من هو الشاعر نزار قباني … شاعر الحب والسياسة!

من هو الشاعر نزار قباني .. شاعر الحب والسياسة! مقال أدبي، إضاءة على أحد أشهر الشعراء ، مالئ الدنيا وشاغل الناس الشاعر نزار قباني.

عباقرة الشعر العربي الفطاحل كثيرون، بيد أن واحدًا منهم فقط استطاع أن يثير من الحب والضجيج والإعجاب والرفض والكراهية ما لم يستطع أن يثيره غيره، إنه الشاعر نزار قباني شاعر الحب والسياسة، الذي ترك لنا خمسة وثلاثين ديوانًا شعريًا وكتابًا.

من أرق وأجمل ما قيل وكتب في الشعر العربي أبدًا.

من هو شاعر الحب والسياسة؟

من هو شاعر الحب والسياسة

الشاعر نزار قباني.. هو ذاك الشاعر شاعر الحب والسياسة، هو نزار بن توفيق قباني ولد في أسرة عربية دمشقية سورية عريقة، حيث كان جده (أبو خليل القباني) رائد المسرح العربي، ولد نزار في الواحد والعشرين من شهر آذار من العام (1923) في حي مئذنة الشحم الدمشقي وتوفي في الثلاثين من شهر نيسان من عام (1998).

تخرج من كلية الحقوق في جامعة دمشق سنة (1945)، وعمل في السلك الدبلوماسي فور تخرجه، حيث تنقل في عواصم عالمية كثيرة حتى قدم استقالته من السك الدبلوماسي في العام (1966)، وكان قد أصر أول دواوينه العرية في عام (1944)، وكان بعنوان (قالت لي السمراء)، واستمر بكتابة الشعر والنشر حتى ترك لنا خمسة وثلاثين ديوانًا أبرزها (طفولة نهد، والرسم بالكلمات) وكان قد أسس دارًا للنشر في بيروت كانت تحمل اسم (منشورات نزار قباني).

كانت لمدينتي دمشق وبيروت مكانة خاصة في شعره، من أبرز ما قال في دمشق القصيدة الدمشقية حيث يقول فيها:

“هذي دمشق. وهذي الكأس والراح

إني أحب.. وبعض الحب دبّاح

أنا الدمشقي. لو شرحتم جسدي

لسال منه.. عناقيد، وتفاح..

لو فتحتم شراييني بمديتكم

سمعتم في دمي أصوات من راحوا..

مآذن الشام تبكي إذ تعانقني

وللمآذن كالأشجار أرواح”.

ويقول في قصيدة (يا ست الدنيا يا بيروت) والتي غنتها المطربة (ماجدة الرومي):

“يا ست الدنيا يا بيروت

من باع أسوارك المشغولة بالياقوت؟

من صاد خاتمك السحري

وقص ضفائرك الذهبية؟

من ذبح الفرح النائم في عينيك الخضراوين”.

نزار الطفل المدلل

عاش نزار طفولته مدللًا بين أشقائه في بيته الدمشقي في (مئذنة الشحم) البيت الدمشقي الأصيل، يتكون من طابقين في ه باحة مكشوفة تمت صناعتها من الرخام وأعمدة رخامية يتسلقها الياسمين الأبيض، والورد الجوري الأحمر، كما توجد في الباحة شجرة ليمون ونارنج وتحتل وسط الباحة نافورة ماء رقراق.

عاش (الشاعر نزار قباني) في هذا الجو (الرومانسي)، وقد كان مرتبطًا بأمه بشكل كبير فقد ظل يرضع حتى سن السابعة من عمره، وكانت تطعمه بيدها حتى الثالثة عشرة من عمره، حتى قيل أنه يعاني من (عقدة أوديب Oedipus) عاشق والدته، حتى أخذ البعض من (علماء النفس Psychologists) بتطبيق نظرياتهم على شعر (نزار قباني) ويرون أن سر استعماله لكلمة (النهد) هو طول فترة الرضاعة التي قضاها وتعلقه بوالدته.

ولما كان شاعرنا في عمر الثالثة عشرة كان ضيوف أبيه حين يسألون عن اهتمامات نزار فيجيب الأب: أن نزارًا يريد ان يصبح شاعرًا! فيتصبب جبين السائل عرقًا بعد أن يكون لون وجهه قد تغير  ويقول: (لا حول ولا قوة إلّا بالله.. قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا).

غير أن نزار بدأ حياته بالاهتمام بأشياء فنية أخرى غير الشعر كالرسم والموسيقا، حيث كان ولعه بالألوان شديدًا فكان يلون الجدران بها، ولمّا أدرك بأنه لن يكوم ذلك الرسام العبقري أخذ يجرب فن الموسيقى والتلحين فأحضر عودًا وتعلم العزف عليه، غير أنه لم يوفق بذلك أيضًا.

ميلاد شاعر

ميلاد شاعر

في عمر السادسة عشرة وذلك في عام (1939) اشترك في رحلة بحرية إلى روما قامت بها مدرسته، وأثناء الوقوف على سطح السفينة شاهد أمواج البح والدرافيل التي تقفز في البحر حول السفينة أتاه وحي الشعر فجأة، فقال أول بيت شعري والثاني والثالث والرابع ونزل مسرعًا إلى غرفته يدون أبيات الشعر قبل أن ينساها، ولأول مرة بحياته ينام شاعرًا ليستيقظ شاعرًا في الغد أيضًا.

هكذا تفتقت موهبة (الشاعر نزار قباني) فجأة، وبعد أن حصل على شهادة (البكالوريا (Baccalaureate دخل كلية الحقوق ليتخرج منها محاميًا بعد أن درس القانون غير أنه لم يدافع عن أية قضية بحياته سوى (قضية المرأة).

عندما شب نزار لم ينفصل عن طفولته بل رافقته بكل سلوكياتها الطفولة الأنانية والصاخبة، وعندما لم ينجح بأن يكون رسامًا أو موسيقيًا  ألزم نفسه بالقرار بأن يكون شاعرًا وهذا ما كان، فقد كان يعلم بأن النجاح والتفرد والخصوصية لن تكون إلى بالاختلاف وتلك الموهبة لا يجيدها أكثر الناس.

منذ أن أصدر (الشاعر نزار قباني)الديوان الأول (قالت لي السمراء) وهو طالب في كلية الحقوق، ولأن صوته كان مختلفًا أثار ديوانه جدلًا صاخبًا وعنيفًا، وقد وصف رد الفعل ذاك تجاه ديوانه الأول بقوله: ( لقد هاجموني بشراسة وحش مطعون، وكان لحمي طريًا يومذاك).

ولنا أن نتخيل رد الفعل القاسي من الناس على الشاعر الذي لم يبلغ العشرين من عمره، حين أدهشهم بقصيدة كان عنوانها (خبز وحشيش وقمر) تنتقد السلوكيات العامة فالبعض قد هلل للقصيدة إعجابًا بها والبعض الآخر طالب برأس شاعرها، غير أن نزارًا قد أثارته تلك الضجة التي أثارتها قصيدته تلك فوجد فيها السطر الأول من كتابه الشعري الأسطوري، وهذا بعضًا مما جاء في القصيدة:

“في ليالي الشرق لمَّا..

يبلغُ البدرُ تمامُهْ..

يتعرَّى الشرقُ من كلَِ كرامَهْ

و نضالِ..

فالملايينُ التي تركض من غير نعالِ ..

و التي تؤمن في أربع زوجاتٍ ..

و في يوم القيامَهْ ..

الملايين التي لا تلتقي بالخبزِ ..

إلا في الخيالِ ..”.

الشاعر نزار قباني والعمل في السلك الدبلوماسي

بعد تخرجه من الجامعة في عام (1945) التحق نزار مباشرة بالعمل في السلك الدبلوماسي في (وزارة الخارجية) حيث ذهب إلى مصر للعمل في السفارة السورية هناك، وكان في عمر الثانية والعشرين فقط، وكانت القاهرة آنذاك في أوج توهجها الثقافي والإذاعي والصحافي، وكان في جعبة نزار الديوان الشعري الذي يحمل عنوان (طفولة نهد) وكان عنوانًا خارجًا عن المألوف، كما كانت لغته الشعرية خارجة عن المألوف أيضًا.

 قدم ديوانه إلى ثلاثة من أعلام الصحافة والفكر في مصر وهم الكاتب الكبير (توفيق الحكيم) والشاعر (كامل الشناوي) والشاعر (انور المعدّاوي)،  وكتب (أنور) مقالًا نقديًا للديوان وكان متحمسًا للشاعر الشاب نزار قباني، وحمله إلى الأديب (أحمد حسن الزيات) وكان صاحبًا لمجلة (الرسالة) ولما كانت المجلة محافظة فقد تم تغيير عنوان الديوان من (طفولة نهد) إلى (طفولة نهر) ليتم نشره في المجلة، وعلق (الشاعر نزار فباني) على ذلك بقوله: (لقد أرضى أحمد حسن الزيات الصديق الناقد أنور المعدّاوي  وقرّاء الرسالة المحافظين، الذين كانت كلمة (النهد) تزلزل وقارهم، لكنه بذلك ذبح اسم ديواني الجميل من الوريد إلى الوريد).

وبذلك شهدت مصر والقاهرة تحديدًا ميلاد شاعر ينطلق في البيئة التي تحفل بكل من الأدباء والشعراء أمثال (عباس محمود العقاد) و(طه حسي) و(عبد العزيز البشري) و(عبد القادر المازني) (بشر فارس) و(أحمد أمين) و(أحمد حسن الزيات)و(محمود حسن اسماعيل) و(ابراهيم ناجي) و(يحيى حقي) و(نجيب محفوظ) و( عزيز أباظة) والشاعر (بيرم التونسي)، وهكذا تعود نزار قباني على مصر كما تعودت عليه واعتبرته أحد شعرائها، وبما أن حياة الدبلوماسيين لا تستقر في بلد مما اضطره للتنقل بين عدد من عواصم العالم بين (أنقرة ومدريد، وبيروت، وبكين، ولندن).

عمل نزار في السلك الدبلوماسي ما يقارب العشرين سنة حتى قدم استقالته في العام (1966) وأسس بعد ذلك دارًا للنشر باسمه في بيروت لنشر انتاجه الأدبي وكي يتفرغ كليًا للشعر.

الزواج والطلاق

تزوج (الشاعر نزار قباني) بعد تخرجه من كلية الحقوق وبسنوات من التحاقه بالعمل في السلك الدبلوماسي من إحدى قريباته (زهراء آقبيق) وهي أم أولاده (توفيق) الذي توفي وهو بعمر السابعة عشرة من عمره وابنته (هدباء)، وكان زواجه في بداية انطلاقته نحو عالم الشهرة والكفاح والمجد الأدبي وبسلاح الشعر، ولمّا كانت زوجته زهراء (سيدة بيت) حيث تربت في بيئة تقليدية شامية محافظة فلم تستطع أن تتحمل أن يكون زوجها لها ولغيرها من المعجبات.

وقد كانت الرسائل من المعجبات تنهال عليه هطول المطر من كل حدب وصوب فكانت (زهراء) تمزق تلك الرسائل ، لقد كان نزار شابًا وسيمًا أنيقًا رشيق القوام ورقيقًا في آن معًا وحلم كل فتاة، ولم يكن بدًا من الصدام الذي سيحصل عاجلًا أم آجلًا صدام بين الماضي والمستقبل الجميل القادم، فانفصل نزار عن زوجته (زهراء) بكل هدوء.

وخلال خمسينيات القرن الماضي ارتبط نزار مع الكاتبة والشاعرة السورية (كولييت خوري) حفيدة الدبلوماسي ورئيس الوزراء السوري الأسبق (فارس بيك الخوري) وابنة (سهيل الخوري) النائب السابق في المجلس النيابي السوري، ارتبط بعلاقة حب جارفة، لم تصل لنهايتها السعيدة، فتزوجت (كولييت) من شاب اسباني وسيم الملامح، وأنجت منه ابنتها الوحيدة، كانت (كولييت) قد سجلت تفاصيل ذلك الحب الذي جمعها بنزار قباني في روايتها (أيام معه) وهي رواية ذاتية، حيث كان بطلها الفعلي (الشاعر نزار قباني).

بلقيس على العرش

بلقيس على العرش الشاعر نزار قباني

حين التقى الشاعر نزار قباني (بلقيس الراوي) لأول مرة لم يكن على علم بأن قلبه وعقله سيتعلقان بهذه المرأة إلى ذلك الحد من الجنون، التقاها في إحدى الحفلات البسيطة المقامة في إحدى السفارات العربية في بيروت حيث كان خارجًا من محنة وفاة ابنه توفيق، نعم تعلق بها إلى حد الجنون حيث استمر في حبها رغم الرفض القاطع من اهلها تزويجها منه على خلفية كونه نزار قباني (شاعر المرأة)!

تقدم مرات ومرات لخطبتها لكنه كان يقابل بالرفض كل مرة، لقد كان نزار وحيدًا وكانت (بلقيس الراوي قبيلة من النساء)، لقد جعلته يعود لكتابة الشعر بعد ان توقف عنه لمدة ثلاثة أعوام فقد كان يقول: (لكنها بلقيس، أعادت الحبر للأقلام مثلما أعادت الدماء إلى العروق).
تقدم نزار لخطبة بلقيس أول مرة سنة (1962) وكانت لم تتجاوز الثانية والعشرين من عمرها وهو في الأربعين من عمره، قوبل بالرفض القاطع بسبب ما كان معروفًا عنه بأنه (شاعر النساء والغزل والحب).

استمر في ملاحقتها لمدة سبعة أعوام حتى استجاب أهلها لطلبه بعد وساطة من الرئيس العراقي (أحمد حسن البكر)، فتزوج نزار من بلقيس وعاش معها اثنتي عشة سنة وأنجب منها ولديه (عمر وزينب)،حتى استشهدت في عملية انفجار السفارة العراقية في بيروت عام (1981) حيث كانت تعمل فرثاها بقصيدة طويلة بعنوان (بلقيس) حيث يقول فيها وهذا بعض مما جاء في القصيدة:

“بلقيس يا فرسي الجميلة.. إنني من كل تاريخي خجول

هذي بلاد يقتلون فيها الخيول..

سأقول في التحقيق:

كيف أميرتي اغتصبت..

وكيف تقاسموا الشعر الذي يجري كأنهار الذهب

سأقول كيف استنزفوا دمها..

وكيف استملكوا فمها.. فما تركوا به وردًا

ولا تركوا به عنبًا..

هل موت بلقيس.. هو النصر الوحيد في تاريخ كل العرب؟”

الولادة والموت

هل تعلم بأن (الشاعر نزار قباني) هو الوحيد بين الشعراء الذين تقرأ لهم أية امرأة تظن نفسها هي التي تتكلم، ولأي سبب كان نزار قباني يلقب (بشاعر المرأة ونصيرها)، إن نزار عاش ومات وهو يدافع عن المرأة، ونزار لا يعرف السبب الحقيقي وراء ذلك  ويفسر ذلك أحيانًا بقوله أنه ربما كان بسبب موت شقيقته الصغرى عندما انتحرت بسبب الحب الذي حرمت منه عندما أجبرت على الزواج من رجل لا تحبه.

ويقول نزار عن برقة وعذوبة متناهية في إحدى قصائده:

“حبك يا عميقة العينين

حبك مثل الموت أو الولادة

صعب أن يتكرر مرتين”

بينما يخرج عن رقته أحيانًا أخرى ليدخل العالم الذي كان يحلو لناقديه أن ينعتوه (بالفحش)، وبالرغم من ذلك فقد كان لنزار آراء في السياسة شديدة العمق حيث يحدد مشكلة العالم العربي التي هي التخلّف فيقول إن السلوك السياسي العربي هو كتلة سلبيات من القدرية والجبرية في محاولة لرفع المسؤولية عن كاهلنا وربط أسبابها بقوى خارجة عن إرادتنا ولا نستطيع ردها أو دفعها.

الوطن والشاعر نزار قباني

عندما حلت بنا نكبة الخامس من حزيران عام (1967) حدثت انعطافة كبيرة ومن من الجذور للشعر عند نزار قباني، وبذلك تبدل من (شاعر المرأة والحب) إلى (شاعر السياسة)، فكتب على إثر النكسة قصيدته الشهيرة (هوامش على دفتر النكسة).

 لذلك شن الشاعر الكبير (صالح جودت) عليه وعلى قصيدته هجومًا شرسًا أدى إلى صدور قرار في مصر بمنع إذاعة أغاني نزار في الإذاعة المصرية أو في التلفزيون المصري، كما منع من الدخول إلى مصر العربية، وكان ذلك بمثابة حكم إعدام صدر بحقه.

غير أن نزار لم ييأس واستطاع أن يرسل رسالة إلى الزعيم (جمال عبد الناصر) يطلب إنصافه مما لحق به من حيف وظلم، وقد أوصل هذه الرسالة الأستاذ (أحمد بهاء الدين) إلى (الزعيم جمال عبد الناصر) فعادت أشعاره وأغانيه إلى فضاء الإذاعة والتلفزيون المصري.

 وعن تلك المقاطعة يقال أن السبب الحقيقي لها هو الغيرة من نجاح أغانيه التي شدت بها كوكب الشرق (أم كلثوم) و(محمد عبد الوهاب) و(نجاة الصغيرة)، مثل أغنية (أيظن) أو أغنية كوكب الشرق (أصبح عندي الآن بندقبة).

وعن ذلك يقول نزار بأنه (استطاع بأن يكسر الحاجز بين الأدب والسلطة)، نعم استطاع نزار أن يطوف بشعره بحار يدافع عن قضايا أنته واضًا أمته العربية أمام واقعها بدون أي تزييف فكانت قصائده كالمرآة يرى العربي نفسه فيها بكل أشكاله، كما كان (شاعر المرأة) حيث وقف بشعره إلى جانبها مدافعًا عنها يكلم بصوتها بما لم تكت تستطيع أن تفكر به حتى.

واستمرت مواقفه السياسية على هذه الحال حتى بعد أن استقر به الحال في لندن عاصمة الضباب.

قبل أكثر من عشرة أعوام من رحيله عاد إلى دمشق وإلى البيت الذي تربى وترعرع فيه، في مدينة الياسمين التي علمته عشق الجمال، وقد وصف بيته في أحد مقالاته الصحفية وكان بعنوان (دارنا) فقال: (هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة، واعلموا أنني لا أظلم قارورة العطر بهذا التشبيه غير أني أظلم دارنا، إن من سكن في دمشق يعرف كيف تفتح الجنة ذراعيها من حيث لا ينتظر).

 وعن ذلك وقبل مماته أوصى بأن يدفن في دمشق وهذا ما قد حصل، وكانت دمشق قد سمت أحد شوارعها باسم (الشاعر نزار قباني) فقال عن ذلك: (نزار قباني هذا الشارع الذي أهدتني إيّاه دمشق هو هدية العمر، وهو أجمل بيت امتلكته على تراب الجنة، عليكم أن تذكروا أنني كنت يومًا ولدًا من أولاد هذا الشارع لعبت فوق حجارته وقطفت أزهاره، وبللت أصابعي بماء نوافيره).

ومن قصيدة له عن مدينة دمشق:

” يا شام إن جراحي لا ضفاف لها

فامسحي عم جبيني الحزن والتعبا

دمشق يا كنز اخلامي ومروحتي

أشكو العروبة أم أشكو لك العربا”

آراء في الشعر والأدب

في مقابلة أجريت معه في العام (1997) قال حين سئل عن العلاقة المتوترة دومًا بين الشعراء والنقاد وسوء الفهم وما الذي جعل العلاقة تبدو هكذا فيقول:

إن العلاقة بين النقّاد والشعراء ليست متوترة فقط وإنّما هي “مبهدلة” عدوانية كالعلاقة بين (الزنابير بالزنابير والزلاقط بالزلاقط)، والسبب في رأيه هو التقارب الكائن بين المهن بين الشاعر والناقد (عداوة كار) والغيرة لدى النقاد هي من يجعلهم يرون في القصيدة (ضرّة) لهم.

الشعر يجب أن تتم قراءته بحضارة ذلك كونه عمل حضاري،  أنا من الشعراء الذين استبيح دمهم من قبل النقاد مرمرًا وتكرارًا، وكنت في كل مرة أسامح وأجلس على مكتبي أكتب القصيدة، النقاد يا سيدي هكذا يقول نزار في المقابلة تلك، لم يقدموا لي أي خدمة ولم يستطيعوا أن ينفعوني بشيء سواء كان على مستوى اللغة أو العروض والبلاغة ولذلك أدرت لهم ظهري ومضيت أتعلم الشعر من الجماهير بأظافري وحدي.

ويقول في إحدى الإجابات عن الشعراء الذين تأثر بهم وكانوا بمثابة آباء له فيقول:
كل الشعراء في العالم العرب والانكليز والفرنسيين والاسبان هم آباء لي، فقد قرأتهم جميعًا ونسيتهم جميعًا من ذاكرتي، فلكي تكتب شعرًا باهرًا وجميلًا يجب أن تلغي ذاكرتك.

ومنذ ديواني الأول قررت أن أكون (شاعرًا) له (الماركة المسجلة) الخاصة به، فأنا لا أهضم الملابس المستوردة، ولهذا السبب صنعت لكل امرأة (قصيدة) الثوب الخاص بها وحدها، وقد قررت ومنذ خمسين سنة أن أقوم بإلقاء القبض علة (200000000) عربي بواسطة الشعر والحب والبساطة وبالديمقراطية وحدها فقط.

دواوينه الشعرية

دواوينه الشعرية

إليكم بعضًا من دواوين الشعر التي أصدرها وهي (غيض من فيض) وقد وصل عددها إلى خمسة وثلاثين ديوان شعر:

  • قالت لي السمراء وقد صدر في علم (1944).
  • طفولة نهد وقد صدر في العام (1948).
  • حبيبتي وفد صدر في العام (1961).
  • مئة رسالة حب وقد صدر في العام (1970).
  • أشعار خارجة على القانون وقد صدر في العام (1972).
  • أحبك أحبك والبقية تأتي وقد صدر في العام (1978).
  • تزوجتك أيتها الحرية وقد صدر في العام (1988).
  • خمسون عامًا في مدح النساء.
  • أبجدية الياسمين.
  • الأعمال السياسية الكاملة.
  • قصيدة بلقيس.

 الشاعر نزار قباني يحلق في عالم الغناء

هو الشاعر الأكثر حضورًا في عالم الغناء العربي المعاصر، بالرغم من كونه ليس شاعرًا غنائيًا في الأساس مثل ما كان الشاعر (أحمد رامي)، لقد غنى من أشعار نزار قباني قمم الغناء العربي وأهمها على الإطلاق (أم كلثوم فيروز عبد الحليم حافظ فايزة أحمد نجاة الصغيرة ربى الجمال ماجدة الرومي كاظم الساهر وأصالة نصري.. وغيرهم كثير).

كما قام بتلحين قصائده أعظم الملحنين العرب أمثال (رياض السنباطي والأخوين رحباني ومحمد عبد الوهاب) هذا وكان أول من لحن شعر نزار الملحن والمطرب (أحمد عبد القادر) وكان ذلك في العام (1953)، حيث لحن وغنى قصيدة (كيف كان) ومطلعها يقول:

“تساءلت في حنان عن حبنا كيف كان؟

وكيف استحلنا حرائقًا في ثوان

صرنا ضياء وصرنا في دوزنات الكمان”.

بعد تلك المحاولة الأولى قام الملحن السوري (نجيب السراج) القصيدة المعروفة لنزار وهي (بيت الحبيبة) فكانت طريقًا لزيادة انتشار ومعرفة شعر نزار بين الناس حيث أصابت هدفها.
وبعد أن تعرف الشاعر نزار قباني على الموسيقار (محمد عبد الوهاب) قام الأخير بتلحين أربع من قصائده وكانت الأولى (أيظن) التي شدت بها (نجاة الصغيرة)، وتجلى لقاء العمالقة بين نزار ومحمد عبد الوهاب والسيدة أم كلثوم بأغنية وطنية عن فلسطين وكانت بعنوان (طريق واحد) وعرفت الأغنية باسم (أصبح عندي الآن بندقية)، كما غنت قصيدة أخرى للشاعر نزار قباني وكانت قصيدة رثاء الزعيم (جمال عبد الناصر) إلّا أنها كانت من تلحين الموسيقار الكبير (رياض السنباطي).

وتلاقت القمة الغنائية (فيروز) مع شعر القباني فكانت أغنية (لا تسألوني ما اسمه حبيبي) والثانية بعنوان (وشاية) من ألحان القمة الموسيقية (الأخوين رحباني).

كذلك عنت المطربة (فايز أحمد) من شعره قصيدة (رسالة من امرأة حاقدة) وكانت من تلحين الموسيقار (محمد سلطان).

وبالطبع لم يفت الفنان العندليب الأسمر (عبد الحليم حافظ) الموسم فتعرف إلى الشاعر وأخذ منه قصيدتين من أجمل ما غنى العندليب وكانت الأولى (رسالة من تحت الماء) ومن تلحين الموسيقار (محمد الموجي) أمّا الثانية فكانت (قارئة الفنجان) ومن تلحين (محمد الموجي) أيضًا، وحققتا نجاحًا منقطع النظير.

وغنت المطربة (ماجدة الرمي) أربعة قصائد من شعر نزار وهي (كلمات) ألحان (إحسان المنذر) و(طوق الياسمين) من ألحان الموسيقار والمطرب القيصر (كاظم الساهر)، وأغنية (مع الجريدة وست الدنيا يا بيروت) وكانتا من ألحان (جمال سلامة).

أمَا القيصر (كاظم الساهر) فقد لحن وغنى أكثر من خمسة عشر قصيدة وكان أول تلك القصائد قصيدة (إني خيرتك)، ومما لاشك فيه أن تجربة الشاعر نزار قباني شاعر الحب والسياسة تجربة لا يستوعبها جزء من مقالة ولكنها تحتاج لمقالات ومقالات لتعطي تلك التجربة الفريدة والغنية حقها.

إليكم مقطعًا من أغنية (رسالة من تحت الماء):

“الموج الأزرق في عينيك.. يناديني نحو الأعمق

وأنا ما عندي تجربة

في الحب.. ولا عندي زورق

إن كنت أعز عليك.. فخذ بيديّ

فأنا عاشقة من رأسي.. حتى قدمي

إني أتنفس تحت الماء..

إني أغرق..

أغرق..

أغرق..”

الخاتمة

نعم إنه (الشاعر نزار قباني) الذي أراد من الشعر أن يكون المطر الذي يجمع كل الناس، والخبز الذي يكفيهم جميعًا، وكان يريد من الحياة أن تكون جنة سلام وأمان وحب وتسامح، وأراد من المرأة أن تتمرد على وصايا أجدادها وأن تطبق كل الوصايا التي جاءت في قصائده:

“إني خيرتك..

فاختاري ما بين الموت على صدري..

أو فوق دفاتر أشعاري..

اختاري الحب.. أو اللاحب..

فجبن أن لا تختاري..

لا توجد منطقة وسطى

ما بين الجنة والنار..”

المراجع

قد يهمك أيضًا:

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله