ويُكاتبه.
- لقب بعبقري الطب العربي.
اهتماماته
- في علاجه للأمراض يستخدم الغذاء بدلًا من الدواء، وهو من الأطباء الأوائل الذين قاموا بكتابة مؤلّفات في الطب.
- درس علم التشريح، ولكن بدون أن يطبقه، ولكن هذه الدراسات كان لها دور كبير، في تطوير علم تشريح جسم الإنسان، بكل دقة.
- قام بتحديد تركيب الرئتين، والحويصلات الرئوية، ووظائفها، كما فسّر طريقة تجدد الهواء في الرئتين.
يقال إنه في إحدى المرات، عندما كان يستحم، جاءته فكرة، فخرج قبل أن ينتهي من الاستحمام، وطلب دواة وقلم، وورق، وأخذ يكتب الفكرة التي جالت برأسه، حيث كتب مقالة في النبض، وعندما انتهى من تدوينها، رجع إلى الحمام وأكمل استحمامه.
أشهر أقواله
كان لابن النفيس ثقة كبيرة بما كان يؤلفه، فمن أهم أقواله التي تدل على ذلك: “لو لم أعرف أن تصانيفي تبقى مدة 1000 سنة ما وضعتها”.
في أواخر عمره مرض مرضًا، فنصحوه بشرب القليل من النبيذ، تشفيه من علته، ولكنه رفض قائلًا: “لا ألقى الله تعالى وفي بطني شيء من الخمر”.
أشهر مؤلفاته
- كتاب الشامل في الطب، الذي جمع فيه كل ما وصل إليه الطب في زمانه.
- كتاب المُهذَّب في الكحل المجرب، وهو يتعلق بأمراض العيون وكيفية علاجها.
- كتاب شرح تشريح القانون لابن سينا، حيث شرح فيه كل ما يتعلق باكتشافه الهام، وهي الدورة الدموية الصُغرى.
- كتاب المُختار من الأغذية، وفيه يشرح كيفية معالجة الأمراض الحادَّة عن طريق الغذاء.
- كتاب علّق فيه على كتاب الأوبئة لأبو قراط.
- كتاب تفاسير العلل وأسباب المرض.
- وله عدة مؤلفات ليس لها علاقة بالطب منها كتاب في النحو اسمه طريق الفصاحة، والرسالة الكاملية في السيرة النبوية، والمُختَصَر في علم أصول الحديث.
أعماله
لقد خالف ابن النفيس كلًا من ابن سينا والرازي في كيفية تولد الدم، حيث أثبت أن الدم يخرج من البطين الأيمن للقلب إلى الرئة، وعندما يختلط بالهواء، يعود إلى البطين الأيسر، من خلال الوريد الرئوي، ثم إلى باقي أجزاء الجسم، بما يُعرف الآن بالدورة الدموية الصغرى، هذا الاكتشاف الذي لم يسبقه أحد إليه.
وأثبت بأنّ الرئتين تعملان على تنقية الدم في الجسم، كما حدّد كيفية مسار الدم في الجسم.
مكتشفاته
- اكتشف أن القلب إنما يتم تغذيته عن طريق الشرايين الموجودة في جميع أجزاء الجسم.
- اكتشف أن الأوردة في الرئتين والشرايين متصلة ببعضها.
- اكتشف أن جدران الأوردة في الرئتين أكبر من شرايينها.
- اكتشف أن للقلب تجويفان فقط.
- اكتشف أنه لا يوجد منفذ بين البطينين الأيمن والأسير للقلب.
وفاته
توفي ابن النفيس في عام 1287م، حيث عاش ما يقارب 78 سنة، ووهب كل ما يملك من البيت والمكتبة، للبيمارستان الذي أنشأه.
ثانيًا: أبو بكر الرازي
ولد أبوبكر الرازي في فارس، سنة 862 م، ويعتبر من أشهر وأهم الأطباء والعلماء المسلمين، ولكثرة ووفرة علمه سمي بالموسوعة.
اشتملت علومه على شتى العلوم، كالطب، والفلسفة، والكيمياء، والذي شمل أغلب العلوم، مثل: الطب، والكيمياء، والفلسفة، حتى أن أكثر ما ألفه يُدرس في الكثير من الجامعات.
كان منذ طفولته مهتمًا بكافة أنواع العلوم، وكان كثير التجارب العلمية، وكان من الصغر معروفًا بالذكاء، وسرعة الحفظ، حيث كان يحفظ كل ما يقرأه أو يسمعه بكل سهولة، وكان يتميز أيضًا بسرعة البديهة.
أعماله
- قام بمتابعة العديد من الأبحاث، ونجح فيها، وله مؤلفات كثيرة، ومن أهم أنواع العلوم التي درسها الرازي واشتهر فيها، علوم الطب، حيث يعتبر الرازي من أشهر وأهم الأطباء العرب في زمانه، لأن مؤلفاته في هذا المجال غيرت المفاهيم الطبية التي كانت سائدة في زمانه.
- قام بتحديد الأمراض، وأسباب كل مرض، واستخلص من الطب الهندي واليوناني اللذان قام بدراستهما، كافة أنواع الفوائد الطبية.
- عالج الكثير من الأمراض التي لم يكن لها علاج، وشخصها بشكلٍ دقيق، ليستخلص الأدوية الخاصة بكل مرض على حدى.
- كان مشهورًا بأمانته في الطب، فلم ينسب لنفسه أي اكتشاف قام به غيره.
- تُرجمت كتب الرازي للغة اللاتينية، ثم ترجمت إلى العديد من اللغات.
إنجازات الرازي
- أول من ابتكر الخيوط الطبية والمصنوعة من جلود الحيوان، والتي تستخدم في العمليات الجراحية.
- أول من ابتكر وصنّع العديد من المراهم في العلاجات المختلفة.
- قام بشرح العديد من الأمراض في كتاباته.
- أول من صنع الكحول الطبية، وقام باستخدامها في تركيب العديد من الأدوية.
- كان مهتمًا دائمًا بأن التجارب الدوائية مهمة، ليتأكد من فعاليتها عند استخدامها على الإنسان.
- كان دائم الحرص بمتابعة كل حالة مرضية، قبل العلاج وبعده.
- اهتم بدراسة كل ما يتعلق بطب الأعشاب، لاستخدامه في العلاجات.
مؤلفاته
له الكثير من المؤلفات التي خلدت اسمه في الكثير من العلوم:
- في الطب له مؤلف الحاوي في علم التداوي، والكافي في الطب، وكتاب في الفصد والحجامة.
- ومن كتبه المشهورة كتاب المنصوري، وهو كتاب قام بإهدائه لأمير خراسان المنصور، وهذا الكتاب يجمع العديد من العلوم كالطب والكيمياء والصيدلة.
- ومن المؤلفات العلمية: كتاب طبقات الأبصار أو كيفيات الإبصار، وهيئة العالم.
- في الكيمياء: سر الأسرار، والحجر الأصفر، وغيرها.
- ومن مؤلفاته في الفلسفة: المدخل إلى المنطق، والمدخل التعليمي، وكتاب أخلاق الطبيب.
من أقواله
” إذا كان في استطاعتك أن تعالج بالغذاء فابتعد عن الأدوية، وإذا أمكنك أن تعالج بعقار واحد فتجنب الأدوية المركبة”.
وفاته
أصيب الرازي في أواخر عمره بضعف في البصر، حتى صار أعمى، ولم يتمكن الأطباء من معالجته، فتوفي في عام 923 م، ودفن في قرية تسمى راي.
ثالثًا: ابن البيطار الأندلسي
صاحب ميزان الطب، واسمه ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي، وذلك نسبة لولادته في قريةٍ تقع في مدينة ملقة في الاندلس، وولد سنة 1197م.
عرف بالنباتي، لأن ابن البيطار من علماء النبات في زمانه، حيث كان يجمع النبات والأعشاب، ويقوم بدراستها، واستخلاص العلاجات منها.
يُعرف ابن البيطار بأنه عالم في الصيدلة وشيخ العشابين في الأندلس.
سافر إلى مصر بعهد السلطان الأيوبي (الملك الكامل)، حيث أصبح رئيس العشابين في عهده.
كان كثير السفر، ومن خلال أسفاره، كان يدرس ويطّلع على الكثير من مؤلفات غيره ممن سبقوه.
مؤلفاته
ألف العديد من الكتب في النباتات، فصار من أوائل اللذين أغنوا العلم بهذه الثروات العظيمة،
- يعتبر الكتاب الذي ألفه وأسماه (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) من الكتب النفيسة الخاصة بالنبات، حيث توصل بعد البحث والتدقيق والدراسة، من خلال ترحاله بين الكثير من البلاد، لوضع أكثر من ألف وأربعمائة دواء حيواني ونباتي، وبيّن فيه الفوائد الصحية لكل دواء،
- كتاب المغني في الأدوية المفردة، وهو كتاب يعتبر بالمرتبة الثانية بعد كتاب الجامع لأهميته، حيث رتّب فيها ابن البيطار الأدوية التي تعالج كل عضو من أعضاء جسم الإنسان، بشكلٍ مفصّل، وبسيط، وشرح فيها كافة الأدوية الضرورية للأطباء في علاجاتهم.
- كتاب الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام، حيث شرح فيه الأدوية المذكورة في كتاب ديسقوريدس، الخاصة بالنبات والحيوان.
- كتاب البربرية وشرح للأدوية النباتية والحيوانية.
- ميزان الطبيب.
- وله رسالة في التداوي بالسموم.
وفاته
توفي ابن البيطار في دمشق سنة 1248.
رابعًا: ابن الهيثم
اسمه أبو علي الحسن بن الهيثم، وهو أحد العلماء العرب المسلمين، ولد في العراق، عام 354 هـ، بمدينة البصرة.
كان يتمتع بالذكاء القوي، الذي شهد له الكثير من العلماء به حتى وقتنا الحاضر.
كان يهتم بدراسة الكثير من العلوم كالرياضيات، والطب، وغيرها.
أعماله
- كان له دور كبير في تغيير الكثير من المعتقدات الطبية التي كانت سائدة في زمانه، من خلال دراسته لاكتشافات وأبحاث العلماء اليونانيين، وأوجد لها البديل الصحيح.
- قام بدراسة كل ما يتعلق بالضوء، وعن كيفيّة انتقاله، وقام بتحليل الألوان، وهذا جعل هذه الدراسات مدخل لعلم البصر.
- درس كل ما يتعلق بالعين وطريقة الرؤية.
- درس القواعد الرياضيّة وما يتعلق بالدائرة، والمثلثات، وقياس المثلثات والنظريات المرتبطة بها.
- اكتشف ابن الهيثم ظاهرة انكسار الضوء، حيث تمكّن من اكتشاف انكسار الضوء، وانحراف الصورة عند مرور أي شعاع ضوئيّ من خلالها.
- ومن النظريات التي درسها ابن الهيثم حول البصر، العدسات بأنواعها، حيث تعتبر أولى الخطوات في علم البصريّات.
- قام بتشريح العين، وأعطى وصفًا لكافة أجزائها، وفسّر كيفية الرؤية، حيث بيّن أن النظر إنما يحدث من خلال الشعاع والذي يصدر عن كافة الأجسام المرئيّة المحيطة بالإنسان، فترسم هذه الرؤية على شبكية العين، ثم ينتقل الأثر من شبكية العين، إلى الدماغ عن طريق عصب الرؤية، وعندها تتشكّل الصورة المرئية للجسم.
- وهو أول من أكّد بإنّ العدسة المحدبة، إنما ترى الأشياء بصورة أكبر مما هي عليه.
- كما قام بتحديد ظاهرة الوهم، حيث قارن بين الشيء القريب، والشيء البعيد من خلال الرؤية، حيث يظهر للإنسان أن الشيء القريب، هو الشيء البعيد، ولكن العكس صح، ومثاله على ذلك، أننا نرى القمر قريبًا في الليل عندما ننظر إليه، وهذا هو الوهم البصري الذي يظهر للإنسان أمامه عندما ينظر باتجاه القمر.
- استخدم ابن الهيثم غرفة مظلمة أسماها “البيت المظلم”، حيث شرح من خلالها طبيعة الضوء والرؤية، وكان لهذه الدراسة الدور الكبير في استخدامه كجهاز للتصوير الفوتوغرافي.
مؤلفاته
- كتاب المناظر، وهو من الكتب الشهيرة، التي درست البصر، وكيفيته.
- كتاب أصول المساحة.
- أعمدة المثلثات.
- كيفيّات الإظلال.
- شرح أصول إقليدس.
من أقواله
“إذا كان هدف العالم معرفة الحقيقة، فيجب ان يتشكك في كل ما يقرأ”، وهو يعني بهذا أنه لا بد من إجراء التجارب لاختبار النظريات، بدلاً من قبولها كحقيقة بلا دليل.
وفاته
تُوفّي في القاهرة في مصر، عام 430 هـ.
خامسًا: ابن سينا
اسمه أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، وهو من العلماء والأطباء المسلمين، ولد في قرية أفشنة بالقرب من مدينة بخارى، سنة 370 هـ (980م).
كان ذا عقل وعلم وحبٍ كبير للاطلاع والمعرفة، والدراسة.
ألف ما يقارب 200 كتاب، في شتى العلوم، واشتهر بعلوم الطب والفلسفة.
سمي الشيخ الرئيس.
كان يُعالج المرضى بالمجان، من شدّة حبه للخير، وللاستفادة من العلم بكل مجالاته.
أهم أعماله
- يعود إليه الفضل في كشف العديد من الأمراض، وإيجاد الأدوية اللازمة لها.
- وهو أول من اكتشف الدودة المستديرة، ودوّنها في كتابه المشهور القانون في الطب، في فصل الديدان المعوية، وبيّن أعراض المرض الذي تسببه، وكيفية العلاج.
- عالج الأمير نوح بن منصور وهو ما يزال في السابعة عشرة من عمره، في الوقت الذي عجز عن معالجته أكثر الأطباء شهرة، فصار مشهورًا، وأخذ أمراء عصره يساندونه.
- أول من قام بوصف الالتهاب السحائي.
- كما قام بوصف السكتة الدماغية التي تنتج عن زيادة الدم، ويكون بذلك قد خالف الأطباء القدماء في اليونان.
- كما قام بالتفريق بين المغص المعوي والمغص الكلوي.
- أول من اهتم بتغليف الحبوب التي يتناولها المرضى.
- كما قام بالكشف عن أعراض حصاة المثانة السريرية، بكل عناية ودقّة.
- أعطى وصفًا دقيقًا لبعض الأمراض التي تصيب النساء، مثل النزيف الذي يحدث للنفساء، وتعفّن الرحم الذي من أسبابه موت الجنين، أو عُسر الولادة، بعض الأورام الليفية التي تصيب الرحم.
- برع في علم الجراحة.
- وله دراسة في كيفية إيقاف النزيف، إما بالربط، أو عن طريق الكي بالنار، أو بدواء كاوٍ، أو بالضغط على اللحم فوق العرق النازف، أو إدخال فتيلة.
- كما أكد أن جنس المولود ذكرًا أو أنثى يعود للرجل دون المرأة، وهو ما تأكد في الطب الحديث.
مؤلفاته
- كتاب “القانون في الطب”، وهو من أهم ما كتب في الطب.
- كتاب القولنج.
- كتاب الأدوية القلبية.
- رسالة في تشريح الأعضاء
- رسالة في الأغذية والأدوية.
من أقواله
“الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء”.
وفاته
توفي في همدان (وهي بلاد إيران حاليًا) سنة 427 هـ (1037م)، حيث أصابه المرض ليشفى اسبوعًا، ويمرض اسبوعًا، فمات وعنده 58 عامًا.
اقرأ أيضًا: