قيل في كثير من الأحيان إن الربح هو الهدف الوحيد من العمل بالنسبة لأولئك الذين يديرون الأعمال التجارية، فإن المعلومات حول الأداء المالي للمؤسسة هي أحد المتطلبات الأكثر أهمية. هذه المعلومات غير متاحة بسهولة ولا يمكن الحصول عليها إلا من خلال تسجيل جميع المعاملات التجارية وتصنيفها وتلخيصها بشكل منهجي، يسمى فرع المحاسبة الذي ينجز هذه المهام بموجب إجراءات موحدة دولياً بالمحاسبة المالية.
تعريف المحاسبة المالية
هو فرع متخصص من المحاسبة يسجل ويُبَلِغ عن معلومات حول الوضع المالي والأداء المالي للشركة بشكل رئيسي، لا تقتصر المحاسبة المالية على تسجيل وتصنيف وتلخيص المعلومات حول المعاملات التجارية فقط بل تقوم أيضًا بالإبلاغ عن هذه المعلومات إلى أصحاب المصلحة المعنية، أي بمعنى آخر تستخدم تلك المعلومات المحاسبية من قبل متخذي القرارات سواء كانوا من داخل أو خارج الشركة.
كيف تحقق المحاسبة المالية مهامها؟
تقوم المحاسبة المالية بشكل رئيسي بإنشاء ثلاثة بيانات (قوائم) مالية لتوفير المعلومات المطلوبة وهي:
- الميزانية العمومية (المركز المالي).
- بيان الدخل.
- بيان التدفقات النقدية.
تُقدِم هذه البيانات لأصحاب المصلحة المعنية فكرة واضحة عن أداء أعمال الشركة ومركزها المالي خلال فترة محددة، إن هدف المحاسبين الماليين ليس تقدير قيمة الشركة بل تسهيل هذا التقييم من قبل الآخرين.
أهداف المحاسبة المالية
يمكن وضع أهداف المحاسبة المالية في أربع فئات على النحو التالي:
- تسجيل البيانات المالية عند حدوثها بحيث يمكن تحليل هذه البيانات من أجل الحصول على معلومات المالية.
- الحصول على نتيجة الأعمال من ربح أو خسارة من أجل تمكين الإدارة من اتخاذ استراتيجيات لتصحيح المسار إذا لزم الأمر.
- التحقق من القوة المالية للشركة من خلال تحديد أصولها ( ما تملكه الشركة) وخصومها ( ما لديها الشركة من التزامات تجاه الغير)
- إيصال المعلومات إلى أصحاب المصلحة من خلال البيانات والتقارير حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات المناسبة بشأن استثماراتهم في الأعمال.
القوائم المالية
لتحقيق أهداف المحاسبة المالية يقوم المحاسبون الماليون بشكل أساسي بإعداد ثلاثة أنواع من القوائم المالية كما ذكرنا سابقاً. سنتحدث بشكل مفصل عن هذه القوائم:
1.الميزانية العمومية
تفصح الميزانية العمومية عن المركز المالي للشركة في نهاية تاريخ محدد ويصفها البعض بأنها “صورة لحظية” للوضع المالي للشركة، وذلك لأن الميزانية العمومية تخبر القارئ بالمركز المالي للشركة في لحظة واحدة من الزمن، وهي تسمح له بمعرفة ما تملكه الشركة وما تدين به لأطراف أخرى في تلك اللحظة.
تعرض الميزانية العمومية للشركة أصولها وخصومها وحقوق المساهمين، حيث تشمل الأصول: النقد، الأسهم ،المباني ،الآلات، بينما تشمل الخصوم: القروض ،الفوائد ،الأجور، أما حقوق المساهمين هي الفرق بين الأصول والخصوم.
2.بيان الدخل
بموجب كل من معايير التقارير المالية الدولية (IFRS) ومبادئ المحاسبة الأمريكية المقبولة عمومًا (US GAAP) يتم عرض بيان الدخل كبيان منفصل، حيث يُقَدِمْ بيان الدخل معلومات عن النتائج المالية للأنشطة التجارية للشركة خلال فترة زمنية محددة.
يوضح بيان الدخل مقدار الإيرادات التي حققتها الشركة خلال الفترة والتكاليف التي تكبدتها فيما يتعلق بتوليد تلك الإيرادات، إن المعادلة الأساسية الكامنة في بيان الدخل هي الإيرادات (إيرادات المبيعات والخدمات) ناقص المصروفات (المصاريف التشغيلية، مثل الأجور والإيجار، والمصاريف غير التشغيلية، مثل فوائد القروض) تساوي صافي الدخل وكما يشار إلى بيان الدخل أحياناً باسم “بيان العمليات” أو “بيان الأرباح والخسائر”.
3.بيان التدفقات النقدية
يخبرك بيان التدفقات النقدية بكمية النقود الداخلة للشركة والخارجة منها خلال إطار زمني محدد، قد تتساءل لماذا هناك حاجة لمثل هذا البيان لأنه يبدو مشابهًا جدًا لبيان الدخل، يكمن الاختلاف في مفهوم معقد يسمى محاسبة الاستحقاق، حيث تتطلب المحاسبة من الشركات معالجة البيانات المالية عند حدوثها على أساس الاستحقاق وليس على أساس تبادل النقد. يقوم بيان التدفقات النقدية باستبعاد الإيرادات والمصروفات غير النقدية التي يتضمنها بيان الدخل، إليكَ المثال التالي للتوضيح، شراء أحد الزبائن بضاعة على الحساب سيقوم نظام المحاسبة بتسجيل تلك العملية مع العلم أنه لم يتم دفع أي مبلغ.
من أهم السمات التي يجب أن تبحث عنها في الاستثمار المحتمل هي قدرة الشركة على توليد النقد حيث أظهرت العديد من الشركات أرباحًا في بيان الدخل الخاص بها لكنها تعثرت لاحقًا بسبب عدم وجود تدفقات نقدية كافية، وقد يرغب جميع أصحاب المصلحة تقريباً في الاطلاع على بيان التدفقات النقدية لمعرفة مدى توفر النقد مع الشركة وما إذا كانت ستتمكن من تسوية التزاماتها أم لا.
من هم مستخدمو القوائم المالية؟
إن العديد من الأطراف المختلفة تستفيد من المعلومات المالية الواردة في تلك القوائم حيث غالبًا ما يُراجِع هؤلاء الأفراد الذين يُطلق عليهم مستخدمو البيانات المالية هذه المعلومات لأغراض اتخاذ القرار، كما تساعد هذه المعلومات أيضًا المستخدمين في قياس ربحية الشركة وأدائها. يمكننا القول بأن الأطراف المهتمة تشمل:
- المُلاك
عادةً ما يكون المالكون هم أكثر المستخدمين اهتمامًا بالبيانات المالية ولا يعود ذلك لامتلاكهم حصة في الأرباح فقط ولكن أيضًا في معرفة مقدار المال الذي يحتفظون به للدخل الشخصي، تأتي هذه المعلومات من بيان الدخل حيث يرغب المالكون في معرفة مقدار رأس المال الذي تستهلكه الشركة من أجل توليد إيرادات المبيعات. - المقرضين
لدى المقرضين مصلحة في كل من بيان الدخل والتدفقات النقدية للشركة حيث أن هؤلاء المستخدمون قد قدموا قروضًا للنشاط التجاري فالشركات التي لا تستطيع سداد القروض تزيد من مخاطر المُقرِضْ. غالبًا ما يتطلب المُقرضون عدة أشهر لمراجعة البيانات المالية قبل إقراض الأموال، كما أن التحديثات الدورية ضرورية أيضًا لضمان استمرار قدرة المقترضين على سداد القروض. - الموظفين
لدى الموظفين مصلحة في البيانات المالية لأنهم بحاجة إلى ضمانات للاحتفاظ بوظائفهم ويمكن أن يكون للموظفين أيضًا مصلحة في سعر سهم الشركة، الذي له علاقة وثيقة بالمعلومات المحاسبية للشركة. قد تزيد خيارات أسهم الموظفين أو تنخفض بشكل كبير بناءً على السلامة المالية للشركة ويحتاج الموظفون إلى هذه المعلومات لتحديد ما إذا كان يجب عليهم شراء المزيد أو الحفاظ على مستوى الاستثمار الحالي. - الموردون
غالبًا ما يفتح الموردون حسابات تجارية مع العديد من الشركات في بيئة الأعمال حيث يتيح ذلك للشركات سداد المشتريات على مدار فترة زمنية محددة بدلاً من أن يتم دفعها على دفعة واحدة. يفضل الموردون العمل مع شركات ذات وضع مالي سليم عند بيع السلع حيث غالبًا ما يضمن ذلك الدفع في المستقبل، كما يمكن للموردين الذين يبحثون عن عملاء جدد مراجعة البيانات المالية للعثور على عملاء مربحين ومستقرين. - وكالات الحكومة
تقوم الوكالات الحكومية وبشكل رئيسي تلك التي تقوم بتقييم ضرائب الأعمال بمراجعة المعلومات المالية لضمان دفع الشركات لنصيبها العادل من الإيرادات الضريبية، كما قد يكون للوكالات الحكومية الفيدرالية والولائية والمحلية حصة في الشركة أيضاً. يجوز لوكالات الرقابة أيضًا مراجعة البيانات المالية للشركة وقد يؤدي الخطأ المالي غير المناسب أو المادي إلى غرامة ضد الشركة حيث تحاول هذه الوكالات حماية مساهمي الشركة.
مفاهيم المحاسبة المالية
في جوهر المحاسبة المالية توجد طريقة المحاسبة المزدوجة التي يتم من خلالها إدخال كل معاملة مالية في حسابين على الأقل كخصم (مدين) في الحساب الأول وكائتمان (دائن) في الحساب الآخر. إن “الخصم” يعني ببساطة إدخال معاملة على الجانب الأيمن من الحساب(الطرف المدين) ويعني “الائتمان” إدخال معاملة على الجانب الأيسر(الطرف الدائن) حيث يزيد الخصم بعض الحسابات ويقلل البعض الآخر كما هو الحال أيضًا في الائتمان.
تخيل أن الشركة تحصل على قرض مصرفي فبموجب نظام القيد المزدوج يجب إدخال هذه المعاملة كمدين في حساب ودائن في حساب آخر وبسبب الدعم من القرض تزداد السيولة النقدية (أصول الشركة) وكما أيضا بالمثل سيزداد التزامها (خصوم الشركة). يتم اتباع هذا الإجراء في إطار نظام القيد المزدوج للمحاسبة.
تتمثل ميزة المحاسبة المزدوجة في أنها تساعد في الحفاظ على المعادلة المحاسبية (الأصول = الخصوم + حقوق المساهمين) متوازنة دائمًا وإذا قامت شركة بتسجيل حساباتها بدقة فإن الجانب الأيسر من المعادلة سيطابق الجانب الأيمن. حجر الزاوية الآخر للمحاسبة المالية هو نظام المحاسبة على أساس الاستحقاق الذي تحدثنا عنه بشكل مبسط سابقاً.
مبادئ المحاسبة المالية
يوجد هناك عدة مبادئ أساسية للمحاسبة المالية يجب اتباعها والالتزام بها وهي
- الموضوعية
يجب أن تكون البيانات المالية خالية من التحيز ويجب على المحاسبين الماليين اتباع مبدأ الموضوعية بدقة.
- سهولة الاستخدام
يجب أن يتمكن مستخدمو المستندات المالية من الاعتماد عليهم ويجب أن تسهل المستندات عملية اتخاذ القرار.
- الأهمية النسبية
سيؤدي حذف البيانات من البيانات المالية إلى تضليل صانعي القرار المالي لذلك يجب تسجيل جميع البيانات المهمة وتجنب الأخطاء في الحقائق.
- القابلية للمقارنة
يجب أن تُمَكِن البيانات المالية المستخدمين من مقارنة أداء الشركات ويجب أن تتبع المستندات المالية المعايير الموضوعة دوليًا.
معايير المحاسبة المالية
المعايير المحاسبية هي معايير موثوقة لإعداد التقارير المالية وهي المصدر الأساسي لمبادئ المحاسبة المقبولة عمومًا، تقوم هذه المعايير بتحديد كيفية الاعتراف بالمعاملات والأحداث الأخرى وقياسها وعرضها والإفصاح عنها في البيانات المالية، يتمثل الهدف منها توفير المعلومات المالية للمستثمرين والمقرضين والدائنين والمساهمين وغيرهم من متخذي القرار.
في معظم الدول بشكل عام يتطلب قانون الشركات التجارية والتشريعات المتعلقة بالشركات والأوراق المالية الإقليمية من الشركات إعداد البيانات المالية لمساهميها وفقًا لمبادئ المحاسبة المقبولة عمومًا حيث تنطبق معظم أو جميع المبادئ العامة للمحاسبة على المعايير المحاسبية الدولية، يتم وضع هذه المبادئ في الاعتبار عند إعداد البيانات المالية، فعلى سبيل المثال: في الهند يتم إخطار معايير المحاسبة المالية من قبل وزارة شؤون الشركات بما يتماشى مع المبادئ التوجيهية لمعايير التقارير المالية الدولية.
المقارنة بين المحاسبة الإدارية والمالية ومحاسبة التكاليف
سنتحدث بشكل مختصر عن أهم الفروق بين هذه الأنواع حيث:
- تختلف المحاسبة المالية عن المحاسبة الإدارية ومحاسبة التكاليف من حيث أنها تقدم خدماتها بشكل أساسي لأصحاب المصلحة الخارجيين.
- المحاسبة الإدارية مخصصة للاستخدام الداخلي للشركة حيث تزود المديرين بالمعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات معينة من أجل تحسين أداء الشركة.
- الهدف من محاسبة التكاليف هو حساب تكلفة الإنتاج ومساعدة المديرين على الخروج بأفكار لخفض التكلفة وتعتبر محاسبة التكاليف أداة داخلية.