من فضل الله تعالى ورحمته بنا أنه جعل بحياتنا كل مدةً محطة للاستزادة بالتقوى والإيمان، ولنعيد النظر في حياتنا الماضية ونحاول أن نرتب أوراقنا، وبالنظر لتلك المحطات سنجد أن من أهمّها هي محطة شهر رمضان المُبارك. فعند قرب دخول شهر رمضان تتأهل النفس للقرب من الله تعالى وفعل الطاعات لا إراديًا، ومع بداية الشهر الكريم يكون كلًا منا لديه همة عظيمة وروح جديدة لفعل كل ما يرضي الله حتى يتقبل أعمالنا.
شهر رمضان من أعظم المواسم وأسرعها مرورًا، فهنيئًا لمن فاز بالتثبت على الطاعة، فلنحرص أيها الأحباء على المسارعة لفعل الخير، واغتنام الوقت، وننظر لأفضل الأعمال وأجلها فنستكثر منها، فلا يمر شهر رمضان بنا سريعًا إلا وقد جنينا من ثماره الكثير كسلفنا الصالح.
من المفاهيم الشائعة عن شهر رمضان
ينظر بعض الناس في هذا الزمن إلى شهر رمضان أنه شهر الولائم، وآخرين ينظرون إليه أنه شهر السهر والمسلسلات والفوازير، وآخرين يتعاملون على أنه شهر التسوق والتخفيضات، وآخرون مدركون لأهمية الشهر الكريم، ويقدمون عليه بروحانيات عالية لكن ما حولهم من عادات اجتماعية تتسبب في ضياع الوقت عليهم. وهنا يأتي السؤال الهام: كيف نستغل وقت شهر رمضان؟ وستأتي الإجابة على هذا السؤال من خلال السطور القادمة إن شاء الله.
أفكار عملية ليكون شهر رمضان مختلفًا
لا بد أولًا من تأهيل نفسي لأن يكون شهر رمضان هذا العام مختلفًا، فالتأهيل النفسي يكون له صدى قوي على الإنسان، بعد ذلك حاول وضع برنامج لتنفيذه على مدى الشهر، وأجعل في البرنامج هذه الأفكار
تخصيص مكان للعبادة بالمنزل
من الأفكار الرائعة والتي أعجبتني جدًا هو:
- تخصيص ركن بالمنزل مهما كان صغيرًا للعبادة، بأن يكون في غرفة نومك أو في غرفة المعيشة كما يحدث في بعض المصانع والشركات من تخصيص مكان للصلاة.
وسنجد أن هذه الفكرة ستذكرك دائمًا بالعبادة كلما مررت بالمكان المخصص لها، وتحفز الأطفال على الصلاة وتحببهم في شهر رمضان عند رؤيتهم للأب والأم وما يفعلون من طقوس خاصة لهذا الشهر المُبارك، فالطفل دائمًا يقلد الأهل، وخير ما يجعلونه يقلدهم فيه هو التعبد وحب شهر رمضان.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرنا باتخاذ مكان للعبادة والصلاة في المنزل وأمرنا بتطيبه وتنظيفه فيما روي عن هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:
“أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالْمَطَرُ وَالسَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ؟» فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) حكم الألباني، حديث صحيح.
فيديو يحتوي على أفكار بسيطة لتحويل غرفة الطعام إلى ركن خاص للتعبد وقراءة القران الكريم
ويدل على مشروعية اتخاذ مكان للعبادة في البيت قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:87].
فذلك يجعلنا نسير على خطى السلف والذي كان من أول اهتمامهم مصلى البيت الذي يكون فيه الأمان بعد بيت الله تعالى، ولنكن أهلًا لشهر رمضان، خاشعين عابدين لا يلهنا التلفزيون والجري وراء متع الحياة في هذه الأيام القصيرة.
وهذا الفيديو يوضح طريقة عمل ركن للعبادة في المنزل بطريقة بسيطة ولا تحتاج لمكان واسع
https://youtu.be/jhfMVfhFlTg
فكرة التبرع
- جمع الزائد عن الحاجة من ملابس أو طعام أو نقود للمحتاجين، أو المؤسسات الخيرية وهي كثيرة بفضل الله تعالى.
- بادر بفكرة تطبيق الخير في منطقة سكنك والتي تقوم بإنجازها معظم الجمعيات الخيرية، وهو أن تقوم كل عائلة بإعداد طبق وتخصيص مكان لإفطار الصائمين.
- عمل تصاميم تدل على شهر رمضان كاللوحات والفوانيس الورقية ويتم الكتابة عليها في فضل شهر رمضان، وتعلق في الموائد والأماكن العامة.
- رتب يومًا عائليًا للإفطار الجماعي أو العائلي، ثم رتب يوم للإفطار مع أصدقائك، ويومٌ آخر لإفطار الأطفال، مع استغلال اليوم في التحدث بما يرضي الله ورسوله، وجهز هدية رمزية لعضو العائلة الذي لم يتمكن من حضور يوم الإفطار العائلي.
- احرص على عمل تطوعي كالمشاركة في إعداد الإفطار الجماعي للصائمين في موائد الرحمن، أو توزيع الوجبات الجاهزة والعصائر عند إشارات المرور وأماكن العمالة.
- عمل خيمة رمضانية وتجهيزها ببعض وسائل العرض، يمكن استفادة الناس مع اختلاف الأعمار منها لشغل الأوقات بعمل مفيد ونافع، كألقاء محاضرة دينية أو النقاش في موضوع ديني، أو ختم القرآن الكريم، وعمل مسابقات دينية مع شيءٍ من الترفيه الهادف، ودعوة الغير مسلمين للإسلام، وأخيرًا يمكن تقديم الهدايا الرمزية للحضور.
- التعاون مع أفراد الأسرة لتوزيع مهام خيرية يومية أو أسبوعية، لتربية أبنائك على فعل الخير والمسؤولية.
يحتوي هذا الفيديو على 10 نصائح سريعة لرمضان أفضل
الإكثار من العبادة
- الإكثار من قراءة القرآن الكريم فإنه زاد العقول، وعليك استغلال الروحانيات الإيمانية في شهر رمضان الكريم، ومن الممكن تشجيع غيرك أيضًا بعمل المسابقات لختم القرآن الكريم أكثر من مرة أو حفظ جزءً منه، أو الأسئلة المتعلقة بفضائل بعض الآيات، أو غيرها.
- تذكير نفسك بتسجيل كل ما عليك فعله في أيام شهر رمضان في مفكرة أو جدول وتعليقه في مكان ظاهر بالمنزل، مع كتابة موعد الأذان، مع تسجيل البرامج المحببة لديك على إذاعة القرآن الكريم.
- اقتراح مُلتقى جماعي لأهل منطقتك أو الحي الذي تعيش فيه لترتيب مُسبق للعيد، لزيادة الأُلفة والمحبة بينكم، كتجهيز مكان للتجمع فيه يوم العيد، وتزيين الشوارع والاتفاق على موعد صلاة العيد بدقة، تجهيز هدايا بسيطة لأطفال المنطقة وبطاقات معايدة وتهنئة لأهل المنطقة كأن تكتب عليها (تقبل الله صيامنا وصالح أعمالنا).
- برنامج للاستغفار والتسبيح اليومي، كأن تحدد لنفسك كل يوم تسبيحة ترددها حتى وأنت منهمك في عملك، جاهد نفسك لتكون دائم الاستغفار والتسبيح حتى يعتاد لسانك تكراره، أو كأن يكون هناك سباق يومي لعدد التسبيحات أو الاستغفار.
- احرص على عمل خيري بنية التقرب إلى الله بالصدقة الجارية في شهر رمضان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)).
وما دل عليه قول الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس:12].
- حدد لنفسك موعد يومي لصلة رحمك والسؤال عنهم ولو بمكالمة هاتفية على الأقل لشخص يوميًا خلال شهر رمضان.
- لمن قدره الله أن يؤدي عمرة رمضان لعظم أجرها.
- التصالح مع من حولك وغسل قلبك من أي أحقاد وبادر لتصلح بين المتخاصمين، أو أحدًا من أقربائك بينكم خصومة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يحلُّ لمسلم أن يَهجُر أخاه فوق ثلاث))، لتفوز برحمة الله وغفرانه والفرار من النيران.
- الإكثار من الدعاء خصوصًا في السحر والتضرع إلى الله تعالى، فشهر رمضان شهر الدعاء.
يحتوي هذا الفيديو على 10 نصائح سريعة لرمضان أفضل
ما هي خططك لطفلك في شهر رمضان؟
- اصطحب طفلك لرؤية الهلال من أي مكانٍ مرتفع ولصلاة التراويح، وشراء أغراض المنزل وفانوس رمضان، حتى تغرس في طفلك أهمية الشهر الكريم، وحب العبادة فيه، ويظل له طقوسه الخاصة والمبهجة والمحببة للجميع وحتى لا تتلاشى مع الوقت.
- شجع الطفل على الصيام وكافئه عند إتمام صيام اليوم لشعوره بأهمية عمله لما حث على ذلك ما جاء في السنة من حديث الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ:
(أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ) مختصر صحيح مسلم/كتاب الصيام.
يحتوي هذا الفيديو على شرح كيف تجعل طفلك يحب صلاته بدءً من شهر رمضان
- استغلال القالب التعليمي التطبيقي لتقوية آداب التعامل والضيافة والتنافس لفعل الطاعات عند الأطفال في شهر رمضان.
- حث أطفالك على كتابة الملصقات الرمضانية بنفسهم التي تُعبر عن محبتهم لشهر رمضان.
- أعط طفلك الزكاة ليعطيها حتى تحفزه على العطاء
فيديو يعرض فكرة عمل مُصلى في المنزل لتشجيع الأطفال على الصلاة والعبادة
أخيرًا أيها الأخ الفاضل، والأخت الكريمة: هذه مجموعة مقترحات نافعة وصالحة في شهر رمضان الكريم، ولا يهم أن نكثر من الأعمال بقدر إخلاص النية فيها وفعلها بإتقان وتفكُر.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأجعل اللهم هذا العمل في ميزان حسناتنا، وتقبل منا شهر رمضان هذا العام بنية الرجوع إليك يا الله، اللهم آمين يا رب العالمين.
قد يهمك أيضًا: خطوات عملية لحفظ القرآن الكريم ونصائح مهمة لكل من يود حفظه
