لا بد وأن قابلت بعض الأشخاص الذين يصابون بالإغماء لمجرد رؤية الدم أمامهم، أو أنهم يشعرون بالغثيان لمجرد التفكير في أي إجراء طبي يخص الاختلاط بأحد مصاب أو ينزف، وللمصادفة قد تكون أنت أيضًا من أولئك الذين يخافون أو يكرهون رؤية الدم بأي شكل من الأشكال.
فوبيا الدم أو كما تعرف برهاب الدم (Hemophobia)، حالة نفسية شائعة عند غالبية الناس، وذلك لعدة أسباب، تظهر للعيان بصورة بعض الأعراض أو العلامات، لتتعرف أكثر على مفهوم الفوبيا خاصةً فوبيا الدم، تابعوا معنا مقالنا التالي.
ما مفهوم فوبيا الدم؟
يشتق مصطلح الـ Hemophobia أو كما تعرف بفوبيا الدم، من الكلمتين اليونانيتين الأولى (haima) وتعني الدم، والثانية (phobos) وتعني الخوف، صُنف هذا النوع من الفوبيا ضمن فئة (فوبيا الدم والحقن والإصابات) ضمن الإصدار الجديد للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-IV)
هو حالة من الخوف أو الاضطراب النفسي غير العقلاني، الذي يحدث كرد فعل نتيجة التعرض لصدمات نفسية مباشرة أو غير مباشرة، وغالبًا ما تكون ضمن مرحلة الطفولة، أو المراهقة، ينجم عنها ردود أفعال غير محسوبة وغير منطقية.
من هذه الأفعال رؤية الدماء، أو شخص جريح، أو صورة دم، أو نزيف أصاب حيوان ما، أيًا كان نوع الفعل أدى بدوره إلى إصابة بعض الأشخاص بما يسمى فوبيا الدم.
يمكن أن يتطور هذا النوع من الخوف ليصل إلى حالات شديدة، تتمثل بردود أفعال جسدية مؤذية كالتعرض للإغماء أو فقدان الوعي، ذلك لأنها تسبب انخفاض مفاجئ في ضغط الدم لديهم الأمر الذي يسبب إبطاء في عضلة القلب، وبالتالي صعوبة وصول الدم الذي يحمل الأوكسجين إلى الدماغ والذي بدوره يسبب الإغماء.
أصل المرض، أو أصل الخوف
تعزى بعض الأقاويل إلى أن سبب هذ الخوف غير المبرر جيني، وأنه ينتقل عبر الأجيال بالوراثة، إلا أن الدراسات تنفي سبب هذا الخوف وتم اعتباره من الأفعال المكتسبة.
أنواع الفوبيا أو الرهاب
تم تقسيم الفوبيا أو حالة الرهاب غير المنطقية إلى خمسة أقسام فقط، وتم حصر بداخلها الأصناف الأكثر انتشارًا. من هذه الأنواع:
فوبيا الدم والإصابة والحقن (Blood, injury and injections):
يشمل هذا النوع من الفوبيا، الخوف والقلق من الدم بكل صوره وأشكاله، أو حتى رؤية أحد ينزف، وكذلك الخوف من الإصابات أيًا كان شكلها، وأخيرًا الخوف من الإبر العلاجية.
جميع أشكال هذا النوع تجعل المصاب بها لا يرغب في الذهاب إلى عيادة الطبيب أيًا كان اختصاصه، وبالذات طبيب الأسنان.
فوبيا الحيوان (Animal):
يشمل هذا النوع من الفوبيا، الخوف والقلق من بعض الحيوانات، أو الحشرات، كالخوف من العناكب، أو الخوف من الأفاعي، أو الخوف من الطيور الجارحة، أو حتى الخوف من القطط الأليفة.
الفوبيا المتعلقة بالظواهر الطبيعية (Natural environment):
يشمل هذا النوع من الفوبيا، الخوف والقلق من بعض المظاهر الطبيعية المعروفة كالخوف من المياه المفتوحة أو الجارية، أو الخوف من المرتفعات أو الخوف من ظاهرتي البرق أو الرعد.
الفوبيا المتعلقة بالحالة (Situational):
يشمل هذا النوع من الفوبيا، الخوف والقلق من الأماكن المغلقة، أو حتى الخوف من الارتباط، الخ.
أنواع أخرى (Other types):
يشمل هذا النوع من الفوبيا، الخوف من الاختناق، أو الخوف من الأصوات المترفعة والصاخبة، أو الخوف من القيء.
أعراض الإصابة بفوبيا الدم
غالبًا ما تظهر أعراض الفوبيا العادية أو المحددة على شكل نوبات من الهلع التي ترتبط بارتفاع بمعدل ضربات القلب وضغط الدم. إلا أن فوبيا الدم تختلف كليًا من حيث الأعراض والتي تتمثل بـما يلي.
الأعراض الجسدية:
- انخفاض بمعدل ضربات القلب.
- انخفاض في ضغط الدم.
- الإغماء أو فقدان الوعي.
- صعوبة في التنفس.
- ضيق أو آلام في الصدر.
- الارتعاش، الرجفة.
- دوار أو دوخة.
- ارتفاع في حرارة الجسم، أو انخفاضه.
- التعرق.
الأعراض العاطفية:
- زيادة في مشاعر القلق أو الرهبة أو الخوف.
- الارتباك.
- الرغبة في الخروج من المكان أو الموقف الذي حدث أمامك.
- الانفصال عن الواقع، والاحساس بعدم الاتزان، وفقدان السيطرة على الجسم.
- الإحساس بمشاعر غريبة كالموت.
أعراض الإصابة بفوبيا الدم عن الأطفال:
- يأتي الخوف لديهم على شكل نوبات من الغضب.
- بكاء شديد.
- الاختباء أو الاختفاء.
عوامل الخطر في حال الإصابة بفوبيا الدم
هناك عدة عوامل خطر ينبغي الإلمام بها، حتى يتم ضبط الحالة ومنع تطور الأعراض، لذلك يجب الإلمام الكامل بالمسببات وعوامل الخطر التي تحدث من جراء إهمال العلاج ومعرفة بعض المعلومات حول هذا المرض.
الإصابة ببعض الإضرابات النفسية أو العقلية:
الأشخاص المعرضون للإصابة بفوبيا الدم أو الهيموفوبيا هم أولئك الذين يعانون من بعض المشاكل النفسية، كاضطراب الهلع، والخوف من الأماكن المهجورة أو الخاوية أو حتى الخوف من الحيوانات.
عامل الوراثة:
الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي بهذا النوع من الرهاب، يكونون أكثر عرضة للإصابة بفوبيا الدم. إلا أن الأبحاث لم تثبت ذلك بشكل قطعي.
الأمر المثير للدهشة هو أن الأشخاص العاطفيون بطبعهم، أو لديهم حساسية زائدة، هم أكثر عرضة لهذا النوع من الرهاب.
الجنس:
حيث تعتبر النساء أكثر عرضة للإصابة بفوبيا الدم من الرجال.
تعرضك لحادث ما:
عندما يتعرض الطفل سواء بفترة الطفولة أو المراهقة إلى موقف ما، أو حادث تسبّب برؤيته للدم. سوف يصاب بما يسمى فوبيا الدم.
حيث قدّر الخبراء أنه غالبًا ما يظهر الرهاب أو الفوبيا المحددة لأول مرة في سن الـ 10 و 13 عام وقد يستمر لعمر الـ 17.
العمر بالنسبة للجنسين: 3 – 9 عند الذكور، ومن 5 – 7 عند الإناث.
تبدأ حالة الخوف عند الأطفال بصورة: الخوف من الغرباء، أو الخوف من الظلام، أو الخوف من الوحوش، أو الخوف من الأصوات المرتفعة.
كيف يتم تشخيص فوبيا الدم؟
إذا لاحظت بأن سلوكك قد تغير، والذي يتمثل بخوفك غير المنطقي أو غير العقلاني من الدم بكل أشكاله.
حدد موعد مع طبيبك وقم بوصف كل الأعراض التي ظهرت عليك، بدءًا من تاريخ عائلتك بالإصابة ببعض أنواع الفوبيا، إلى أعراض الظهور، وانتهاء بالمدة الزمنية التي تمثلت بتغير سلوكك الشخصي.
لا تنسى ذكر أي ملاحظة أو حدث أو موقف حصل لك، ليستطيع الطبيب وصف العلاج المناسب لك.
الأسباب التي تؤدي لإصابتك بفوبيا الدم
هناك عدة أسباب تؤدي لإصابتك بفوبيا الدم، من أهمها:
التجارب السابقة:
التعرض لموقف ما أثناء فترة الطفولة أو المراهقة أو الشباب، سواء رؤية الدم بالعين المجردة، أو زيارة الطبيب، أو نزيف أحد الأشخاص أمامك (سواء طفلك، أو زوجتك أو زوجك أو صديقك، أو قريبك)، أو حتى سببه الخوف من الحقن الطبية.
جميعها تولد شعور غير طبيعي، يتسم بالخوف والتوتر والقلق وفي النهاية الرهاب الشديد.
الخوف من الموت:
الخوف من الموت، غالبًا ما يرتبط هذا النوع من الفوبيا بالخوف من فقدان شخص ما، وأن أي إصابة يتعرض لها هذا الشخص سوف ينتج عنها خسارته.
مشاهدة أفلام الرعب:
مشاهدة بعض الأفلام المرعبة والتي تحتوي على مشاهد دامية، كغرس السكين في الجلد، أو قطع الرأس، أو دهس الممثل. حيث يميل صنّاع الأفلام على إضافة عامل الترهيب والترعيب إلى الفيلم، فالمشاهد الدموية تثير المشاهد وتدفعه للاستمرار في متابعة هذا النوع من الأفلام، لذلك العقل الباطني يبدأ بتكوين أفكار غريبة تسبب الإصابة بفوبيا الدم.
العوامل البيولوجية
حيث يعتقد بأن المشاعر المرتبطة بالخوف والقلق والتردد والارتباك والتي تصيب بعض الأشخاص، سببها وراثي، مقارنةً ببعض الناس الذين لا يتأثرون بمشاهدة الدم أمامهم. لذلك تحدث لديهم بعض التغيرات، مثل:
- يبدأ الجسم بضخ هرمون الكورتيزول المسؤول عن رفع التوتر في الجسم.
- كما يتم ضخ هرمون الأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تحويل الغلوكوز إلى طاقة.
- كما يتم ضخ الهرمونات الخاصة بالنمو.
- تحدث بعض التغيرات في نشاط الفرد (في الدماغ).
- ارتفاع بمعدل ضربات القلب.
- ارتفاع ضغط الدم.
الآثار الجانبية لمرض فوبيا الدم
قد يؤدي الخوف الشديد من الدم إلى امتناع بعض الأشخاص عن زيارة الطبيب، أو إجراء الفحوصات الطبية، أو تلقي العلاج، أو حتى تطبيق الضماد الطبي، أو رفض أي إجراء جراحي، أو علاج مشاكل الأسنان، أو حتى تلقي اللقاحات الصحية.
قد يواجه بعض الأباء صعوبة كبيرة في تضميد الجروح التي يتعرض لها أطفالهم، لذا يفضل طلب المساعدة من والدة الطفل لأنها الأجدر في تأمين شعور السلام والأمان لطفلها.
الرغبة في تطبيق العلاج أو أي إجراء طبي في المنزل فقط، الأمر الذي يتطلب عناية مركزة، تستلزم مصاريف زائدة، وتعقيم كبير، ومتابعة مستمرة.
تمنع فوبيا الدم الأشخاص من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وخاصة ممارسة بعض الهوايات أو الأنشطة التي تتطلب الجرأة والمغامرة، مثل: التخييم، رياضة الجري، التسلق، ركوب الخيل.
كل هذه الآثار ستسبب مع مرور الوقت الشعور بالوحدة والعزلة، لأنها ستبعد المريض عن الأصدقاء والأهل، والحياة الطبيعية خارج حدود المنزل.
طرق العلاج من فوبيا الدم
هناك أنواع من الفوبيا لا تستلزم طلب العلاج، كالخوف من العناكب مثلًا، لأنه ليس بالضرورة أن تتعرض خلال حياتك للعناكب، أما في حالة الإصابة بفوبيا الدم فلا بد من طلب العلاج، لأنك في حاجة دائمة للذهاب إلى الطبيب، أو أخذ الحقن، أو اللقاحات. لذلك سنطلعكم على أهم الطرق العلاجية للتعافي التام من فوبيا الدم.
قبل أن نبدأ بذكر طرق العلاج، لا بد من التأكد من تواجد بعض العلامات، حتى يتم التأكد تمامًا من إصابتك بالهيموفوبيا:
- إصابتك بنوبات من الهلع والخوف والقلق الشديد.
- الخوف غير المنطقي من أي شيء يخص الدم.
- أن تكون قد مرت على حالتك 6 أشهر على الأقل.
طرق العلاج الفعالة
العلاج بالتعرض لمصدر الخوف:
يجب أن تقوم ببعض التمارين التي تساعدك على التعامل مع مصدر الخوف (الدم) وجهًا لوجه. ذلك يساعد في التخفيف من حدة مخاوفك شيئًا فشيئًا، والنتيجة الأولى تظهر في المرة الأولى.
يمكن أن يتم ذلك من خلال معالج يقوم بتعريضك بالتدريج لمصدر الخوف، ويعلمك بعض التمارين التي تمكنك من مواجهة الخوف أو الرهاب بطريقة ذكية وآمنة.
العلاج بالسيطرة على الأفكار غير الواقعية:
يتم ذلك من خلال استبدالك لمشاعر القلق والخوف والرهبة حول مفهوم صورة الدم، بأفكار أكثر واقعية وعقلانية، بمعنى أن تستطيع تحكيم عقلك بضرورة السيطرة على مصدر الخوف وعدم السماح للأفكار السلبية بالظهور.
العلاج بالاسترخاء (ممارسة اليوغا):
اليوغا من أكثر الرياضات الصحية خاصةً بالنسبة للدماغ، فهي تمد الجسم بالأوكسجين اللازم عبر التنفس العميق وحالة الاسترخاء والراحة.
العلاج بالتوتر التطبيقي:
التوتر التطبيقي تقنية علاجية جديدة تم تطبيقها على عدد كبير من الناس، وبالفعل لاقت نجاح كبير، حيث تمكن المشاركون من مشاهدة فيلم قصير لعملية جراحية بالكامل دون أن يغمى عليهم أو يشعرون بالدوار أو الرغبة في التقيؤ.
لتطبيق هذه التقنية عليك فعل ما يلي:
- التوجه إلى مكان هادئ ومريح.
- حاول شد وقبض كل من عضلات الجذع والذراعين والساقين لديك، لمدة 15 ثانية، استمر في ذلك حتى يحمر وجهك تمامًا.
- كرر هذه العملية ثلاث مرات، على أن تستريح في كل مرة من 20 إلى 30 ثانية.
- حاول تكرار هذه العملية لمدة عشرة أيام وبنفس الوضعية تمامًا.
الغاية من هذه التقنية تدريب الدماغ على ضرورة السيطرة على أعضاء الجسم، في حال التعرض لبعض المحفزات، وبالتالي منع ظهور الأعراض الوعائية عليك، كالإغماء.
العلاج بالدواء:
يعتبر الدواء هو الخيار الأخير، كما أنه ليس مناسبًا لبعض أنواع الفوبيا، الحل يكمن في إمكانية ضبط النفس والسيطرة على الدوافع الباطنية المؤثرة.
طلب المساعدة من الطبيب:
في حال عجزك عن حل هذه المشكلة، توجه إلى الطبيب المختص، فهو أكثر من سيفهم حالتك ويساعدك على ضبط المشكلة بسهولة.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT):
يحتاج هذا النوع من العلاج، مساعدًا شخصيًا، مهمته إيقاف حالة الذعر والخوف التي تتعرض لها لمجرد رؤيتك لآثار الدم.
- سيقوم بتعليمك مهارات واستراتيجيات معينة، تساعدك على ضبط نفسك والسيطرة على مشاعرك.
- سيساعدك على تحديد الأسباب الرئيسية لمصدر القلق، ونوع المشاعر التي تظهر عند رؤية الدم.
- سيساعدك على استبدال الأفكار السلبية، والمشاعر الضعيفة، بأخرى قوية وحقيقية.
في النهاية …
لا تدع الأوهام والأفكار تجعلك مصابًا بفوبيا الدم، كل شيء يمكن علاجه والشفاء منه، يكفي أن تكون حكيمًا مع نفسك.
تنفس بعمق، مارس الرياضة، خفف توترك، تخلص من مشكلة التفكير الزائد والسلبي. وطبعًا لا تنسى طلب المساعدة من المختصين.
المصادر: