ما هو الاكتئاب المقنع وكيف يختلف عن الاكتئاب العادي المعروف؟

من الطبيعي أن تشعر بشيء من الحزن في بعض الأوقات أو أن تكون في حالة مزاجية سيئة لبعض الوقت وحتى دون سبب، ولكن أن تكون حزين معظم الوقت وبمزاج سيء في غالب الأحيان وبسبب ودون سبب فهذا ليس من الطبيعي وإنما قد يكون الاكتئاب بأنواعه ومنه الاكتئاب المقنع أحد آفات العصر اليوم الذي يفتك بالبشرية لأسباب كثيرة على الرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الخارق ومستوى الرفاهية الكبير الذي وصلت له البشرية في القرن الأخير وتوظيف كل الطاقات والإمكانيات التي توصل لها العلم في سبيل خدمة الإنسان ورفاهيته.

ما هو الاكتئاب المقنع وكيف يختلف عن الاكتئاب العادي المعروف؟

إلا إن هذا لم يصبح حتى الأن من الرفاهيات عندما نتحدث عن الجانب النفسي للفرد، مرتادي عيادات الطب النفسي تزداد أرقامهم باستمرار وبسرعة مخيفة، وتزداد هذه النسب في المجتمعات الأكثر تطورًا وتقدم عنها في المجتمعات النامية. لحسن الحظ فأنه من الممكن معالجة الاكتئاب إذا ما رغب المريض ويوجد عدة طرق لذلك.

ومعظم الأوساط الطبية اليوم باتت تتعامل مع الاكتئاب كمرض مزمن يحتاج لعلاج على المدى الطويل مثله مثل السكري وأمراض القلب التي تحتاج أيضًا علاجات طويلة الأمد. على الرغم من إن بعض مرضى الاكتئاب تظهر عليهم علامات التحسن في الأسابيع الأولى من بداية العلاج ولكن هذا لا يعني إنه لا يحتاجون لوقت طويل من العلاج بل حتى هؤلاء يتطلب الأمر معهم فترات طويلة من العلاج حتى الشفاء الكلي ومعاودة ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.

يمكنك الاطلاع على المزيد حول الاكتئاب من هذا الموضوع، أما في هذا المقال سنتطرق إلى ما بات يعرف بالاكتئاب المقنع والذي بشكل ما يعد أحد أنواع الاكتئاب التي تحصل للكثير من الأشخاص وشأنه شأن الاكتئاب العادي يمكن معالجته.

ما هو الاكتئاب المقنع

مصطلح الاكتئاب المقنع ما زال حتى الآن لا يعد من المصطلحات الطبية الرسمية، حيث بدأ تداوله في الأوساط الطبية ومن قبل بعض المختصين في السنوات الأخيرة للإشارة إلى المرضى الذين يعانون من مشاكل صحية ولا تظهر عليهم أي من علامات الاكتئاب المعروفة في مجال الطب النفسي.

ما يميز هذا النوع من الاكتئاب عن الاكتئاب التقليدي المعروف هو إنه من الصعب معرفة ما يحصل للشخص، حتى الشخص ذاته لا يعرف لما يمر بهذه الحالة ومن المعروف إنها ليست أعراض للاكتئاب. وإنما ما يعاني منه مصابوا هذه الحالة هو مشاكل صحية عضوية على شكل بعض الآلام والتعب والضعف العام والاضطرابات الجسدية والعصبية.

وعلى الرغم من الاكتئاب يعد من أكثر الأمراض النفسية انتشارًا في معظم دول العالم، إلا إنه يبقى الاكتئاب المقنع غير معروف لدى الكثيرين بما في ذلك بعض المختصين في مجال الطب والمعالجة النفسية؛ وهذا بسبب إن الاكتئاب المقنع لا تكون أعراضه نفسية ومزاجية كما الاكتئاب العادي ومازال حتى الآن يحتاج للكثير من البحث والتقصي والدراسات.

بعض المختصين يطلقون هذا المصطلح على الأشخاص الذين تظهر عليهم تغييرات مفاجئة ويحصل معهم تغيير مفاجئ وسريع في سلوكهم دون وجود أي أسباب تبرر مثل هذه التغييرات، فيصف الطبيب الحالة بأنها اكتئاب مقنع.

أعراض الاكتئاب المقنع

كما أسلفنا فأن غالب أعراض الاكتئاب المقنع تكون عضوية أكثرها منها نفسية ومزاجية، وفي الغالب مرضى الاكتئاب المقنع يرتادون عيادات أطباء الأمراض العضوية وليس الأمراض النفسية، ويمكن القول إن أعراض الاكتئاب المقنع مقسمة لقسمين الأعراض العضوية والأعراض النفسية.

الأعراض العضوية

  • أحد أكثر أعراض الاكتئاب المقنع شيوعًا والذي يعاني منها غالبية مرضاه هو التعب والإجهاد النفسي والبدني حتى بدون بذل أي مجهود وغالبًا يكون عند الاستيقاظ من النوم وبغض النظر عن عدد ساعات النوم.
  • تشمل الأعراض اضطرابات عضوية أخرى مثل فقدان الشهية مما يؤدي إلى مزيد من تفاقم الحالة الصحية والضعف العام.
  • أخرين قد تظهر عليهم الاضطرابات العضوية على شكل زيادة الشهية وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى زيادة الوزن.
  • بالنسبة للاضطرابات العضوية قد تشمل مشاكل صحية في البلعوم مثل التهابات أو تضخم وحتى صعوبة في البلع أحيانًا.
  • نوبات من الشعور بالبرد مع التعرق.
  • من المحتمل أن يشعر المريض بآلام في منطقة الصدر والقلب وينتابه حالة هلع من ذلك، ويعتقد بأن هذا دليل على حالة مرضية مصاب بها.
  • اضطرابات في النوم قد تشمل النوم المتقطع وعدم القدرة على النوم لفترات طويلة في الليل، وبالتالي قد يصحو المريض منتصف الليل ولا يتمكن من معاودة النوم، وقد يصل ذلك إلى حد الأرق وقلة النوم مما يساهم ذلك في المزيد من الإنهاك للمريض.
  • آلام في مناطق مختلفة من الجسم مثل العمود الفقري والظهر والكتفين والرقبة أو تشنجات عضلية دون أسباب واضحة لذلك.
  • التشنجات العضلية قد تكون على شكل آلام في الأطراف كراحتي اليدين والأصابع والقدمين وتمتد إلى عموم الجسم، إلا إنها نادرة الحدوث مع مرضى الاكتئاب المقنع.
  • في الحالات الأكثر تقدمًا من هذا النوع من الاكتئاب قد يصل الأمر إلى حد نوبات فقدان الوعي.

الأعراض النفسية

  • نوبات من القلق والتقلبات المزاجية غير المبررة.
  • العصبية المفرطة ونوبات من الغضب والإثارة غير الطبيعية.
  • نوبات من الضحك أو حتى البكاء أحيانًا غير المبرر.
  • تقلبات في الأفكار وصعوبة في التركيز.
  • عدم القدرة على الانخراط في علاقات طبيعية كما بالنسبة للأشخاص الأصحاء.
  • في حال الاكتئاب المقنع قد يجد المريض صعوبة في ممارسة حياته بشكل طبيعي، مثل الذهاب للعمل صباحًا أو حتى النهوض من السرير، أو الخروج من البيت.
  • كثرة المنامات والكوابيس المزعجة قد تكون أحد أعراض الاكتئاب المقنع.
  • مرضى الاكتئاب المقنع لا تخلو حالاتهم من حالة الكآبة والسوداوية التي تسيطر على مرضى الاكتئاب التقليدي.
  • من المحتمل أن يصبح مرضى الاكتئاب المقنع أشخاص عدائيين وسريعي الغضب، على الرغم من إنهم لم يكونوا كذلك في ماضيهم قبل المرض.
  • بعد نوبات غضبهم تلك يعودون ويندمون على تصرفاتهم مما يؤدي ذلك إلى مزيد من التدهور في حالاتهم النفسية.

ما هو الاكتئاب المقنع وكيف يختلف عن الاكتئاب العادي المعروف؟

أسباب هذا النوع من الاكتئاب

صحيح إن هذا النوع من الاكتئاب بشكل أو آخر يختلف عن الاكتئاب التقليدي المعروف، ولكن فيما يخص الأسباب لهذا النوع فهي تكاد تكون متشابهة مع الاكتئاب العادي والتي هي

  • في حال تعرض الشخص لإساءة أو أي من أشكال الأذى الجسدي أو النفسي يزيد من احتمالية تعرضه للاكتئاب.
  • بعض الأدوية والعقاقير الطبية من المحتمل أن تزيد فرص التعرض للاكتئاب مثل حاصرات بيتا وبعض المنشطات وأدوية أخرى، هذه الأدوية من الممكن أن تؤثر على عمل القلب وضغط الدم ومستوى هرمون السيروتونين في الجسم مما يؤدي إلى الاكتئاب.
  • العلاقات الاجتماعية الغير جيدة مع الأشخاص من حولنا من أكثر أسباب الاكتئاب والاكتئاب المقنع، وخاصة العلاقات التي تسبب لنا الأذى النفسي، من المحتمل أن تكون هذه العلاقات مع أفراد العائلة أو زملاء العمل أو الدراسة أو غير ذلك.
  • الصدمات النفسية التي يسببها موت عزيز أو قريب لنا أيضًا مما يؤدي إلى الاكتئاب المقنع.
  • العوامل الوراثية تلعب دور مهم أيضًا، فالعائلة التي لدى أحد أفرادها سابقة في الإصابة بالاكتئاب، تكون الأجيال المتعاقبة من هذه العائلة أكثر عرضة للاكتئاب وخاصة الاكتئاب المقنع حيث تلعب الجينات دور في ذلك.
  • الأحداث الكبيرة والرئيسية في حياة كل منا من المحتمل أن تسبب الاكتئاب المقنع حتى لو لم تكون هذه الأشياء سيئة أو حزينة. بعض الأطباء يقولون إنه حتى التخرج من الجامعة مثلًا أو الحصول على وظيفة جديدة أو الزواج أو الحصول على المولود الأول أو الطلاق أو خسارة تجارية قد يؤدي أي من هذه إلى الاكتئاب.
  • المشاكل الاجتماعية الأخرى التي يتعرض لها الشخص، كأن يكون منبوذ من المجموعة التي ينتمي لها أو سوء المعاملة من قبل زملاء العمل مثلًا.
  • قد يكون الاكتئاب بشكليه التقليدي والاكتئاب المقنع مترافق مع حالة مرضية يعاني منها الشخص، كأن يكون مصاب بمرض ما، مما يجعل الشخص في حالة نفسية تعيسة.
  • مدمني المخدرات والكحول هم أكثر عرضة للاكتئاب من غيرهم.

اقرأ أيضًا: القلق والخوف النفسي وكيفية التخلص منهما

آلية تطور الاكتئاب المقنع على الشخص المصاب

هذه الأسباب التي من الممكن أن يؤدي أي منها إلى الاكتئاب المقنع في الغالب لا تؤدي بشكل مباشر لظهور علامات الاكتئاب على الشخص وإنما يحتاج الأمر لفترة طويلة حتى تبدأ العلامات والأعراض بالظهور، مما يؤدي ذلك لاحقًا إلى صعوبة تحديد الأسباب التي أدت إلى الإصابة بالاكتئاب، في حال كانت الأسباب نتيجة صدمة نفسية أو أذى نفسي أو جسدي، وهذا بسبب مرور فترة طويلة بين المسبب وظهور الحالة المرضية والتي هي الاكتئاب.

تقول الإحصائيات إن نحو نصف مرضى الاكتئاب المقنع يحتاجون إلى نحو ستة أشهر على الأقل من بداية العلاج حتى الشفاء، في حين مرضى أخرين يحتاجون إلى نحو سنة من العلاج والبعض يحتاج إلى سنتين حتى خمس سنوات للشفاء الكلي.

أما الذين يلاحظ عليهم الشفاء الكلي من الاكتئاب فأن هذا لا يعد مطمئن كونه تبقى لديهم إمكانية عودة الانتكاسة عالية وقد تصل إلى نحو 20% من الذين يتعافون يعاودون الإصابة بعد فترة قصيرة أو طويلة تصل لسنوات. لذلك دائمًا ما يوصي الأطباء مرضاهم من هذا النوع بمتابعة حالاتهم النفسية بعناية والاستمرار بزيارة العيادة بين فترة وأخرى لضمان عدم انتكاستهم.

احتمالية الإصابة عند النساء أكثر منها عند الرجال

ما هو الاكتئاب المقنع وكيف يختلف عن الاكتئاب العادي المعروف؟

من الجدير بالذكر إنه دائمًا ما تكون نسبة الإصابة بأنواع الاكتئاب المختلفة عند النساء أعلى منها عند الرجل وتكاد تصل إلى الضعف في بعض المجتمعات، على الرغم من إن المرأة أكثر قدرة على التعبير عن حالاتها النفسية والمزاجية والشعورية من الرجل وأكثر تقبلًا للعلاج النفسي، في حين الرجل يكون أكثر ميلًا للصمت وكتم مشاعره وحالاته النفسية والوجدانية.

ويعتقد إن أسباب ذلك بسبب التكوين البيولوجي والنفسي للمرأة واختلافها عن الرجل، فالمرأة بطبيعتها أكثر حساسية على الصعيد النفسي والشعوري، وأكثر تأثرًا بالأحداث والمواقف التي تمر بها أيً تكن، في حين إن الرجل أكثر قدرة على الصمود والمقاومة فيما يتعلق بالجانب النفسي ومواجهة الصدمات والمواقف الكبيرة في الحياة. إضافة إلى العوامل البيولوجية الأخرى مثل التغييرات الهرمونية التي تحصل معها خلال فترات حياتها المختلفة، خلال الدورة الشهرية مثلًا وفترات الحمل والولادة.

أكثر الفترات الحياتية تعرضًا للاكتئاب

من المحتمل أن يتعرض الشخص سواء الرجل أو المرأة إلى الاكتئاب المقنع في أي مرحلة من حياته، ولكن تشير الدراسات إن المراحل التي يكون فيها الشخص في مرحلة النشاط والفعالية والإنتاج هي الأكثر احتمالية للتعرض لهذا النوع من الاكتئاب وكذلك الأنواع الأخرى، فالرجال عادة النسبة الأكبر منهم يصابون بالاكتئاب بين عمر 40 إلى 60 عام. بينما النساء غالبية حالة الإصابة لديهن تكون بين عمر 30 إلى 40 عام.

علاج الاكتئاب المقنع

بدايةً أهم خطوة في العلاج هي أن يكون المعالج أو الطبيب على دراية تامة بهذا النوع من الاكتئاب وأعراضه، لأنه كما أسلفنا الكثير من العاملين في هذا الحقل ليس لديهم المعلومات الوافية عن هذا النوع، وبالتالي عدم إلمام الطبيب المعالج بكل ما يخص الاكتئاب المقنع قد يزيد الأمور سوء على المريض ولن يستطيع الطبيب فهمه، المريض في هذا الحالة سيشعر إنه لا أحد قادر على فهمه واستيعابه وبالتالي تسوء حالته النفسية أكثر من الأول.

العلاج يشمل أولًا كافة أنواع الفحوص الطبية والمخبرية والتحاليل وصورة أشعة وتصوير للرأس لملاحظة أي تغيرات في الوظائف الطبيعية للجسم وكذلك عمل الدماغ والتأكد من خلوه من أي مشاكل. من الأفضل أن يكون العلاج بين متخصص في الأمراض العضوية وطبيب نفسي كونه كما قلنا معظم أعراض هذا الاكتئاب تكون عضوية أكثر منها نفسية.

ما هو الاكتئاب المقنع وكيف يختلف عن الاكتئاب العادي المعروف؟

بعد تشخيص كامل حالة المريض النفسية والجسدية يتم استخدام نوعي العلاج مضادات الاكتئاب والعقاقير الطبية الأخرى لمواجهة الأعراض العضوية للاكتئاب، في كثير من الأحيان يؤدي الاكتئاب المقنع إلى تفاقم حالة مرضية أخرى يعاني منها المريض، لذا العناية والمتابعة الطبية ضرورية طيلة فترة العلاج.

يذكر إنه من الممكن أن يدفع الاكتئاب الشخص إلى الرغبة في الانتحار والإقدام على ذلك فعلًا، لذا لا بد للطبيب المعالج من الأخذ بالاعتبار هذه الأمر منذ بداية العلاج، وكذلك عائلة المريض أو الأشخاص المحيطين به وخاصة في نوبات الغضب أو القلق والتوتر الشديد، والانتباه للمريض بعناية. وكذلك على الأشخاص المحيطين به مساعدته خلال فترة العلاج على مواصلة المعالجة وتشجيعه على ذلك بشتى الطرق لأن طول فترة العلاج قد تدفعه إلى الملل وبالتالي محاولته ترك المعالجة.

وبذلك نكون قد تطرقنا إلى كل ما يخص الاكتئاب المقنع من الأسباب والأعراض والعلاج وطرق تطور المرض عند المصاب به، ويذكر إنه حتى الآن هذا النوع من الاكتئاب يحتاج لمزيد من البحث والدراسة والتقصي لمعرفة ماهيته أكثر وبالتالي تمكين المختصين من التعامل معه بفعالية وكفاءة أكثر.

قد يهمك أيضًا: 

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله