اكتئاب ما بعد الولادة … كل ما تحتاج معرفته

على الرغم من الآلام الجسدية والنفسية التي تسببها تجربة الولادة، إلا أنها تجربة مبهجة لا تُنسى، ومع هذا تعاني الكثير من النساء بعد الولادة من كثرة البكاء، والتقلبات المزاجية الحادة، واضطرابات عاطفية، حتى ولو كانت محاطة بعائلة وزوج داعم، إلا أن هذه المشاعر طبيعية وتعاني منها معظم الأمهات نتيجة الهبوط المفاجئ في هرمون الإستروجين، والشعور بزيادة المسؤولية، وسرعان ماتزول هذه الأحاسيس تلقائيًا بعد مرور أسبوع من الولادة.

لكن في بعض الأحيان تزداد حدة هذه المشاعر وتستمر لأكثر من 4 أسابيع، ويرافقها اضطرابات نفسية عنيفة، وعدم القدرة على النوم، حيث تشعر الأم بعدم وجود رابط عاطفي بينها وبين طفلها، مما يؤثر سلبًا على حياتها، هنا يجب عدم الخلط ما بين كآبة الأمومة الطبيعية واكتئاب ما بعد الولادة.

ما هو الفرق بين اكتئاب ما بعد الولادة وكآبة الأمومة؟

من الضروري جدًا التفريق بين اكتئاب ما بعد الولادة وكآبة الأمومة، فكآبة الأمومة هي مرحلة طبيعية تمر بها جميع الإناث خلال الأسابيع الأولى بعد الولادة، وتظهر عليها مجموعة من الأعراض تتمثل فيما يلي: العصبية والتهيج، تقلب المزاج، القلق والتوتر، الارتباك، البكاء من غير سبب، إلا أن هذه الأعراض تبدأ بالتلاشي خلال الأسبوع الثاني من الولادة دون الحاجة إلى تلقي العلاج، ويعود السبب الرئيسي للإصابة بكآبة الأمومة هو تغير في مستوى الهرمونات لدى الأم، وتستطيع الأم خلال هذه الفترة القيام بأعمالها اليومية بشكل سليم.

أما في حال استمرار هذه الأعراض وتجاوزها الفترة المذكورة أعلاه وتفاقمها، فإن ذلك قد يدل على الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، في هذه الحالة يُنصح بالتوجه مباشرة إلى الطبيب المختص حتى يقوم بتشخيص الحالة ومدى شدتها، ليصف العلاج المناسب، ومن الجدير بالذكر أن اكتئاب مابعد الولادة هو اضطراب نفسي أكثر خطورة، بحاجة إلى علاج مستمر ولمدة زمنية أطول، على عكس كآبة الأمومة التي تختفي أعراضها من تلقاء نفسها خلال مدة زمنية قصيرة.


أعراض اكتئاب ما بعد الولادة

تعاني بعض الأمهات بعد إنجاب مولودها من أعراض تجعلها بحالة نفسية غير مستقرة، وغير قادرة على القيام بمهامها الطبيعية، تعرف على أسباب اكتئاب ما بعد الولادة.

تبدأ أعراض اكتئاب ما بعد الولادة بالظهور خلال الأشهر الأولى بعد الولادة، وتتشابه إلى حد كبير مع أعراض الاكتئاب الأخرى التي ليس لها علاقة بالحمل والولادة، أبرز هذه الأعراض:

  • التقلبات المزاجية وتدهورها نحو الأسوأ.
  • شعور الأم باللامبالاة تجاه مولودها، وعدم رغبتها بالاقتراب منه بسبب شعورها بكونه السبب فيما تشعر به.
  • الشعور بالحزن والفراغ.
  • العصبية الزائدة.
  • الخمول والشعور بالإرهاق.
  • الشعور بالذنب وعدم التقدير الذاتي.
  • الشعور بآلام في الظهر.
  • الصداع.
  • الهروب من الواقع والرغبة بالانعزال.
  • التفكير بالانتحار في الحالات الشديدة.

أعراض أخرى لاكتئاب ما بعد الولادة:

  • زيادة الوزن أو نقصانه والشعور بفقدان الشهية.
  • حدوث اضطرابات في ساعات النوم، فقد تفرط الأم بالنوم، أو تفقد استطاعتها على النوم بشكل طبيعي.
  • نسيان بعض الأشياء.
  • اضطرابات في المعدة.
  • ألم في العضلات.
  • تجنب اللقاءات والمناسبات الاجتماعية.
  • الشك المستمر بقدرتها على الاعتناء الجيد بطفلها.

أسباب اكتئاب ما بعد الولادة

تعاني بعض الأمهات بعد إنجاب مولودها من أعراض تجعلها بحالة نفسية غير مستقرة، وغير قادرة على القيام بمهامها الطبيعية، تعرف على أسباب اكتئاب ما بعد الولادة.

هناك أسباب عديدة تؤدي إلى اكتئاب ما بعد الولادة، تختلف باختلاف الحالة، وبشكل عام يجد الطب أن الكيمياء العصبية، والهرمونات، والسجل الطبي للحالة، تلعب دورًا رئيسيًا في الإصابة به، فمن المعروف أن هرمون البروجستيرون وهرمون الإستروجين، يكونا في أعلى مستوياتهم خلال فترة الحمل، ويعودان إلى مستواهم الطبيعي في غضون 24 ساعة من الولادة، مما قد يسبب اكتئاب ما بعد الولادة نتيجة  هذا التغير المفاجئ، وهناك أيضًا أسباب أخرى تلعب دورًا هامًا في ظهور اكتئاب ما بعد الولادة، منها:

  • التعرض لاكتئاب سابق نتيجة التغيرات الجسدية التي تحدث أثناء الحمل.
  • حدوث اكتئاب ما بعد الولادة في حمل سابق.
  • قصور الغدة الدرقية.
  • فرط نشاط الغدة الدرقية.
  • الإصابة بالقلق والتوتر.
  • مشاكل خلال الحمل مثل: إنجاب طفل مصاب بتشوهات خلقية، أو الولادة المبكرة.
  • المعاناة من الصعوبات المادية.
  • عدم توفر الدعم من قبل العائلة والأصدقاء.
  • وجود تاريخ عائلي للإصابة بأحد أنواع الاكتئاب مثل: اضطراب ثنائي القطب، واضطراب الأحكام، والاكتئاب الانفصامي.
  • الأمراض الصحية التي قد تتعرض لها الأم بعد الولادة مثل: السلس البولي، والتغير في معدلات الأيض، وفقر الدم، وتغير ضغط الدم.
  • إيجاد صعوبات في الرضاعة الطبيعية.
  • العمر أيضًا يلعب دورًا هامًا في اكتئاب ما بعد الولادة، فالنساء اللواتي عمرهن يقل عن 20 عامًا معرضين أكثر من غيرهم للإصابة به.
  • حصول حمل غير مخطط له.
  • الإدمان على المشروبات الكحولية.

من الضروري التنويه إلى عدم وجود رابط بين اكتئاب ما بعد الولادة وطريقة الولادة، أو الإرضاع، أو جنس المولود.


مضاعفات اكتئاب ما بعد الولادة

الإصابة بالذهان

يعتبر ذهان ما بعد الولادة من أشد الاضطرابات النفسية وهو مرض نادر الحدوث، وتبدأ أعراضه بالظهور خلال 3 أيام بعد الولادة، حيث يظهر على شكل نوبة من نوبات اضطراب ثنائي القطب، ومن أبرز أعراضه: التوتر، والارتباك، والمزاج الحاد، وشرود الذهن، والأوهام التي تدور غالبًا حول المولود، وقد تصاب الأم بهلوسات تجعلها تسمع أشياء غير موجودة تحثها على إيذاء نفسها أو إيذاء طفلها، ويتطلب الذهان التدخل الطبي فورًا، وغالبًا يتم تلقي العلاج في المُستشفى، حيث يقوم الطبيب بإعطاء المريضة عدة أدوية مضادة للذهان وأدوية تساعد في السيطرة على المزاج، وأدوية البنزوديازيبينات، وفي حال عدم إيجاد جدوى من هذه العلاجات يلجأ الطبيب إلى العلاج الكهربائي.

الانفصام العقلي

حيث تعاني النساء اللواتي يصبن بالانفصام العقلي، من الشعور بالارتباك وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، ويعانون من تعثلم في الكلام، وتظهر عليهم سلوكيات غير منتظمة، مما يعيق قدرتهم على إدارة حياتهم بشكل سليم.

الهوس الاكتئابي

والذي يعرف  باضطراب ثنائي القطب، وهو عبارة عن اضطراب نفسي حاد، يسبب تقلبات في المزاج وتغير في الأنماط السلوكية، ويتميز هذا النوع من الاكتئاب بمجموعة من الأعراض الأولية تشمل: ارتفاع الثقة بالنفس، زيادة التفاؤل، السعادة المبالغ بها من غير سبب، الكلام السريع، فرط النشاط الجسدي، رغبة جنسية شديدة، الانفعالات العدوانية، عدم القدرة على التركيز، المبالغة في إسراف الأموال.

أما الأعراض التي تبدأ بالظهور في المرحلة الثانية تشمل: الحزن الشديد، فقدان الشهية، الشعور بالتعب وفقدان الطاقة، عدم القدرة على التركيز، القلق والعصبية، الشعور بالذنب من غير سبب، التفكير بالانتحار، فقدان المتعة.


كيفية تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة

يجري عادة تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة من خلال إجراء محادثة بين الأم وطبيبها، يتم من خلالها استيضاح مشاعرها تجاه المولود وتجاه نفسها، حيث يستطيع من خلالها معرفة الأمور التالية:

  • وجود أفكار بخصوص إيذاء الذات أو المولود.
  • الشعور باللامبالاة.
  • الإحساس بالذنب، والشعور بالتقصير تجاه طفلها من غير سبب.
  • فقدان المتعة بالأنشطة اليومية.
  • عدم القدرة على التواصل مع الأشخاص والبيئة المحيطة.

علاج اكتئاب ما بعد الولادة

توجد مجموعة من الأدوية التي يمكن وصفها في علاج اكتئاب من قبل الطبيب المختص، حيث يتم صرف العلاج المناسب استنادًا إلى الأعراض الجانبية التي يحدثها، وما إذا كانت الأم تقوم بالرضاعة الطبيعية أم لا، وذلك لأن جميع الأدوية المضادة للاكتئاب تنتقل إلى حليب الأم.

يبدأ الطبيب بإعطاء الأم نصف الجرعة المعتادة، ثم يقوم بزيادتها بشكل تدريجي، وينصح باستكمال العلاج لفترة لا تقل عن 6 أشهر، وذلك لمنع حصول الاكتئاب من جديد، وفي حال عدم الاستجابة للدواء خلال هذه الفترة، لابد من الذهاب إلى المعالج النفسي والقيام باستشارته، حتى يقوم بتحديد العلاج المناسب لوضع المريضة، والذي قد يتضمن مايلي:

  • المعالجة الدوائية: عن طريق إعطاء مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية، والسيرترالين وهو دواء ينصح به أثناء فترة الرضاعة الطبيعية.
  • العلاج بالصدمات الكهربائية: ويتميز هذا العلاج بسرعة فعاليته، واحتمالات الشفاء فيه مرتفعة، حيث تحتاج حالة المريضة من 2 إلى 3 أشهر حتى تتحسن.
  • العلاج الهرموني: كما ذكرنا سابقًا فإن مستويات هرمون الإستروجين تنخفض بشكل كبير بعد الولادة وتعود إلى مستوياتها الطبيعية، الأمر الذي قد يكون سببًا في حدوث اكتئاب ما بعد الولادة، لذلك يلجأ الطبيب إلى وصف بدائل هرمون الإستروجين إلى جانب أدوية الاكتئاب.
  • العلاج النفسي: والذي يقوم على إجراء جلسات مع المعالج النفسي، وإجراء محادثات معه وجهًا لوجه، والتعاون معه على إيجاد طرق وضوابط سليمة للتعامل مع المشاعر والعواطف الشخصية، والتفاعل مع المواقف بإيجابية، والابتعاد عن الإحباط.
  • العلاج المعرفي السلوكي: الذي يمكن من خلاله السيطرة على السلوكيات وتغيير السلبي منها، والعلاج النفسي التفاعلي الذي يمكن من خلاله تجاوز المشكلات الشخصية والعمل على حلها.

هل لأدوية مضادات الاكتئاب آثار جانبية؟

تعتبر أدوية مضادات الاكتئاب الحديثة آمنة نسبيًا، قد تسبب الشعور بالغثيان، والصداع، وجفاف بالفم، والحاجة الدائمة للنوم، أو ازدياد القلق، لكن هذه الأعراض تظهر في الأسابيع الأولى من تناول هذه الأدوية، وتتلاشى مع مرور الوقت بشكل تدريجي، كما أن أغلب مضادات الاكتئاب لا تؤثر على الرضاعة الطبيعية، لاكن لابد من إعلام الطبيب المختص الذي يصف لك العلاج بالطريقة التي ستقومين إرضاع طفلك بها.

ملاحظة: تتعرض بعض النساء لمجموعة من الآثار الجانبية عندما تتوقف عن تناول هذه الأدوية، ولهذا ينصح بتقليل الجرعة تدريجيًا.


اكتئاب ما بعد الولادة عند الرجال

أسباب اكتئاب ما بعد الولادة عند الرجال وطرق علاجه.

قد يستغرب بعض الأشخاص من أن الرجال أيضًا يعانون من اكتئاب ما بعد الولادة، إلا أن هذا الأمر حقيقة، حيث تظهر علامات اكتئاب ما بعد الولادة عند الرجال بعد 3 إلى 6 أشهر من الولادة، ومن الجدير بالذكر أن الأعراض تتشابه إلى حد كبير مع الأعراض التي تعاني منها النساء بعد الولادة والتي تتضمن: الانفعالية الزائدة، الحزن الشديد، القلق، فقدان الشهية، عدم القدرة على النوم وغيرها من الأعراض، ويعود ذلك لأسباب عديدة منها: وجود تاريخ عائلي للإصابة بهذا المرض، عدم الحصول على الاهتمام من قبل الزوجة نتيجة توجيه اهتمامها بالكامل لطفلها، عدم الحصول على الراحة أثناء النوم نتيجة استمرار الطفل بالبكاء، مواجهة صعوبات مادية.

وكما هو الحال للنساء، ينصح الرجال الذين يعانون من اكتئاب ما بعد الولادة، بالتوجه إلى الطبيب المختص، وتلقي العلاج المناسب.


نصائح يمكنك اتباعها خلال فترة اكتئاب ما بعد الولادة

  • إلى جانب العلاجات الدوائية التي ذكرناها، هناك مجموعة من النصائح والضوابط التي يمكنك اتباعها، والتي تساعدك في التخفيف من حدة الأعراض، منها:
  • اتباع نظام صحي يشمل أنظمة غذائية تحتوي على كافة العناصر الضرورية للأم، خاصةً أنها تفقد الكثير من الفيتامينات والمعادن خلال فترة الحمل.
  • ممارسة التمارين الرياضية التي تساعد في القضاء على التوتر والطاقة السلبية مثل: رياضة المشي، واليوغا، والتأمل.
  • الحصول على قسط كاف من الراحة، ومحاولة النوم لساعات كافية.
  • الحرص على قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء الذين يشعرونك بالتفاؤل والسعادة.
  • تخصيص وقت للعناية بالذات والاستمتاع.
  • الابتعاد عن العزلة.
  • الاستعانة بالأصدقاء والأقارب، ووسائل التواصل الاجتماعي، والكتب التثقيفية، للحصول على معلومات حول الرعاية المناسبة للطفل، وتعلم المهارات التي تساعد في جعل الطفل ينام بشكل أسرع، مما يخفف من بكائه ويتيح للأم وقت للراحة والاسترخاء.
  • التحدث مع الأمهات الأخريات حول التجارب والمشاعر المشتركة.

نصائح للوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة

إن المرأة التي تعرضت للاكتئاب في مرحلة سابقة من مراحل عمرها، أو تناولت الأدوية المضادة للاكتئاب، تكون أكثر عرضة من غيرها للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، لذلك يجب عليها بمجرد التخطيط للحمل أن تقوم بإعلام طبيبها بذلك، حتى يتمكن من وضع خطة وقائية لها لتجنب إصابتها باكتئاب ما بعد الولادة، وتنقسم هذه الخطة إلى مرحلتين:

  • مرحلة فترة الحمل: حيث يطلب الطبيب من الأم القيام بتعبئة استبيان، للتعرف على كافة المعلومات التي يكون بحاجة لها حتى يتمكن من مراقبة الحالة عن قرب، والتدخل الفوري في حال البدء بظهور أية أعراض، كما يمكن أن يلجأ الطبيب إلى وصف أدوية مضادة للاكتئاب خلال فترة الحمل إذا تطلب الأمر.
  • مرحلة ما بعد الولادة: حيث يقوم الطبيب بإجراء بعض الفحوصات التي تساعد في الكشف المبكر عن أعراض الاكتئاب في حال وجودها، لأن الكشف المبكر عن اكتئاب ما بعد الولادة يساعد في تعجيل الاستجابة للعلاج، وعدم تدهور الحالة.
شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله