تبين البحوث الحديثة أن سلوك الإيذاء الذاتي أخذٌ في الارتفاع بين المراهقين. أولئك الذين يفعلون ذلك يقول إنها وسيلة للتعامل مع الألم العاطفي.
في أول مرة تتذكر روث كارتر أنها أضرت نفسها، كانت تبلغ من العمر 13 عامًا وتساعد في صناعة لافتات لحفل تخرجها في الصف الثامن.
تقول كارتر، وهي من فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية: “كنا نلصق اللافتات بواسطة الغراء الساخن”، وأنا أتقصد استخدم الكثير من الغراء الساخن على إحدى القطع، مع العلم أنه عندما أدفعها إلى الأسفل فإن الغراء الساخن سوف يتسرب من الجانبين وسوف أحرق نفسي”.
شعرت حقًا أنني تُركت وحيدةً في العالم. الطريقة التي كنت أعيش فيها حياتي لم تكن جيدة، وهذا شيء غريب لأن تفكر فيه فتاة لم تتجاوز الـ 13 عامًا من العمر.
وبحلول الوقت الذي غطى به الغراء جلدها، أدركت كارتر أن هذه كانت فكرة سيئة. ولكن الألم الجسدي أعطاها وسيلة للتعامل مع الإجهاد في حياتها، والتي شملت الاعتداء الجسدي والعاطفي، فضلًا عن الشعور بأن حياتها في ذلك الوقت لم تكن صحيحةً تمامًا.
في نهاية المطاف أصبح هذا الفعل الوحيد من الأذى عادةً بقيت معها حتى منتصف سن العشرينيات من عمرها. حيث قالت إنها لم تقطّع نفسها باستخدام شفرات الحلاقة أو غيرها من الأشياء الحادة، لكنها وجدت الراحة العاطفية عن طريق خدش جلدها باستخدام أظافرها.
إيذاء النفس يزداد عند المراهقين
قصة كارتر ليست كلها غير عادية، 13 إلى 35 في المئة من الطلاب قد جرحوا أنفسهم عمدًا في مرحلة ما، وفقًا للمركز الوطني لاضطراب ما بعد الصدمة PTSD.
وتشمل الإجراءات النموذجية قطع، خدش، سحب الجلد أو الشعر. وبعض الأشخاص قد يقومون أيضًا بضرب رؤوسهم بالجدار أو لكم الأجسام أو أنفسهم.
وتشير دراسةٌ جديدةٌ إلى أن هذا النوع من السلوك، والذي غالبًا ما يبدأ في سن المراهقة أو في بداية مرحلة البلوغ قد يزداد.
ووجد الباحثون أن الإصابات الذاتية في الفترة ما بين عامي 2009 و2012 شكلت عددًا متزايدًا من الزيارات التي قام بها المراهقون إلى غرف الطوارئ، حيث ارتفعت من 1.1 في المائة إلى 1.6 في المائة من مجموع الزيارات.
وعمومًا، كانت الطريقة الأكثر شيوعًا لإيذاء النفس هي قطع أو ثقب الجلد. وكانت هذه الطريقة الأكثر شيوعًا التي تستخدمها الفتيات، في حين كانت الأسلحة النارية هي التي يستخدمها المراهقون الذكور. وتشمل الطرق الأخرى التي يقوم بها الأطفال والمراهقون بإيذاء أنفسهم السقوط المتعمد والاختناق والتسمم.
واستخدمت الدراسة، التي نشرت على الإنترنت في الـ 15 يونيو في مجلة طب الأطفال، المعلومات التي تم جمعتها من قاعدة بيانات المركز الوطني لاضطراب ما بعد الصدمة PTSD. وشمل ذلك أكثر من 286،000 حالةٍ لأطفالٍ ومراهقين تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 18 عامًا في غرف الطوارئ بين عامي 2009 و2012.
ليس كل الأذى الذاتي له علاقة بالانتحار
على الرغم من أن سلوك الإيذاء الذاتي لدى الأطفال قد يؤدي على الفور إلى المخاوف الأبوية من الانتحار، لكن هذا نادرًا ما يحدث.
يقول غريتشن كوتلر، الحاصل على الدكتوراه، والباحث الرئيسي في الدراسة من مستشفيات وعيادات الأطفال في مينيسوتا في رسالة إلكترونية: “إن غالبية سلوكيات إيذاء النفس لدى المراهقين تتم بدون نية انتحارية. “في الواقع، المراهقين أكثر عرضة للإصابة النفس الانتحارية مقارنة مع الفئات العمرية الأخرى”.
لم تكن بيانات مركز الصدمة المستخدمة في دراسة الأطفال والمراهقين مفصلةً بما فيه الكفاية لمعرفة ما إذا كان المراهقون الذين أضرروا أنفسهم يحاولون الانتحار. ومع ذلك، وجدت دراسة حديثة للمراهقين في إنكلترا أن 25٪ فقط من الذين أبلغوا عن الإيذاء الذاتي أرادوا أن يموتوا.
ومع ذلك، هناك سبب وجيه للوالدين والأطباء ليكونوا في حالة تأهب إذا ظهرت علامات إصابات ذاتية عند المراهقين والشباب.
ويقول كاتلر “إن أي سلوك يضر بالذات يثير القلق حتى وان لم يكن هناك نيةٌ انتحارية”، حيث أن المراهقين الذين يؤذون أنفسهم هم أكثر عرضة لمحاولات الانتحار في المستقبل”.
إيذاء النفس عند المراهقين يهدف للراحة العاطفية
يعتقد الكثير من الناس أن دافع المراهقين لإيذاء أنفسهم هو لجذب اهتمام الأخرين. لكن الأمر ليس كذلك كما يقول بينا ستروبر، وهو طبيب نفسي مرخص ومعتمد في علم النفس المدرسي. “أكثرهم يفعلون ذلك لتهدئة النفس، وأنهم لا يريدون أن يرى الناس الآخرين ذلك، وخاصةً والديهم”.
وللحفاظ على سرية سلوكهم، بعض المراهقين يضرون أنفسهم في المناطق التي تكون من المرجح غير ظاهرة كالذراع العليا والفخذين والصدر العلوي. وليس كل الضرر الذاتي هو شديد بما فيه الكفاية لإرضاء المراهقين. وهذا يجعل من الصعب حقًا معرفة عدد المراهقين يفعلون ذلك.
الأسباب الدقيقة التي تجعل المراهقين يؤذون أنفسهم معقدة، الأمر الذي يجعل من الصعب علاجه. فقد يجرح البعض أنفسهم للتمرد ضد والديهم، أو حتى لتقليد أقرانهم.
ولكن بالنسبة للكثيرين فإنه يوفر نوعًا من الإفراج عن العواطف التي قد لا يمكن التعامل معها بأي وسيلةٍ أخرى.
تقول تيريزا أوبراين البالغة من العمر 44 عامًا، من دوفر، في ولاية نيو هامبشاير، “أعتقد أن الجميع ينظر إلى هذا السلوك على أنه لجذب الاهتمام، لكنه لم يكن كذلك”.
في سن المراهقة، بدأت أوبراين تضر نفسها، بما في ذلك جرح ذراعها وإزالة الجلد.
وتقول “إن الألم الجسدي يشعرك بالتأكيد بشعورٍ أفضل، وهو نوع من الابتعاد عن الألم العاطفي”
قد يعاني المراهقون الذين يؤذون أنفسهم أيضًا من أنواعٍ أخرى من مشاكل الصحة العقلية، مثل الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، واضطراب ثنائي القطب.
وعلى الرغم من أن الدراسة لم تثبت وجود اضطرابات الصحة العقلية إلا في حوالي 5 في المائة من المراهقين الذين أضروا بأنفسهم، فإن العديد من الحالات يمكن أن تكون قد فقدت وقت زيارتهم لغرف الطوارئ.
علاج الإيذاء الذاتي عند المراهقين يمكن أن يستغرق سنوات
البحث عن أخصائي الصحة العقلية يمكن أن يساعد المراهقين على الانتقال من إيذاء النفس إلى الراحة. ولكن ليس الجميع سيكونون على استعداد لوقف سلوكهم على الفور، وهذا أمر يحتاج الآباء والأمهات أن يأخذوه بعين الاعتبار.
بالنسبة لكارتر التي كانت تؤذي نفسها، حدث تحول في نظرتها مع معالجتها الثالثة، ولكن حتى ذلك الحين استغرق الأمر الكثير من العمل الشاق لتغيير عاداتها باستخدام الإيذاء الذاتي كنوع من الأدوية العاطفية.
تقول كارتر عن علاجها “لقد كان لدينا جولات متعددة من العلاج حيث كان التركيز على إدارة الرعاية الذاتية بحيث لا أضر نفسي بأي شكلٍ من الأشكال”، وتضيف “استغرق الأمر بضع سنوات لمجرد تعلم كيفية ركوب موجة القلق وليس التداوي بالإيذاء الذاتي”.
على الرغم من ذلك، لا يزال أوبراين يتحول إلى سلوك يضر بالذات للتعامل مع الإجهاد، الذي طغى عليها منذ حوالي ثلاث سنوات. وبدون تأمين صحي، وهو عامل خطر آخر لإيذاء النفس التي حددتها دراسة طب الأطفال، فهي لا تستطيع تحمل تكلفة المشورة الطبية التي قد تساعد.