صناعة الزجاج … بدءًا من حبيبات رمل إلى تحف فنية وعملية

يعد الزجاج من أكثر المواد الخام التي اكتشفتها البشرية فائدةً وفعاليةً منذ القدم، ويعود تاريخ صناعة الزجاج إلى زمن قديم جدًا يقدر ب 2500 عام قبل الميلاد، عند اكتشاف الزجاج الطبيعي الناتج عن حدوث البراكين (حجر السج البركاني) في مصر القديمة، وآلية تشكله الناتجة عن إخضاعه لتغيرات متباينة في الحرارة.

فالزجاج مادة مدهشة لا يمكن تصور الحياة الحديثة بدونها، يتمتع بتركيبة كيميائية فريدة، فهو مادة صلبة غير متبلورة وشفافة، غير قابلة للاحتراق، كما أنها مادة خاملة تمامًا، لأنها لا تتفاعل مع محتواها أو مع محيطها، لذا فهي مناسبة جدًا للتطبيقات العلمية والجراحية والصيدلانية. وقد حظيت صناعة الزجاج بأهمية كبيرة عبر العصور.

تاريخ صناعة الزجاج

شكّل اكتشاف فن نفخ الزجاج من قِبل أحد عمال سوريا وفلسطين، نقطة تحول في تاريخ صناعة الزجاج، وذلك قبل الميلاد بقرن من الزمن، فقد غيّر هذا الاختراع فلسفة صناعة الزجاج بأكملها إلى حد كبير وجعلها مادة عملية متوفرة بأسعار معقولة.

وقد انتشرت هذه الصناعة لاحقًا في جميع أنحاء أراضي الإمبراطورية الرومانية القديمة، وفي النهاية في أوروبا بأكملها والعالم وذلك بسبب غزو الرومان لليهود في عام 63 قبل الميلاد. فقد كان الرومان مهتمين جدًا باستخدام الزجاج، لدرجة أنهم استخدموه ليس فقط لصنع الأطباق والمجوهرات ولكن أيضًا للأغراض المعمارية. اليوم يستخدم الزجاج كأحد مواد البناء الأكثر شيوعًا، وفي صنع أدوات المطبخ المختلفة، والنوافذ وأنواع مختلفة من الأشياء الزخرفية الصغيرة.

أنواع الزجاج والمواد الخام المستخدمة في صناعته

أنواع الزجاج والمواد الخام المستخدمة في صناعته

الزجاج مادة صلبة غير متبلورة، يمكن أن يكون لها شكل مادة صلبة وهشة أومادة سائلة منصهرة، ويسمى هذا السلوك التزجج، وتشمل المواد الخام  التي تدخل في صناعة مختلف أنواعه التالي:

1 – زجاج السيليكا

هو المادة الأساسية لتشكيل زجاج السيليكا وهو مناسب للإستخدام في كثير من الصناعات، مثل زجاج البصريات، الألواح الزجاجية، زجاج الكريستال، قوالب السباكة.

2 – زجاج الجير النافع

 يتكون من أكسيد السيليكا، الصوديوم، المغنيسيوم، الجير، الألومينا ويتميز بسهولة تشكيله شفافيته العالية، لذا فهو مناسب للعناصر الزخرفية والنوافذ. يتكون من أكسيد السيليكا، الصوديوم، المغنيسيوم، الجير، الألومينا ويتميز بسهولة تشكيله شفافيته العالية، لذا فهو مناسب للعناصر الزخرفية والنوافذ، ويجب الحرص في هذه الحالة عند تحويل الرمل إلى زجاج ألا تتجاوز كمية الحديد في الرمل حد معين لأن ذلك قد يتسبب بتعتيم النوافذ. كما أنه لا بد من إضافة عناصر أخرى أثناء تحويل الرمل إلى زجاج من أجل تحسين مستوى مقاومته وكذلك لونه وشفافيته.

3 – زجاج بوروسيليكات الصوديوم

 يتكون من السيليكا، أكسيد البورون، أكسيد الصوديوم، الألومينا. ويعد هذا النوع هو الأكثر استخدامًا في معدات المطابخ والمختبرات.

4 – زجاج الكريستال

يتكون من السيليكا، أكسيد الصوديوم، أكسيد الرصاص، أكسيد البوتاسيوم، الألمنيوم، أكسيد الزنك. وهو الأكثر استخدامًا في المصانع.

5 – زجاج الأكسيد

يتكون من أكسيد الألومينا والجرمانيوم الذي يستخدم في الألياف الضوئية. أما المادة الخام للزجاج في المواد الأخرى هي إعادة تدوير الزجاجات الأخرى مع استخدام إضافات مثل: كبريتات الصوديوم، كلوريد الصوديوم، ثالث أكسيد الأنتيمون. وذلك بهدف تقليل الفقاعات داخل الزجاج وزيادة مقاومته.

طريقة تحضير الزجاج قبل صناعته

هناك بعض التفاصيل الدقيقة التي يجب مراعاتها عند تحضير الزجاج في المصنع، حيث يدخل في تركيبه مواد مثل الرمل والجير وكربونات الصوديوم والسيليكا، والتي تلعب دورًا هامًا في نجاح تشكيله مع مراعاة ظروف أخرى أهمها:

  •  عند اختيار الرمل المطلوب لإنتاج الزجاج يجب الحرص أن يكون كوارتز نقي تقريبًا، مع القليل من كربونات الصوديوم التي تلعب دوراً مساعداً في الصهر عند إنتاجه.
  • استخدام كبريتات وكلورات الصوديوم، التي تعمل على التخلص من الفقاعات في الزجاج.
  • استخدام نترات الصوديوم، التي تعمل على اختفاء اللون الأخضر الذي يمكن رؤيته في بعض النظارات بسبب وجود أكسيد الحديد.
  • عند صنع الزجاج وفي مرحلة الصهر، يتم اللجوء إلى نوعين من الأفران لإنجاز عمليات التشكيل هما: الأفران المرجلية والتي تعمل بطاقة 2 طن أو أقل، ويكون استخدامها شائعًا لصناعة زجاج البصريات، وكذلك صناعة زجاج الصناعات الفنية التي تتم بطريقة الصب. أما النوع الثاني من الأفران فهو الأفران الصهريجية،وهو عبارة عن بوتقة مصنوعة من نوع محدد من الطين أو من البلاتين، وتتراوح استطاعتها اليومية بين 1 إلى 10 طن، ويتم تسخينها باستخدام الغاز أو الطاقة الكهربائية.

مراحل صناعة الزجاج

مراحل صناعة الزجاج

مع أن المواد المستخدمة في صنع أنواع الزجاح قد تختلف، إلا أن مراحل صناعته واحدة، وتتلخص بمايلي:

المرحلة الأولى

اختيار المادة الخام لإنتاج الزجاج بعناية، وهي رمل السيليكا (الكوارتزSiO2)، فكلما قلت كمية الشوائب فيها، كلما حصلنا على زجاج أكثر نقاءً. وتعد السيليكا مادة رخيصة الثمن ولن يكلف تحضيرها الكثير.  إذا لم يكن من الممكن الحصول على السيليكا النقية وكانت السيليكا بها شوائب من الحديد، فمن الممكن منع تأثير لونها عن طريق إضافة بعض أكسيد المنغنيز.

المرحلة الثانية

يتم إضافة كربونات الصوديوم ، وأكسيد الكالسيوم (CaO)إلى السيليكا. تعمل كربونات الصوديوم (المعروفة أيضًا باسم صودا الغسيل) على خفض درجة الحرارة المطلوبة لإنتاج الزجاج، بفضل احتوائها على أكسيد الصوديوم (Na2O). كما أنها تسمح للماء بالمرور عبره، لذلك يضاف أكسيد الكالسيوم أو الجير أيضًا إلى مزيجها مع السيليكا. ولجعل الزجاج المنتج أكثر متانة يمكن أيضًا إضافة المغنيسيوم أو أكسيد الألومنيوم.  بحيث لا تتجاوز هذه الإضافات 26% إلى 30% من التركيبة ككل.

أما في حال أردنا الحصول على الزجاج الزخرفي، يمكن إضافة أكسيد الرصاص لهذه التركيبة، مما يقلل من نقطة الانصهار ويكسبه مظهره البلوري والناعم.  في حين قد تتطلب عدسات النظارات استخدام أكسيد اللانثانم، بسبب خصائصه الانكسارية.  بينما يساعد استخدام الحديد الزجاج على امتصاص الحرارة ويجعل لونه أخضر. كما أن إضافة أكاسيد المعادن إلى التكوين الأولي، يمكّننا من إنتاج زجاج بألوان مختلفة. 

المرحلة الثالثة

يتم وضع الخليط الذي تم الحصول عليه في وعاء مقاوم للحرارة، يدعى الحاوية، يجب أن تتمتع الحاوية بالمقاومة اللازمة لدرجة حرارة الفرن العالية جدًا.  واعتمادًا على الإضافات الخاصة بك، يمكن أن يذوب المركب الناتج في نطاق درجة حرارة بين 1500 و 2500 درجة مئوية. 

المرحلة الرابعة

نضغ الخليط في الفرن ليذوب و ينصهر باستخدام أفران الغاز، كما يمكن القيام بذلك أيضًا باستخدام أفران كهربائية. تكون درجة حرارة انصهار السيليكا بدون إضافات 2300 درجة مئوية.

تؤدي إضافة كربونات الصوديوم (الصودا) إلى خفض درجة الحرارة المطلوبة لصنع الزجاج حتى 1500 درجة مئوية.

لصنع زجاج شفاف، هناك حاجة إلى مجموعة مناسبة من المواد الخام، وتشمل هذه المواد رمل السيليكا (SiO2) وأكسيد الصوديوم (Na2O) من كربونات الصوديوم وأكسيد الكالسيوم (CaO) من الحجر الجيري أو الدولوميت (MgO) والفلسبار (Al2O3).  يتم خلط هذه المواد بنسبة مناسبة، وتوضع في فرن يتم تسخينه إلى 1500 درجة مئوية، يتم أيضًا تضمين أكاسيد معدنية معينة في الفئة من أجل نقل اللون إلى الزجاج.

المرحلة الخامسة

 إزالة الفقاعات من الزجاج المنصهر لجعله موحد ومتجانس. من الممكن التخلص من الفقاعات أثناء الذوبان عن طريق إضافة بعض المواد الكيميائية، مثل كبريتات الصوديوم أو كلوريد الصوديوم أو أكسيد الأنتيمون.

 المرحلة السادسة

تشكيل الزجاج المنصهر ويتم ذلك بعدة طرق:

  • يمكن سكب الزجاج المنصهر في قالب بالشكل المطلوب ويترك ليبرد.  تم استخدام هذه الطريقة من قبل المصريين القدماء، ويتم إنتاج العديد من العدسات اليوم بهذه الطريقة.
  • يمكن تجميع الزجاج المنصهر في نهاية أنبوب مجوف، ومن ثم يمكن تشكيل الزجاج عن طريق نفخه وتمرير الهواء فيه.  هذه الطريقة هي واحدة من أقدم طرق تشكيل الزجاج وأكثرها موثوقية ، والتي لا تزال مستخدمة على نطاق واسع حتى يومنا هذا.  تسمى هذه الطريقة بالزجاج المنفوخ.  تؤثر الجاذبية والسطح الذي يوضع عليه الزجاج ، بالإضافة إلى مهارة الحرفي الرئيسي في تحديد الشكل النهائي للزجاج الناتج.
  • يمكن تحويل الزجاج المنصهر إلى زجاج مسطح باستخدام حمام القصدير وضغطه بالنيتروجين. الزجاج المصنوع بهذه الطريقة يسمى زجاج الفلوت. اخترع أليستر بيلكنجتون هذه الطريقة في عام 1950 وما زالت تستخدم لإنتاج الزجاج المسطح.

 المرحلة السابعة

تسمى هذه المرحلة “التلدين” وتعني “الحرارة العالية ثم التبريد” ستزيل هذه الطريقة الضغوط الداخلية التي قد تكون نشأت في الزجاج.  لأن الزجاج غير الملدن يكون أضعف بشكل ملحوظ. حيث تسمح هذه العملية للسطح الزجاجي بالمرور عبر طبقة تزيل أي ضغط عليه وتبريده تدريجيًا لإعطائه شكله النهائي المتصلب.  بعد الانتهاء من هذه العملية، يمكن تحسين الزجاج من حيث القوة والمقاومة، واستخدامه بطرق مختلفة مثل التقسية أو التصفيح أو طرق أخرى مما يجعل من السهل قطعه وتشكيله.

 مرحلة فحص الجودة وقطع الزجاج

وهي المرحلة الأخيرة من مراحل صنع الزجاج، وتعد مرحلة هامة لضمان أعلى جودة للمنتج، حيث تقوم الماسحات الضوئية بمسح شريط الزجاج المقوى لاكتشاف العيوب.

بينما من المعروف أن عملية التعويم تنتج زجاجًا لا تشوبه شائبة، إلا أن هناك حالات نادرة قد تكون فيها حبة الرمل قاومت الذوبان، أو قد تسبب الاهتزازات في حمام التعويم حدوث تموجات وفقاعات في الزجاج.

يمكن أن تتحكم طريقة الفحص الأوتوماتيكي في عمليات القطع. يتم تحديد الخطوة الأخيرة بواسطة برنامج كمبيوتر حيث يتم قطع الزجاج وفقًا لطلب العميل وبيعه له.  يباع الزجاج المصقول عمومًا بالمتر المربع. تقوم أجهزة الكمبيوتر بتزويد العميل مواصفات آلية قطع الزجاج بأنماط مصممة لتقليل الفاقد.

التقنيات المستخدمة في صناعة الزجاج اليوم

يتم إنتاج الزجاج باستخدام تقنيتين، الزجاج المصقول والنفخ اليدوي للزجاج.

1 – النفخ اليدوي للزجاج

في طريقة النفخ اليدوي للزجاج، يتم صنع الزجاج بعناية في ثلاث خطوات أساسية، وتعد بقايا الزجاجات الفارغة وغيرها المادة الأولية التي سيعتمد عليها بهذه الطريقة وتتضمن خطواتها: صهر المواد الخام، صب الزجاج أو نفخه في قوالب الحاوية، التبريد والفحوصات النهائية للجودة.  تعد هذه الطريقة هي الأكثر شيوعًا للحصول على أدوات وأشكال فنية. أما مراحل العمل بالتفصيل فتتضمن مايلي:

  •  يتم إذابة بقايا الزجاج في فرن عند درجة حرارة 1600 درجة مئوية، حتى إلى عجينة.
  • يقوم الحرفي بعدها باستخدام أنبوب فارغ، بتوجيه الزجاج المصهور ويحاول تشكيله بالنفخ. حيث يحصل على أوعية مختلفة مثل الأكواب والزجاجات والأطباق والأوعية وغيرها الكثير من بين هذه الحاويات. ولابد من أن تبلغ درجة الحرارة الداخلية للأنبوب المستخدم 1000 درجة مئوية.

2 – تقنية الزجاج المصقول

 تستخدم هذه العملية لإنشاء نوافذ مسطحة، وتعرف أيضًا هذه العملية باسم عملية Pilkington، تكريماً لمخترعها (السير Alastair Pilkington). في هذه العملية، يُسكب الزجاج على سطح المعدن المنصهر، الذي يكون عادةً من القصدير أو الرصاص، ويتميز بأن له نقطة انصهار منخفضة.

تعطي هذه الطريقة الصفيحة الزجاجية سمكًا موحدًا وسطحًا مستويًا جدًا.  كما يمكن طلاء أي منتج زجاجي أو معالجته بالحرارة أو نقشه أو تزيينه بعد إنتاجه مباشرة.

ويكون معظم الزجاج المصقول عبارة عن زجاج جير صودا كمادة أولية أساسية ولكن لصنع شاشة مسطحة مثلًا وفقًا لعملية الزجاج المصقول، تتم إضافة كميات صغيرة نسبيًا من البورسليكات الخاصة.

صناعة الزجاج المقسى للبناء

صناعة الزجاج المقسى للبناء

يتميز الزجاج المقسى بمقاومته العالية، والأمان الكبير الذي يوفره للمستهلك، مما جعل استخدامه يتزايد في صناعة البناء يوماً بعد يوم. يُصنع الزجاج المقسّى عادًة من الزجاج العادي أثناء المعالجة الحرارية.

في بداية العمل يجب قطع الزجاج العادي حسب الأبعاد المرغوبة، وتعد هذه الخطوة هامة جدًا، حيث لا يمكنك تغييرالأبعاد بعد تعتيم الزجاج لأن ذلك سيسبب تحطمه.

بعد ذلك يتم تلميع الحواف ووضعها في الفرن حتى تصل درجة حرارتها إلى 700 درجة وتصبح عجينة.  في الخطوة التالية، بعد إخراج الزجاج من الفرن، يتم وضعه في حجرة التبريد مباشرة، ولأن الأجزاء الخارجية يتم تبريدها قبل الجزء الداخلي، فإنها تخلق مقاومة عالية له. 

استخدامات الزجاج

بما ان الزجاج مادة خاملة تمامًا، لا تتفاعل مع محتواها ومحيطها، فهي مناسبة جدًا للتطبيقات العلمية، الجراحية، الصيدلانية، حيث تستخدم في صناعة:

  • العبوات الزجاجية المستخدمة في المطبخ مثل القوارير والمرطبانات، وكذلك الأواني الزجاجية المنزلية مثل الأباريق والنظارات
  • المباني والمركبات باستخدام الزجاج المسطح.
  • تقوية المباني باستخدام الألياف الزجاجية والعزل.
  • الأدوات الزجاجية الطبية مثل أنابيب المختبر.
  • الديكور الداخلي، من خلال توظيف الزجاج الملون، المرايا، الحاجز الزجاجي.
  • شاشات التلفاز والكمبيوتر.

المصادر

خطوات صنع الزجاج  ما هي المادة الخام للزجاج؟ | ramadoor

 خطوات صنع وانتاج الزجاج | charsik

كيفية صنع الزجاج | arzhandoor

شارك المعلومة؛ فالدال على الخير كفاعله