إن الحكم والأمثال الشعبية تمثل خلاصة تجارب الأمم والشعوب وتعكس حالة الناس بمختلف أطيافهم، وصورة صادقة عن آمالهم وتطلعاتهم واحتياجاتهم، فتأتي منسابة على ألسنتهم انسياب الماء في الوديان.
إن الأمثال والحكم الشعبية تنم عن ثقافة وتراكم خبرات يمر بها الناس ومعاناة لمصاعب الحياة التي يعيشونها، والحكم والأمثال أشد وقعًا في النفس من أي كلام آخر وبأية طريقة أخرى.
لذلك ضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال للناس في القرآن الكريم، ويجتمع في الحكم والأمثال أربعة أشياء لا تجتمع في غيرها أبدًا ألا وهي: جودة الكتابة، قمة البلاغة (خير الكلام ما قل ودل)، إصابة الهدف بأم عينه، إيجاز اللفظ ووضوح التعبير.
قصص بعض من الأمثال والحكم الشعبية
ولنذهب الآن معًا إلى حديقة الأمثال والحكم الشعبية نقطف من أزهارها ما نشتهي، ونختار أذكاها وأشهرها وأكثرها عبقًا ورائحة زكية تطرب عقولنا وتحفز الخيال، ونحكي قصة تلك الحكم والأمثال ونبحث في أصلها ولأي الأسباب تضرب:
1 – اللي استحوا ماتوا
هو من الأمثال والحكم الشعبية التي تضرب للتهكم من المواقف المخلة بالعادات والتقاليد وقلة الحياء، وباللهجة المصرية يقال (اللي اختشوا ماتوا)، وقصة هذا المثل هي أنه في أيام المماليك في مصر ولم تكن البيوت فيها حمامات، وقد انتشرت الحمامات العامة فذهبت ثلّة من السيدات إلى أحد الحمّامات العامة، وحدث أن اندلع حريق في ذلك الحمام الذي ذهبن إليه، فخرجت معظم النساء عاريات من الحمام للنجاة من الحريق، إلّا أن البعض من تلك النسوة الذين استحين من الخروج عاريات، وفضلن الموت على ذلك، ومن هنا جاء المثل الذي يقول (اللي استحوا ماتوا) أو (اللي اختشوا ماتوا).
2 – اختلط الحابل بالنايل
يضرب هذا المثل عند عدم امكانية الفصل بين الجيد والسيء في الأمور والتفريق بينهما، بسبب الجدال العقيم وقصة وأصل هذه الحكمة هي:
إن كلمة الحابل تعني الشخص الذي يقوم برمي الرماح في الحرب، والنابل هو الشخص الذي يقوم بتسديد السهام في الحرب أيضًا، وقد تعني كلمة الحابل الشخص الذي يقود الخيول والجمال بالحبال.
ويحكى أن أحد رعاة الأغنام عندما كان يقوم بالتفريق بين الأغنام التي في ضرعها حليب عن تلك التي لا يوجد في ضرعها حليب وذلك ليتم بيع تلك الأغنام، ويحدث في بعض الأحيان أن تختلط تلك الخرفان مع بعضها البعض فيقول الراعي عن تلك الحالة (اختلط الحابل بالنابل) وجرى على لسان العامة مجرى الأمثال والحكم الشعبية.
2 – بين حانا ومانا ضاعت لحانا
يضرب هذا المثل عند حصول تشتت بين اختيار أحد أمرين أو ضياع شيء ما، أما قصة هذا المثل فهي:
يحكى أن أحد الرجال قد تزوج من امرأتين في آن واحد وكانت الأولى تدعى حانا وكانت كبيرة في السن والثانية تدعى مانا وهي صغيرة في السن، وعندما كان يزور مانا تبدأ بنتف الشعر الأبيض من لحيته حتى لا يظهر الشيب فيها، وعندما يزور الأخرى حانا كانت تبدأ بنتف الشعر الأسود فيها حتى يشيب مثلها، وبعد مدة من الزمن نظر ذاك الرجل في المرآة فلم يعثر على أي أثرًا للشعر في لحيته لا شعر أبيض ولا شعر أسود فقال غاضبًا (بين حانا ومانا ضاعت لحانا) وبذلك أصبح يضرب به المثل.
3 – اللي ميعرفش يقول عدس