تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على أطفالنا .. السُم في العسل

لا أستطيع أن أتحدث عن أفلام الكارتون بدون أن أتحدث عن غياب القدوة، وقديمًا بفعل القدوة الصالحة كنا نعيش حقًا في رخاء أخلاقي، ولكن لما غابت تلك القدوة أصبح لزامًا علينا أن نتحدث عن إحدى نتائج غياب القدوة وهو موضوع تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على أبناءنا.

والفكرة الأساسية التي سوف نتخذها مدخلًا في الحديث عن تأثير أفلام الكارتون على أطفالنا، هي فكرة السُم في العسل، والتي مفادها أن تلك الأفلام لم تُنتج فقط لتمتع الأطفال، ولا لتُربح الأموال الطائلة، فبعض تلك الأفلام تخسر، ولكن ما وراء تلك الأفلام أكبر من مجرد تسلية أو ترفيه.

خطورة تأثير مشاهدة أفلام الكارتون

حساسية تلك المرحلة العمرية

فمرحلة الطفولة هي مرحلة الغرس لكل ما هو قد يكون جميلًا وقد يكون قبيحًا، فالطفولة مرحلة بناء لأساس الشخصية، والخمس سنين الأُولى هم الأخطر والأهم، وتخيل معي أن أغلب تلك الأفلام موجه لتلك المرحلة السنية، فبالطبع هم للأسف يشاركوننا في تربية أبناءنا دون أن نشعر، بل ومن خلال التسلية.

الإعداد المتقن

فتلك الأفلام ليست محضًا للصدفة، فلها فريق كبير يسهر الليالي الطوال كي يُظهر تلك الأفلام الكارتونية بأفضل صورة ممكنة، وبالطبع يُنفق الملايين من أجل أن يسوق لسلعته الرائجة بكل تأكيد، وقد يستعينون بأكبر المؤلفين الموسيقيين من أجل تأليف مقطوعات موسيقية لكل فيلم، وقد يقومون بالمونتاج بأكبر معامل لندن.

تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على أطفالنا .. السُم في العسل

مصدر التمويل

فرأس المال هو الملك في أي عملية تجارية وأفلام الكارتون عملية تجارية مربحة جدًا لأصحابها، وأصحابها لهم معتقدات وأفكار ومنهج يسيرون عليه، لذلك أنا أسأل قبل أن أقدم أفلام كارتون لابني من يمول هذا، وللأسف قد يكون الممول غير معروف أو قد يكون الممول من الباطن.

تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على أطفالنا .. السُم في العسل

غياب القدوة

بالطبع فبسبب غياب القدوة، اتجه الأبناء بشكل طبيعي ومنطقي للبحث عن قدوة أخرى، ويا لها من قدوة تلك الأفلام الكارتونية الجميلة والمسلية، والمُنفق عليها ملايين الجنيهات لكي تخرج في صورة يقبلها أي طفل، مهما كانت ميوله.

أفلام الكارتون قديمًا وحديثًا

قديمًا لم تكن أفلام الكارتون وراءها غطاء سياسي أو قومي أو ثقافي واضح، “وول ديزني” وهو رائد فن أفلام الكارتون ومن خلال دراستي لقصة حياته لم يكن فقط يريد سوى إبهاج وإسعاد الأطفال آنذاك، ولكن لما دخلت السياسية في كل شيء، صارت تلك الأفلام غزوًا ثقافيًا واضحًا.

كما أن أفلام الكارتون بدأت لدى الغرب ثم قام العرب بأسوأ وأخطر عملية غزو ثقافي عن طريق تلك الأفلام، للأسف هم قاموا “بدبلجتها” كما هي، فقط حولوا اللغة الإنجليزية لعربية فصحى، دون أن ينظروا أن تلك التجربة والمحتوى قد لا يناسبنا من الأساس.

بالإضافة للمحاولات العربية الهزيلة لصناعة أفلام كارتون عربية الصنع والفكرة والهدف، ولكن عندما يقارن الطفل بين الأفلام العربية والأجنبية فبالطبع تلك الأفلام الأجنبية هي التي تتفوق بكل تأكيد.

تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على طفلك

وفي خلال حديثنا عن أخطار تلك الأفلام الكارتونية على أبنائنا، سنتحدث لا عن العري والإثارة وهدم الأخلاق فقط، بل سيمتد حديثنا لما هو أبعد من ذلك، لكل جوانب شخصية الطفل.

تُعوده الفردية

وهذه هي أخطر ما في أفلام الكارتون، فلو بحثنا عن أهم أفلام الكارتون لوجدنا مثلًا “سبايدر مان – بات مان – سوبر مان – أيرون مان – طرزان” كلها قائمة على فكرة الرجل الواحد الخارق الذي يعمل بمفرده ولا يستعين بقدرات أحد، هم يقصدون هذا ويريدون لأبنائنا أن يصبحوا بتلك الأنانية والفردية.

تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على أطفالنا .. السُم في العسل

هم يعلمون خطورتنا عليهم، وأن خطورتنا هذه تتضاعف لو تجمعنا، حتى أن تلك الأفلام غير مُحتفى بها بدرجة كبيرة في الغرب كما هي في الشرق، كما أن تلك الأفلام بها من المبالغات بشأن تلك الشخصيات الخيالية، وهذا يذكرني فورًا بفكرة المُخلص التي ينشرها كثير من الملاحدة.

تهدم الأخلاق

فلا بد وأن نعترف أن الغرب له منظومة أخلاقية تختلف عنا كثيرًا، هم ليس لديهم مانع مثلًا من فكرة المصاحبة بين الشاب والفتاة قبل الزواج، ومن أمثلة ذلك كارتون ياباني مدبلج للعربية مشهور جدًا “اسمه عهد الأصدقاء”، فيه يدخل الذكور غرف نوم أصدقائهم البنات وينامون إلى جوارهن دون حياء.

تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على أطفالنا .. السُم في العسل

تهدم القومية والهوية

بالطبع فتلك الأفلام مرتبطة بكاملها بثقافة كاتبها والذي ينتمي إلى دولة بعينها، واتجاه عقائدي بعينه، لذلك هو بكل تأكيد يبث ما يخدم فكرته، هو يقوم بما يسمى بالثقافة الناعمة، والتي تحتل البلاد في عصرنا هذا، هو لا يستطيع المواجه بالسلاح ولكنه يجيد الاختراق بالثقافة.

تهدم عقيدته

فكثير من أفلام الكارتون مبني على فكرة تعدد الآلهة، ولو بصورة ضمنيه، فصانع الفيلم الكارتوني الفلاني لديه اعتقاد إلحادي فلاني، هو ببساطة يبث ذلك ألينا بشكل ضمني أو معلن، ضمن إطار مسلي للغاية يخدع الطفل والشاب البالغ، ومن ضمن تلك النوعية كارتون “وان بيس – نار وتو”.

تبث روح التمرد

بكل تأكيد فكل تلك الأفلام المليئة بروح التخريب والاعتراض على السلطة والقيم وعلى الحكومات، وعلى الناس عمومًا، بهدف إبراز القوة وبهدف عمل مشاهد تلفت الانتباه، فالطفل يُقلد بكل تأكيد تلك المشاهد، دون نظر لأي قيمة، وسجلت الأبحاث أن العند لدى الطفل مقترن بصورة كبيرة بمشاهدة أفلام الكارتون.

تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على أطفالنا .. السُم في العسل

تبث فيه روح الانتقام

فمثلًا فيلم مثل “بور رينجرز” يبث روح الانتقام بكل وضوح، فكل حلقة من المسلسل مبنية على أنه في بداية الحلقة يتعرض الأبطال الخارقون لمكيدة من الساحرة الشريرة، ثم في كل أحداث الحلقة يحاولون أن يدبروا لها مكيدة مقابلة، وأنا لا أقول لا تأخذ حقك، ولكن لا تجعل الانتقام لونًا لحياتك.

تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على أطفالنا .. السُم في العسل

تضعف من إرادته

هي للأسف تعود الطفل بالتدريج على إن انتصاراته في الحياة مرتبطة في المقام الأول بصفات وعلامات وقدرات خارقة خارج إرادته، كإخراج النار من بين يديه أو إطلاق الأسهم من بين أظافره، لذلك هي تُحبطه، لأنه مهما فعل لن يستطيع فعل تلك الأمور الخيالية، والطفل لا يميز كثيرًا بين الواقع والخيال.

تبقيه طفلًا

وهذا لاحظته بين الشباب البالغين، فهم لديهم حنين قاتل للماضي، ذلك الحنين يسميه المتخصصون “نكوصًا” للماضي والذي يمنع الشاب من الحركة ومن النجاح ويحرمه من الاستقلالية، لأنه من وجهة نظره ما زال مرتبطًا بالطفولة وخصالها، لذلك لن تجده مستقل عن أهله بوضوح، وتجده أقرب ما يكون للبكاء في مواجهته للمشكلات.

تجعله غير واقعي

فهي تمنحه أسبابًا غير واقعية للنجاح والقوة، ومن ضمن أمثلة أفلام الكارتون التي تدعو لذلك “البكيمون” هذه الكرة التي تفعل الكثير وتأتي بكل النجاحات، وتسيطر على الناس، وهذا أمر غير واقعي بالمرة فلكي تنجح لن يكفيك كل “بوكيمونات” العالم، ولكن النجاح يحتاج لبذل جهد وأخذ بالأسباب.

تهدم منظومة أخلاقه

بالطبع وهذا أقل ما فيها، فهي تبرز للطفل أشياء ليس أوانه أن يعلهما، ومن ضمن تلك الأفكار فكرة الزواج والغريزة والتي ظهرت في كثير من مقاطع كارتون “توم آند جيري”، والذي تعمد صانعوه أن يظهروا أنثى القط دائمًا في حلقاتهم بشكل مُغري وملفت للقط الذكر.

تتحكم فيه

وهذا رأيته في كثير من البيوت والعائلات، فالطفل يشترط على أمه أنه لن يتناول طعام الفطار إلا وهو يشاهد فيلم الكارتون الفلاني، أو أنه لن يذاكر الدرس الفلاني إلا بعد مشاهدة سبونج بوب مثلًا، لدرجة أن أحد الباحثين فرض أنه لو طلب سبونج بوب من الأطفال عدم الصلاة لفعلوا ذلك.

تؤثر على التواصل لديه

فهي أغلبها أفلام أجنبية باللغة الإنجليزية وتم دبلجتها للعربية، لذلك مخارج الحروف وحركة الشفاه فيها ليست منضبطة بالمرة، لذلك لدينا جيل غير قادر على الكلام بشكل منضبط ولديه عيوب كبيرة في التواصل، وغير قادر على إدارة حوار بشكل سليم لخمس دقائق متصلة.

تُعظم أشياء غير عظيمة

فالفأر مثلًا هو نموذج لأهم شخصيات الكارتون والتي من أمثالها “الفأر الطباخ – خلطبيطة بالصلصة” وأيضًا “ميكي ماوس”، كلها تعظم وتحبب الطفل في الفأر والذي هو في الشرع والمنطق شيء قذر وغير نظيف، ومعلوم جدًا قصة الفويسقة “الفئران” والتي تفسد علينا طعامنا.

تأثير مشاهدة أفلام الكارتون على أطفالنا .. السُم في العسل

تبث روح العنف والعدوان

مليئة بالمشاهد العنيفة والتي بها قتل وعدوان وعنف لذلك ليس من المنطقي أن نشكو بعد ذلك من انتشار العنف في مدارسنا ولا في بيوتنا، فنحن من منحناهم الفرصة لكي يتعلموا هذا بواسطة أفلام الكارتون.

ومهم جدًا أن تعلم أيها المربي أنه ليس من الذكاء أن تحرم ابنك تمامًا من أفلام الكارتون ولكن قننها له، فخصص عدد ساعات من وقتك لكي تقوم بفلترة قنوات الدش الخاصة بأفلام الكارتون، أو خصص له مجموعة منها وحملها على جهازك الشخصي لكي يشاهدها، وهذا أفضل بكثير من المنع النهائي.

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله