بيتهوفن الموسيقي والملحن وعازف البيانو الألماني الموهوب واحد من أعظم الموسيقيين الذين مروا في تاريخ البشرية والذي أبدع مقطوعات موسيقية يشهد له العالم بتفوقها وبراعتها وما تحتويه من عظمة، ويعود له الفضل في تطور الموسيقى إبان الحقبة الكلاسيكية في أوروبا نتيجة ما أبدعه من أعمال موسيقية جعلته أحد أكثر المؤثرين في المجال الفني الموسيقي.
لديه الكثير من الأعمال الموسيقية التي تشهد على براعته ما بين الأوركسترا والسوناتات والأوبرا والكونشرتو والسيمفونيات التسعة الشهيرة، والتي سنتعرف عليها في هذا المقال ونلقى نظرة على تفاصيل ظهور كل منها وتاريخها.
سيمفونيات بيتهوفن التسعة
السيمفونية الأولى
بدأ بيتهوفن بكتابة سيمفونيته الأولى عام 1799 ومن ثم عزفت لأول مرة في عام 1800 على المسرح الوطني للعاصمة النمساوية فيينا، يظهر في هذه السيمفونية تأثر بيتهوفن بشكل واضح بأعمال كل من هايدن وموتسارت والذين كانوا قد سبقوه بأعمال موسيقية عظيمة اعتاد سماعها الجمهور في تلك الفترة.
ولكن برغم هذا التأثر عدت السيمفونية كعمل تجديدي فيه الكثير من الاختلاف عن أي سيمفونيات كانت معروفة بتلك الفترة، إذ افتتح بيتهوفن سيمفونيته بمقام دو الكبير وهو الأمر الذي لم يكن شائع فيمن سبقوه من الموسيقيين. تعزف السيمفونية باستخدام ألان الفلوت والبوق والهورن والكلارينيت والفاجوت والتيمباني إلى جانب الآلات الوترية القوسية.
السيمفونية الثانية
أول ما عزفت هذه السيمفونية عام 1803 وكان ذلك في أحد مسارح فيينا أيضًا كما السيمفونية الأولى، وأيضا كما السيمفونية الأولى كتب بيتهوفن سيمفونيته الثانية بينما كان يعاني من مرضه وسمعه يتلاشى بشكل متسارع، وهذا ما دفع البعض إلى تفسير السمفونية على إنها محاولة من الموسيقي للتعبير عن رفض مشكلته الصحية تلك ومحاولته التغلب عليها من خلال الإيقاع الموسيقي المبهج لهذه المقطوعة، بينما فسرها أخرون على عكس ذلك. تعزف السيمفونية الثانية من سيمفونيات بيتهوفن بنفس الآلات التي تستخدم لعزف الأولى.
السيمفونية الثالثة
عزفت لأول مرة في فيينا سنة 1805 وتعتبر هذه السيمفونية أكثر عظمة وإبداع من السابقتين، بل ويعتبرها البعض بداية مرحلة الأبداع الموسيقي لبيتهوفن وواحدة من أفضل السيمفونيات على مر التاريخ بسبب ما تحتويه السيمفونية من جمال موسيقي وعمق عاطفي جُمع في مقطوعة موسيقية محكمة الإتقان، كان قد أهداها بيتهوفن لنابليون كتعبير عن الروح الثورية الي سادت أوروبا خلال ذلك العصر، ولكن بيتهوفن عاد لاحقًا وقام بحذف اسم نابليون من المقطوعة ردًا على تصرفاته الاستبدادية.
السمفونية الثالثة لبيتهوفن والتي يشار لها احيانًا بـ “الإيرويكا” نالت استحسان معظم النقاد والموسيقيين حول العالم من تاريخ كتابتها حتى اليوم، وتعتبر مثال على عظمة هذا الموسيقار وعبقريته الفريدة من نوعها في الأعمال الموسيقية التي قدمها للبشرية.
السيمفونية الرابعة
كانت قد عزفت سيمفونية بيتهوفن الرابعة لأول مرة عام 1807 في منزل أحد الأمراء النمساويين، وهي تعد من المقطوعات ذات الموسيقى المبهجة والباعثة على الارتياح بالنظر إلى السيمفونيات السابقة التي لا تخلو من إشارة إلى الكفاح والنضال والصراعات التي كانت تعانيها أوروبا في عصر بيتهوفن.
تعد هذه السيمفونية الأقل شهرة وصيت من بين سيمفونيات بيتهوفن التسعة، وهذا الإهمال لهذه المقطوعة هو ليس جديد بل منذ بداية نشرها لم تنل الكثير من الاهتمام، ولم يقم النقاد بتسليط الكثير من الضوء عليها.
السيمفونية الخامسة
السيمفونية الخامسة لبتهوفن عزفت لأول مرة على مسرح فيينا الوطني عام 1808 وتعد اليوم واحدة من أشهر مقطوعات الموسيقى الكلاسيكية شأنها بذلك شأن الكثير من أعمال بيتهوفن. يزعم العديد من النقاد اليوم إلى أن الافتتاحية الموسيقية لهذه السيمفونية تشير إلى مفهومي المصير والقدر على الرغم من عدم ذكر أي ما يؤكد ذلك من آثار بيتهوفن. وفي كل الأحوال تعد السيمفونية الخامسة واحدة من أبرز الأمثلة على مفهوم “الموسيقى المطلقة” النقية التي لا تحتاج لأي شكل من الإضافات النصية أو التمثيلية.
يذكر إن هناك الكثير من الجدال والنقاشات التي ما زالت دائرة على مدى عقود من السنين الماضية حول مفهوم “الموسيقى المطلقة” ومحاولة تشكيل تعريف محدد وواضح لها، ولكن حتى اليوم لم تصل كل تلك النقاشات إلى نتائج مثمرة.
السيمفونية السادسة
قدمت لأول مرة في فيينا كذلك في العام 1808 ويشار لها أحيانًا بالسيمفونية الرعوية نسبة إلى الأدب الرعوي المستمد من الطبيعة، إذ من المعروف عن بيتهوفن حبه لطبيعة وهو القائل “الطبيعة حديقة الله” وبالتالي كانت السيمفونية السادسة من سيمفونيات بيتهوفن تصوير للطبيعة وما تحتويه من جمال وتعبير عن الشغف الذي يكنه الموسيقار في داخله لجمال الطبيعة.
في بداية نشر هذه السيمفونية لم تحظى بالكثير من الأعجاب من قبل الجمهور والنقاد على حد سواء، ففي تلك الفترة من حياة بيتهوفن كان الجمهور قد اعتاد على موسيقاه التي تمجد الروح الثورية وتصور مفاهيم البطولة والشجاعة، ليتفاجأ مع السيمفونية السادسة التي تحول فيها بيتهوفن لتمجيد الطبيعة، ولكن مع ذلك استطاعت المقطوعة أن تحافظ على وجودها وما زالت تعزف حتى اليوم في القاعات والمسارح الكبرى.
السيمفونية السابعة
كان قد عمل عليها بيتهوفن بين عامي 1811 – 1812 وعرضت لأول مرة عام 1813 ويسميها البعض “سيمفونية تمجيد الرقص” إذ قدمت على أنغامها بعض من لوحات الباليه نظرًا للإيقاع السريع الذي ظهر في المقطوعة والموسيقى المرحة فيها. السيمفونية كانت قد لاقت نجاح منقطع النظير منذ ظهورها على الرغم من بعض الأصوات الناقدة والرافضة لها لسبب أو آخر، ولكن استطاع بيتهوفن بشخصيته وحضوره الاجتماعي اللافت لدى معظم الطبقات الاجتماعية في عهده تكريس نجاحها في الوسط الفني والموسيقي.
السيمفونية الثامنة
اشتغل فيها بيتهوفن أعوام 1811 – 1812 خلال أقامته بأحد المنتجعات الصحية في بوهيميا في التشيك، وعزفت لأول مرة بعام 1814 خلال إحدى الأمسيات الموسيقية في قصر هوفبورغ فيينا. السيمفونية التي تعزف بمدة 25 دقيقة كان قد ألفها بيتهوفن خلال فترة مرح وهزل من حياته تخللها الكثير من المغامرات في المنتجع الذي أقام فيه بصحبة عدد من الأصدقاء لذلك يغلب عليها – أي السيمفونية – طابع المرح بإيقاع متوسط إلى سريع.
السيمفونية التاسعة
وهي السيمفونية الأخيرة من سيمفونيات بيتهوفن وتسمى أيضًا باسم السيمفونية الكورالية وكان أنتهى بيتهوفن من كتابتها سنة 1824 وهي الوحيدة من سيمفونيات بيتهوفن التي تحتوي على أصوات مغنيين لذلك وصفت بالكورالية، حيث تنشد بالجزء الأخير منها وعبر أربعة مغنيين كلمات من نشيد الفرح للشاعر الألماني شيلر إلى جانب بعض الإضافات التي وضعها بيتهوفن نفسه.
السيمفونية الأخيرة هذه واحدة من أهم أعمال بيتهوفن ويصفها البعض بأنها من أفضل وأعظم الأعمال الكلاسيكية الغربية على الأطلاق، إذ لاقت الكثير من القبول والانتشار منذ ظهورها وما زالت حتى اليوم، فهي العمل الذي ألهم الكثير من الشعراء والكتاب والفنانين واستمدوا منها لإغناء أعمالهم الخاصة. ويُحتفظ اليوم بالنوتة الموسيقية الأصلية في سجل ذاكرة العالم لدى اليونسكو.
هذا كان موجز صغير عن كل من سيمفونيات بيتهوفن التسعة التي كتبت على مدى 25 عام من حياة بيتهوفن بين عامي 1799 إلى 1824، وكان أخرها السيمفونية التاسعة التي تصنف اليوم من ضمن أفضل المقطوعات الموسيقية التي انتجتها يد بشرية على الأطلاق.