لعل السبب الأهم لانتشار أفلام السينما وتأثيرها في الشباب والكبار هو غياب التربية بمفهومها الشامل، فالشباب للأسف في ظل غياب القدوة حاولوا البحث مرارًا وتكرارًا عن قدوة بديلة ولم يجدوا سوى أبطال ونجوم أفلام السينما.
لن نتحدث كثيرًا في مقالتنا هذه عن أضرار أفلام السينما التقليدية والتي تم استهلاكها، والتي منها الُعري وإثارة الفواحش والرذيلة، فالأمر أخطر من ذلك، ولكننا سنتحدث عن الأضرار النفسية والتربوية والعقائدية والتعليمية أيضًا.
ومهم جدًا أن تعلم عزيزي القارئ أن تلك الأفلام في المقام الأول صناعة، لها ممولون ولهم وجهة نظر فيما يقدم، ورأس المال في الغالب مُوجَه ومعبر عن فكر صاحبه، لذلك نحن لا نشاهد أفلام سينما، ولكن الحقيقة أننا نشاهد وجهة نظر ممولة ومحملة برسائل ضمنية.
بداية أفلام السينما
بدأت أفلام السينما في الغرب أولًا فيما يعرف بالسينما الصامتة، ثم تطورت وتم إضافة الصوت لها فأصبحت معبرة أكثر، ثم انتقلت لجميع دول العالم العربي والغربي، ثم تطورت تقنيات الكاميرات المستخدمة في التصوير فأصبحنا نشاهد الأفلام ملونة بالصوت والصورة.
والأفلام قديما أراد صانعوها أن يقدموا محض تسلية لشعوبهم، ولكنهم لما وجدوا أن تلك السلعة رائجة جدا لهذه الدرجة قرروا أن يستخدموها، لفرض سياسات معينة على مناطق معينة في العالم، أو لإبراز ما لديهم من قدرات علمية وذلك في أفلام الخيال العلمي.
مما تتكون أفلام السينما
تتكون أفلام السينما في الغالب من فكرة يتم كتابتها من خلال قصة وسيناريو وحوار، ثم ممثلون يقومون بأداء الأدوار المكتوبة لهم، ومخرج ومونتير ومصورين وطاقم للإدارة، كل هذا يموله منتج معه الكثير من المال، وله وجهة نظر في الغالب تسير على كل من معه.
وهنا مربط الفرس كما يقول بعض السذج يعتبرون الأفلام هي محض تسلية ولكن الحقيقة أنها موجهة لخدمة فكرة بعينها وللأسف عن طريق تلك الأفلام يتم تمرير الكثير من الأفكار والمعلومات للمتلقي وهو لا يدري، لأنه ساعتها يكون إما مفتوح العقل أو مفتوح الفم من فرط الكوميديا التي يشاهدها.
لماذا نشاهد أفلام السينما
الفراغ
ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فمن يعيش في تلك الدنيا بلا هدف يسعى لتحقيقه، وبلا رؤية أو قيمة يسعى من أجل إرساءها يصير ضعيف جدًا، ويسهل استهواءه ببعض الأفلام أو الأغاني، وبالطبع يكون عرض أكثر من غيره لأن يتأثر بتلك الأفلام.
غياب الرقابة
غياب الرقابة الوالدية والمجتمعية، فالأب أو الأم الذين يتركون الحبل على الغارب لأبنائهم لفعلوا ما يحلوا لهم، يصحون في يوم من الأيام من غفلتهم وابنهم تعلم البلطجة أو شرب المخدرات بأنواعها.
النجوم وضوئهم وشهرتهم
عناصر الإبهار المبالغ فيها من قبل منتج العمل، ونجوم المسلسل أو الفيلم الفلاني، وفكرة تلميع النجم ليظهر على أنه بطل، فالمخرج يجتهد لكي يظهر البطل الفلاني تقريبًا بلا عيوب، حتى لو كان يمثل دور بلطجي، تجده للأسف يظهر كما أقول “بلطجي لايت”، بمعنى بلطجي تتعاطف معه وتحبه وتقلده.
تنوع موضوعاتها للغاية
تلك الأفلام متنوعة للغاية، مع أنها في الآونة الأخيرة انحصرت موجة تلك الأفلام في لون واحد وهو اللون الشعبي “البلطجي”، وبالطبع هو لو رائج جدًا، فالمنتج يعلم جيدًا أن زبائنه من المناطق الشعبية هم من لديهم المال ليذهبوا للسينما، لذلك الأفلام الشعبية هي الأكثر انتشارًا.
هل أفلام السينما لها تأثيرات إيجابية
لو كان لأفلام السينما تأثيرًا إيجابيًا لاستعان بها المربون، والحقيقة أن المربون يستعينون ببعض الأفلام المصورة والتعليمية، أما فكرة أنك تشاهد فيلم أكشن للممثل الفلاني فتتعظ لتعلم آثار البلطجة فتترك البلطجة، فهذا لا يحدث مطلقًا فنحن نتعلم البلطجة من تلك الأفلام.
حتى ولو كان لأفلام السينما بعض الحسنات، فتلك الحسنات يذهب تأثيرها فورًا بسبب أن من يقدم فيلمًا معينًا يقدم فكرة مفيدة وسط عشرات الأفكار المضرة والسلبية والمهيجة، لذلك في الغالب لا تؤثر فينا تلك الأفكار الإيجابية.
تأثيرات أفلام السينما النفسية والتربوية
تهدم فكرة القدوة
فالفكرة الأساسية في كل الأفلام السينمائية، هي التوحد مع شخصية البطل أيًا ما كان الدور الذي يُجسده، لو كان مربيًا أو لو كان بلطجيًا، أو عاهرة تبيع جسدها بأرخص الأثمان، أو قواد يتاجر في أعراض النساء، وهي بهذا تقدم لنا تلك النماذج بشكل جميل ومبهر يدعوا للاقتداء بها.
أما الشخصيات المحترمة كالمعلم أو التاجر الصدوق أو المؤدب ففي الغالب يظهرونه في شكل هزيل مغلوب على أمره، ويعاني الأمرين في الدنيا وفقير للغاية أو ينتقون أسوأ الممثلين لتشخيص تلك الشخصيات الصالحة.
ولا ينبغي أن ننسى أن نذكر أن أحد أهم الأفلام التي تناولت شخصية المعلم الأزهري، بشكل جميل وموضوعي وراقي أيضًا، فيلم الشيخ حسن، ومشاهدة ممتعة من خلال هذا الرابط التالي.
https://youtu.be/gU2dzwNipbk
تمحو الهوية
فأغلب الأفلام وتحديدًا الحديث مأخوذ عن قصص غربية، لثقافات لا تناسبنا البتة، بل وفي بعض الأحيان بعض الكتاب، يقدم تلك القصة ويضيف إليها بعض الطابع العربي الشرقي، ليدلس علينا ويغزوا ثقافتنا ويقدم إلينا تلك الثقافات على أنها عربية.
تضخم من ثقافة بعينها
وأكثر الدول التي تفعل هذا هي أمريكا، والتي تقدم لنا في العام عشرات بل مئات من الأفلام، لتقدم لنا جوانب قوتها، ومدى تقدمها العلمي، وما لديها من جيوش جرارة، وبالطبع هم يفخمون ويضخمون من الأنا الأمريكية، ويظهرون أبطال تلك الأفلام على أنهم أناس لا يقهرون البتة.
تبعدك عن الواقع
باعتبار أن تلك الأفلام هي وجهة نظر كاتب أو منتج بعينه أو حتى مخرج، فهم في الغالب يتناولون جزء من الواقع، ويقدموا لنا وجبة غير واقعية تمامًا، فأغلب الأفلام العاطفية الرومانسية، تتحدث عن الحب على أنه المؤهل الوحيد للزواج، والحقيقة غير ذلك، فالزواج ليس حب فقط بل مسؤولية كبيرة جدًا.
تجعلك سلبي في الغالب
فكرة أنك تشاهد الفيلم الفلاني بادعاء أن هذا سيغيرك، من الهراء، فالحقيقة أن تلك الأفلام تجعل منك سلبيًا في كثير من المواقف، فكل الأفلام مبنية على فكرة الأنانية الكاملة والمصلحة المادية الصرفة، ولا نصيب للمشاعر بتاتًا.
حتى أن هناك فيلم مشهور جدًا، اسمه فقط يدعوا للسلبية والهروب من الواقع، وهو فيلم “جعلوني مجرمًا”، والحقيقة أنه لا يملك أحدًا أن يجعل أحدًا مجرمًا، ولكن الحقيقة أن كل شخص مسؤول عن تصرفاته وعن مصيره، وذلك مقطع لستيفن كوفي يوضح فيه مسؤوليتنا عن سلوكياتنا.
تبث روح الانتقام
والكثير من الأفلام التي فعلت هذا، منها فيلم أقوى الرجال، والذي يبث فكرة الانتقام بقوة في صدور من يشاهدونه، والحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم من ضمن ما كان يدعوا قوله “واسلل سخيمة صدري”، فنار الانتقام في الغالب تحرمك من التركيز على هدفك والنجاح في تحقيقه.
دمرت التعليم
ولعل المسرحية الأشهر في تاريخ المسرح العربي، هي “مدرسة المشاغبين”، والتي ساهمت في إبادة جيل بأكمله وقدمت صورة سيئة للطالب الفاشل، والذي أصبح نموذجًا يُقلد في كل مدراسنا، ومسرحية “العيال كبرت” أيضًا والتي دمرت مفهوم الأبوة فالأبناء فيها يسبون أبيهم قائلين “يحرق قلبك بالجاز، وأنت جاي من الحجاز”.
تزيد من العنف والعدوان
وأشهر من فعلوا هذا هم عائلة “السبكي” وهم من يسيطرون على صناعة السينما في مصر، وهم أذكياء للغاية، ويعلمون جيدًا ما هو الرائج في موضوعات السينما، لذلك ركزوا في الفترة الأخيرة على أفلام العنف والبلطجة، بحجة أنهم يريدون القضاء على البلطجة بنشر البلطجة.
لا تحل مشكلة
صانعوا تلك الأفلام يدعون ادعاءً ساذجًا للغاية، أن الأفلام تُصلح وتحل الكثير من المشكلات في مجتمعنا، ولا أعلم كيف هذا، كيف لفيلم “الباطنية” والذي يروي قصة تجار المخدرات بكل إتقان أن يساعد المدمنين أن يقلعوا عن تعاطيها، وهم جسدوا شخصية التاجر على أنه شخص لا يُقهر لديه من الجاه الكثير.
تمرر لنا الكثير عن طريق الكوميديا
وهناك فرق أولًا فرق بين الكوميديا و”الهبل الاجتماعي”، فأنا أرى كمشاهد أن أغلب ما يقدم في أفلام الكوميديا هو نوع رديء من الكوميديا، ذلك المبني على تدني ذكاء “هبل” من يقدمه، أما الكوميديا الحقيقية هي الكوميديا الإنسانية والتي نبغ فيها “نجيب الريحاني” بكل تأكيد.
وعن طريق تلك الكوميديا، مرر لنا بعض الممثلين بعض الألفاظ التي لا تجوز، مثل مسرحية “شاهد مشفش حاجة” فيقول عادل إمام بطل المسرحية، “طور الله في برسيمه” وهذا مخالف تمامًا وسوء أدب مع الله، ولكننا قبلناه للأسف لأنه قدم في قالب كوميدي.
تهيج الغرائز
هي تعزز للإشباع المبالغ فيه للشهوات، وهم يستخدمون في هذا سلعة رائجة وهي المرأة، والتي أهانوها بكل تأكيد، ولا يوجد مُنتَج واحد إلا وكانت جزء من حملته المرأة، وبالطبع هم تخطوا تلك المراحل القديمة لتهييج الغرائز بالعري، ووصلوا لتهييج الغرائز بالإيحاءات الجنسية الفجة.