علينا أن ننظر بشكل موضوعي بعيدًا عن مشاعر الحب اتجاه القهوة فهل يمكن أن يكون فنجان من القهوة عبارة عن قنبلة موقوتة؟ كيف يمكن للذهب الأسود أن يتحول إلى ادمان القهوة وكيف يمكن له أن يؤثر علينا؟ وهل حان الوقت للتحرك؟
القهوة جزء أساسي من حياتي وحياة الجميع تقريبًا لكن الموضوعية مهمة مع مثل هذه الأشياء التي تعتبر مركز جدل فتختلف الروايات أحدهم ينظر إليها على أنها ماء الحياة والآخر يرتعد رعبًا منها كما لو كانت سم قاتل، لذا حان الوقت لقطع الشك باليقين والتحرك لعلاج الأمر إن وصل حد الإدمان.
قصة اكتشاف القهوة
تقول القصة: كان هناك راعي أغنام أثيوبي وكان يرعى أغنامه بشكل منتظم إلا أنه في إحدى المرات لاحظ على تلك الأغنام زيادة ملحوظة في النشاط فكانت تجري وتلعب وتقفز بسرعة ونشاط وهذا ما زاد فضور الراعي فلم يعتد هذا القدر من الحيوية على أغنامه.
فبدأ بالبحث بين الأعشاب التي كانت ترعى منها الأغنام فوجد نبتة ذات حبوب صغيرة الحجم شبه بيضوية لم يسبق له أن شاهدها يوم ولا يعرف ما هي وما تأثيرها لكنه وبشكل بديهي ربط بينها وبين ما أصاب الأغنام فكان لا بد من معرفة حقيقة الأمر.
فأخذ الراعي عينة من تلك النبتة الغريبة إلى الحكيم في قريته فشاهدها واستغرب أيضًا وهذا ما دفعه لتجريبها ففصل الحبات عن ساق النبتة والأوراق ووضعها في قدر من الفخار على النار ومن ثم أضاف القليل من الماء أغرب ما في الأمر هو تغير لون الماء وعندها شرب منه القليل لم يجد في بداية الأمر أي شيء غير مألوف لكن طعمه مميز.
لكن ما لاحظه فيما بعد كيف أن تناوله لمغلي هذه النبتة ساعده على البقاء مستيقظ في الليل وهو بكامل نشاطه يؤدي صلاته، وكان ذلك بمثابة دافع له حتى يستمر في البحث عن تأثيرها القهوة إلى أن وصلت لنا اليوم.
هذه القصة لا أحد يمكنه أن يثبت صحتها 100% لكن ما لا يمكن الشك فيه هو أن القهوة أصبحت من أساسيات الحياة فكم هائل من الفناجين يتم شربها يوميًا حول العالم وهي احتلت المرتبة الثانية بعد النفط وسميت بالذهب الأسود.
كيف يحدث ادمان القهوة ولماذا؟
توجد مادة ذات تأثير سحري في الجسم وتسمى الـ أدينوسين هذه المادة تتشكل خلال النهار وتنتقل إلى الدماغ فترتبط مع المستقبلات العصبية الموجودة هناك وهذا بالضبط ما يعد بداية الشعور بالنعاس ويزداد النعاس والحاجة للراحة والنوم مع زيادة كمية الأدينوسين المرتبطة بالمستقبلات العصبية إلى أن يحصل الجسم على القدر الكافي من النوم.
لكن للكافيين دور مختلف وماكر، فهو يتميز بتركيب يشبه إلى حد كبير تركيب جزيئات الأدينوسين فترتبط جزيئات الكافيين بالمستقبلات العصبية شاغلة مكان الأدينوسين فلا تجد جزيئاته مكان شاغر في المستقبلات وينتهي الأمر بزوالها.
لكن دور جزيئات الكافيين لا يقف هنا بل يبدأ بالظهور على حقيقته ويؤدي دوره في تنشيط الخلايا المُخية وتنشيط إفراز الدوبامين هذا الناقل العصبي الهام فيرفع من أداء القشرة المخية والمهام المعرفية والحركية للجسم ككل.
ومن هنا نجد أن إدمان القهوة ما هو إلا إدمان على الكافيين الذي يمنع عنا الشعور بالنعاس ويخفي الشعور بالتعب بالإضافة إلى زيادة ملحوظة في النشاط الفكري والحركي ولأننا نميل للحصول على الطاقة فإن الجسم يدمن القهوة والشاي على اعتبارها أغنى المواد بالكافيين بالإضافة إلى طعمها المميز ولا يمكن إطلاق مسمى إدمان إلا عند الإفراط في تناول القهوة.
أعراض الإدمان على الكافيين
بشكل عام لا يمكن اعتبار الشخص أنه مدمن على الكافيين لمجرد تناوله 3 – 4 أكواب من القهوة ولكن عندما يتحول الكافيين إلى خطر يؤثر بشكل سلبي على جسم الشخص وعلى تركيزه وأدائه بالإضافة إلى تعريضه لأخطار محتملة وبدون قدرة منه على التوقف أو حتى التقليل من كمية القهوة التي يشربها يوميًا يصبح الأمر إدمان رسميًا، والأعراض التالية يمكن أن تكون مؤشر على أهمية إعادة النظر في كمية القهوة وضرورة التحرك باتجاه الحد من ادمان القهوة.
1 – أرق واضطراب في النوم
ادمان القهوة وشربها حين يصل إلى حالة لا يمكن السيطرة عليها أي أنك تشرب كمية أكبر بكثير مما يحتاجه الجسم أي أنك تزود المستقبلات العصبية بقدر ضخم من جزيئات الكافيين الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على أداء الجسم فيختفي الشعور بالنعس والتعب بشكل مبالغ فيه ويظهر هذا بشكل أرق وعجز عن النوم وفي الصباح عندما يكون من الضروري التحلي بالنشاط لكنك تشعر بالتعب تعود للتناول المزيد من الكافيين مرة أخرى.
2 – الشعور بالنعاس أو الخمول في الصباح
حتى ولو لم تصل كمية الكافيين إلى الحد الذي يؤثر على النوم بشكل واضح لكن في حال كان لا تزال الكمية أكبر من حاجة الجسم بشكل كبير سيؤثر على كفاءة النوم وسيظهر بشكل استمرار النعاس في الصباح أو حتى عدم القدرة على القيام بالنشاطات المعتادة.
3 – المعاناة من التوتر والغضب
يمكن أن يترجم الجسم الكميات الزائدة من القهوة والحاجة للمزيد (إدمان القهوة) على شكل غضب وتوتر وعصبية بدون مبرر، بالإضافة إلى المزاجية وانتقال الحالة النفسية من مود إلى آخر بسرعة وبشكل مفاجئ، كما يمكن أن يظهر هذا العرض مع السابق بشكل عصبية في الصباح لا تنتهي إلا مع تناول القهوة.
4 – ارتفاع ضغط الدم
قد تؤثر الكميات القليلة من القهوة بالنسبة لبعض الأشخاص وتسبب زيادة في ضغط الدم بينما عند معظم الأشخاص الانتظام في شرب القهوة يخلق نوع من التوزان لضغط الدم، لكن يعود الأمر للوراء من جديد عند تخطي الكمية الطبيعية من الكافيين عندها يرتفع الضغط ويكون من المؤشرات الواضحة على الإدمان.
أسباب ادمان القهوة
توجد مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى تناول الكثير من القهوة ومن ثم الإدمان والأصح أن نقول إدمان الكافيين فهذه المادة الكيميائية هي صاحبة الدور الأكبر هنا ومن أهم الأسباب:
1 – شرب الكثير من القهوة
شرب الكثير من القهوة أي تزويد الجسم بالكثير من الكافين والأمر يصبح كما لو كان دوامة أي أن تناول الكثير منه سيؤدي إلى انخفاض شعور بالجسم بالتعب لكنه في حقيقية الأمر يعاني من التعب، وعندما يزول تأثير الكافيين في وقت لا يكون من الممكن الحصول على الراحة عندها يصبح من الضروري شرب المزيد من القهوة.
2 – ضغوط الحياة والعمل
لأن الكافيين من أكثر المواد قدرة على التنشيط وزيادة القدرة على القيام بالأعمال ولأن الضغوط الحياتية والمهام تأخذ بالازدياد والتراكم يكون اللجوء بشكل تلقائي إلى تناول القهوة أو الشاي فيصبح أكثر الأشياء ضرورة.
3 – عدم الحصول على الراحة
على عكس السبب الأول وهنا الشخص يشعر بالتعب إلا أنه قد لا يتمكن من الحصول على الراحة لسبب من الأسباب فيلجأ لشرب القهوة فيزيد النشاط ويدفع الجسم بدفعة قوية من الطاقة التي تنسيه التعب لكن فنجان القهوة الذي كان يفي بالغرض في بداية الأمر سيصبح فنجانين لإعطاء نفس التأثير وهكذا بازدياد تدريجي.
4 – سوء نوعية النوم
يمكن أن يكون الشخص قادر على النوم وينام عدد جيد من الساعات إلا أن نوعية النوم ليست جيدة كأن يكون السرير غير مريح أو الوسادة قاسية أو الإضاءة غير مناسبة لعمل الغدة الصنوبرية فهذا كله يؤدي إلى الاستيقاظ مع استمرار الشعور بالنعاس ويدفع الشخص لتناول الكثير والكثير من القهوة.
القهوة ليست بهذا السوء!
عند مقارنة ألية عمل الكافيين والكوكايين نجد أن القهوة ليست بهذا السوء فالكوكايين يعمل على تحفيز عمل القشرة المخية المسؤولة عن الشعور بالنشاط وفي الوقت نفسه يدمر ويقتل بقية الخلايا المخية وهذا ما يفسر الشعور المفرط والغير مألوف بالسعادة وعدم الوعي، بينما ما يقوم به الكافيين هو تنشيط الخلايا المخية وتحسين عملها بدون إلحاق أي أذى بالخلايا الأخرى بل هو يساعدها بتنشيط الدوبامين.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن القهوة تقدم للجسم كم هائل من الفوائد فيما يخص تحسين أداء وكفاءة الشخص بالإضافة إلى الوقاية من الكثير من الأمراض أهمها مرض باركنسون كونها تنشط الناقل العصبي الدوبامين وصولًا إلى حماية الجسم من بعض أنواع السرطانات وأمراض الكبد من التهاب أو تلف، ولا يمكن أن ننسى أهميتها في خفض نسبة الإصابة بالاكتئاب أو محاولة الانتحار.
تنظيم شرب القهوة
لا يمكن ولا يجب الامتناع عن تناول القهوة بشكل كلي لكن يمكن تنسيق تناولها وتنظيمه للحصول على الفوائد بدون الأضرار.
1 – الكمية القصوى من القهوة التي يمكن تناولها
الكمية القصوى التي يمكن تناولها من القهوة تختلف من شخص لآخر لكن بالمتوسط فإن هذه الكمية تتراوح بين الـ 3 – 4 أكواب أقل أو أكثر قليلًا، فلا يجب زيادتها حتى لا تبدأ آثار الكافيين الزائد بالظهور ويصبح الأمر أشبه بالإدمان.
أما عن سبب كون من الضروري التقيد بحدود الكمية هذه فهو للحماية من خطر تسمم الكافيين الذي يمكن أن يودي بالحياة فعلى سبيل المثال يمكن أن تتحول مادة الكافيين المفيدة إلى سم قاتل عند تناول بحدود الـ 75 فنجان قهوة أو 180 فنجان شاي في اليوم، طبعًا هذه الكمية خيالية لكن للأسف بعض الأشخاص قد يعمدون للاستمرار بتناول القهوة طوال اليوم بحكم عملهم أو حالتهم النفسية.
2 – تذكر كل مصادر الكافيين الخفية
قد تعتقد أن كوب القهوة أو الشاي الأحمر هما مصدر الكافيين الوحيد لكن إليك المفاجأة وهو الأشياء التي تقدم لك الكافيين لكن في الخفاء، وأهمها:
- القهوة منزوعة الكافيين “دي كاف” ويحتوي الكوب منها على 20 غرام كافيين بينما يحتوي الكوب من القهوة العادية على 100 غرام منه.
- المشروبات الغازية بمختلف أنواعها من الكولا والبرتقال الصودا وكريم الصودا.
- الشوكولا لأن الكافيين موجود بشكل طبيعي في الكاكاو.
- الآيس كريم كونها تحتوي على الشوكولا.
- الحبوب المخصصة لإنقاص الوزن كون الكافيين من منشطات حرق الدهون.
- أدوية تسكين الألم لأن الكافيين يرفع عتبة الشعور بالألم بالإضافة إلى أنه يعالج الصداع.
- مياه ومشروبات الطاقة.
- معطر الفم البخاخ وبعض أنواع العلكة.
3 – الحصول على تأثير الكافيين من مصادر صحية
في حال كنت تشعر بالنعاس مع تناول الكمية القصوى من القهوة فلا تعمد لتناول المزيد فقط عليك الحصول على التأثير ذاته من مصادر أخرى، وما هي هذه المصادر؟
أهمها تناول التفاح فتفاحة واحدة يمكن أن تعطي نشاط يعادل كوب قهوة فضلًا عن كونها أمنة تمامًا، أما إن كنت تشعر بالنعاس بدون توفر التفاح فيمكنك السير بشكل متواصل في أرجاء البيت مدة 5 – 10 دقائق فالنعاس سيزول، أو يمكنك غسيل الوجه بالمياه الباردة، كلها بدائل صحية عن الكافيين.
4 – الصيام عن الكافيين للحصول على الراحة
لأن إدمان الكافيين يؤدي إلى الحرمان من النوم والحرمان من النوم يسبب زيادة في الحاجة إلى الكافيين فيجب خلق فترات من الصيام عنه كأن تمتنع عن كل ما يحتوي هذه المادة خلال 5 – 6 ساعات قبل النوم، بهذا تضمن خروج الكافيين من الجسم للحصول على النوم، أو الامتناع عنه في يوم العطلة أو قبله حتى يشعر الجسم بالتعب الحقيقي الذي يعاني منه ويقر بحاجته للقليل من الراحة.
علاج ادمان القهوة
الأمور السابقة كانت لتنظيم تناول القهوة ولجعل الكمية القصوى كمية كافية أو أكثر من كافية، لكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من ادمان القهوة فيمكن لهم التخلص من هذا الخطر بالخطوات التالية:
1 – استبدال القهوة بـ قهوة بدون كافيين
أصبحت منتجات القهوة منزوعة الكافيين شديدة الانتشار وهي تقدم طعم قريب جدًا من القهوة إن لم يكن مطابق تمامًا لكن بدون الكم الهائل من الكافيين لذا فيمكن أن تكون بديل مناسب أو على الأقل في بداية الأمر إلى أن يتلاشى إدمان القهوة.
2 – التخلص من ادمان القهوة بشكل تدريجي
لا يمكن الانقطاع عن شرب القهوة بشكل مفاجئ لأن هذا في حالة الإدمان سيؤدي إلى ظهور أعراض انسحاب الكافيين لذا من الضروري اتخاذ قرار علاج ادمان القهوة لكن على أن يتم تنفيذه بشكل تدريجي.
3 – معرفة تاثير الكافيين على الجسم
صحيح أن للقهوة فوائد إلا أن الأمر لا يخلو من الأضرار أهمها ارتفاع ضغط الدم والقرحات المعدية بالإضافة إلى التوتر والغضب والقولون العصبي وغيرها لذا ومن خلال معرفة تأثير الكميات الزائدة منها عندها تلقائيًا سيبدأ الدماغ برفضها.
شخصيًا أشعر بالامتنان للقهوة فكانت مرافقة لي في أوقات حاجتي إليها حتى في إعداد هذا المقال ولن أتخلى عنها مهما كان لكن وفي الوقت نفسه لن أسمح لها بأن تتحول إلى خطر محدق… ماذا عنك؟
المزيد من الإدمان: