يشير مصطلح بني إسرائيل إلى شعب ينحدر ابناؤه من سلف مشترك. وهو النبي يعقوب الذي تغير اسمه إلى إسرائيل، فقد كان من المعتاد قديمًا أن يسمى أهل القبائل المختلفة كأبناء الشخص الذي نشأت منه القبيلة، وكان من الطبيعي أن يُسمَّى أولئك الذين انحدروا من نسل النبي يعقوب الذي غير اسمه لإسرائيل بأبناء إسرائيل أو بني إسرائيل.
اسم “بني إسرائيل” كان ببساطة يستخدم للإشارة إلى سكان منطقة فلسطين قديمًا، فقد شكل ابناء النبي يعقوب الاثني عشر قبائل استوطنت منطقة فلسطين، لذا يسمى شعب المنطقة في ذلك الزمن باسم بني إسرائيل.
لكن على الرغم ذلك، يربط يهود العهد الجديد أنفسهم بالنبي إبراهيم بدلاً من يعقوب.
في السطور التالية نستعرض لكم قصة بني إسرائيل وأهم الأحداث التي التي مرت على هذا الشعب.
أصول بني إسرائيل
نبدأ قصة بني إسرائيل بأصل الشعب اليهودي والنبي إبراهيم. في الواقع، وفقًا لنصوص الكتاب المقدس، وعد الله إبراهيم بمنطقة كنعان وهي فلسطين الحالية، فانتقل إلى أرض كنعان من مسقط رأسه أور في بلاد ما بين النهرين. استقرت قبيلة إبراهيم على طول وادي الأردن، وبعد فترة من الازدهار، هربت إلى مصر ربما بسبب المجاعة الشديدة.
عانت قبيلة إبراهيم من العبودية في ظل حكم الفراعنة المصريين، فبدأوا في الهجرة الجماعية من مصر. تحت قيادة موسى، الذي جاء بالديانة اليهودية، وقادهم في رحلة طويلة وأسطورية إلى فلسطين.
يحدثنا الكتاب المقدس عن أحداث موسى الذي شق مياه البحر للسماح لمن معه بالهروب من الجنود المصريين.
خلال هذه الفترة، أعطى الله موسى الوصايا العشر وتحول إلى نبي وسلم كلام الله باسم التوراة.
سليمان ومملكة يهودا ومملكة إسرائيل
بعد وصول موسى ومن معه إلى أرض فلسطين، وجدو أنفسهم وجهاً لوجه مع العديد من الأعداء، وتم توحيد اثني عشر قبيلة يهودية تحت مملكة واحدة بقيادة الملك شاول. بعد وفاته، خلفه الملك داوود الذي هزم أصحاب الأرض ودخل القدس وجعلها عاصمة لمملكة إسرائيل الجديدة.
بمجرد أن توحدت هذه القبائل تحت مملكة واحدة، وصل الملك سليمان إلى السلطة. وخلال 40 سنة من حكمه، شهدت المملكة ازدهارًا. فقد قام بتوسيع القدس وتزيينها بقصور رائعة، وأهم شيء أنه أقام الهيكل (هيكل سليمان)، وهو معبد يهودي شهير للغاية مغطى بصفائح ذهبية ويحتوي على كمية كبيرة جدًا من الكنوز والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة. لكن بعد وفاة الملك سليمان، انقسمت المملكة إلى مملكتين هما مملكة يهودا في القدس ومملكة إسرائيل في الجليل وعاصمتها السامرة.
الفتح الآشوري البابلي والإسكندر الأكبر
استغل الآشوريون تفكك مملكة اليهود إلى مملكتين وقاموا بإحتلال إحدى المملكتين اليهوديتين، وهي مملكة إسرائيل في الجليل عام 722 قبل الميلاد، ورحل سكانها إلى بلاد ما بين النهرين. في حين سقطت مملكة يهودا بيد البابليين حيث احتل حاكمهم نبوخذ نصر الثاني القدس ودمر الهيكل وأمر بترحيل جميع السكان اليهود إلى بابل. تُعرف فترة النفي هذه باسم “السبي البابلي”.
في عام 538 قبل الميلاد، انتهى “السبي” مع وصول الملك كورش الكبير لعرش بلاد فارس. الذي سمح لليهود بالعودة إلى وطنهم حيث أعيد بناء الهيكل وسمح لهم بالعبادة اليهودية لكن تحت الحكم الفارسي.
لكن فيما بعد، خضعت المنطقة الفارسية لسيطرة الإسكندر الأكبر الذي احتل كل منطقة الشرق الأوسط.
زمن المسيح
في عام 37 قبل الميلاد، كان ملك يهودا الجديد يدعى هيرودس العظيم والمعروف أنه كان متعطشًا للدماء. في عهده وُلِد يسوع المسيح، ووفقًا للتقاليد، كان هيرودس هو الذي أمر بقتل أتباع النبي عيسى في محاولة للقضاء على الديانة المسيحية. على الرغم من ذلك، كان أيضًا حاكمًا طموحًا للغاية تمكن من تأمين فترة من السلام في منطقة مضطربة للغاية.
الإمبراطورية الرومانية
كانت الإمبراطورية الرومانية في ذروة توسعها. وسيطرت على منطقة فلسطين، أصبح الاضطهاد الروماني أثقل وأثقل، وفي عام 66 بعد الميلاد، تمرد اليهود. واندلعت الحرب اليهودية الأولى في عام 70 بعد الميلاد، حيث دخلت القوات الرومانية القدس بعد حصار استمر 3 سنوات، ونهبت المدينة وذبح المتمردين ودمر الهيكل المقدس في النهاية.
كل ما تبقى من أقدس مكان لليهودية هو الجدار الغربي القديم أو ما يعرف بالحائط البراق أو جدار المبكى. انتهت الحرب اليهودية عام 73 بعد الميلاد. وقد سُجل هذا الحدث في التاريخ بسبب نهايته الحزينة. في الواقع وجد الجنود الرومان عند دخولهم الحصن جيشًا من الجثث حيث فضل اليهود المحاصرين القيام بعملية انتحار جماعي بدلاً من الخضوع لسلطة روما.
الشتات وانتشار المسيحية
بمجرد انتهاء الحرب، قرر الرومان ردًا على المقاومة الشرسة لليهود ترحيلًا آخر. من هذه اللحظة، بدأ الشتات في العالم اليهودي والذي سيكون له تداعيات كبيرة أيضًا في العصر الحديث.
بحلول القرن الرابع الميلادي، انتشرت تعاليم المسيحية في جميع أنحاء أوروبا. وأصبح من الواضح أن انتشار المسيحية وصل إلى جميع الطبقات الاجتماعية، ومع تبني الإمبراطورية الرومانية للمسيحية كديانة رسمية. وبنيت كنيسة القيامة وكنيسة المهد تحت حكم الإمبراطور قسطنطين، وأصبحت أماكن مهمة للحج. لكن في إسرائيل، بقيت أقلية من السكان تعترف بالديانة اليهودية وهي الديانة الوحيدة غير المسيحية التي يمكن التسامح معها. واصبح اليهود محرومين من حق بناء الأماكن المقدسة وتولي المناصب العامة.
ظهور الإسلام والحروب الصليبية
في عام 622، انتشر في الشرق عقيدة دينية جديدة هي الإسلام. في الواقع، وفقًا لهذه الديانة، صعد النبي محمد إلى السماء من القدس حيث التقى بالأنبياء الآخرين بمن فيهم عيسى وموسى وإبراهيم. وهكذا أصبحت القدس مدينة مقدسة ليس فقط للمسيحيين واليهود، بل أيضًا للمسلمين.
في عام 637، حاصر الخليفة عمر بن الخطاب المدينة وسيطر عليها. وبنى فيها قبة الصخرة في المكان المحدد الذي صعد فيه محمد إلى السماء، حيث كانت ساحة هيكل سليمان القديم. ويعد هذا الموقع هو ثالث مكان مقدس في الإسلام بعد المسجد الحرام في مكة ومسجد النبي محمد في المدينة المنورة.
بعد عدة قرون من الحكم الإسلامي، أصبحت القدس هدفًا للحروب الصليبية، وأصبحت الأرض المقدسة مسرحًا لحروب ومعارك دامية. في عام 1099، استعاد المسيحيون القدس، لكن سيطرتهم لم تستمر أكثر من 80 عامًا. حيث استعاد القائد المسلم صلاح الدين الايوبي المدينة، وفي عام 1291، أصبح أغلب سكان منطقة فلسطين من المسلمين.
في عام 1516 وقعت المنطقة تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة لأكثر من 400 عام.
الحركة الصهيونية وولادة دولة إسرائيل
في القرن التاسع عشر، بدأت الإمبراطورية العثمانية تضعف، وبعد قرون من الشتات، بدأ العديد من اليهود بالهجرة إلى أرض الميعاد. في هذه الفترة، ولدت الحركة الصهيونية، التي حددت لنفسها هدف هو عودة اليهود إلى منطقة فلسطين وإنشاء دولتهم فيها.
في عام 1920، تفككت الإمبراطورية العثمانية وأصبحت المنطقة عبارة عن قنبلة موقوتة. في غضون ذلك تم إنشاء مدينة تل أبيب. التي بنيت على طراز الأوروبي، وتقع في منطقة “تل الربيع”، وهو المكان الذي سيعود إليه اليهود المنفيين وفقًا لنبوءات النبي ذوالكفل (حزقيال).
خلال الحرب العالمية الثانية، عانى اليهود من اضطهاد النازيين والسوفييت، وحدثت جرائم مروعة بحقهم، حيث تم إرسالهم الملايين إلى معسكرات الاعتقال وقتلهم في محارق وغرف الغاز، وأجريت تجارب شنيعة على أطفالهم، والملايين عملوا في ظروف غير إنسانية في معسكرات العمل حيث مات معظمهم. أدى ذلك إلى هجرة كبيرة ليهود أوروبا إلى فلسطين.
قصة بني إسرائيل في العصر الحديث
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تم الإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل بموافقة الأمم المتحدة. كل اليهود الذين أنقذوا أنفسهم من الاضطهاد الوحشي في أوروبا تمكنوا أخيرًا من العودة إلى أرض الميعاد. لكن هذه الأرض كانت مأهولة بالسكان العرب منذ قرون. تسبب ذلك في بداية عصر جديد من الحروب الدموية في هذه الأرض التي تعتبر مقدسة بالنسبة للديانات الثلاث السماوية، وما تزال قصة بني إسرائيل مستمرة على هذه الأرض التي مازالت تبحث عن السلام.